اراء و مقالات

الأردن- نتنياهو: سجل «خصام» كبير والتحدي الأبرز حاخامات يسيطرون على الكيان العميق

عمان ـ «القدس العربي»: قد لا يتعلق الأمر باستفزازات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بني غفير، ولا بتوزيره أصلا فقط إذا كان المطلوب فهم طبيعة الحساسية التي تربط الأردن حكومة وشعبا وقيادة برئيس وزراء إسرائيل للمرة السادسة بنيامين نتنياهو.
قبل توزير بن غفير واستفزازاته في المسجد الأقصى في سياق مناكفة الوصاية الهاشمية الأردنية بقي سجل الخصام كبيرا وضخما بين عمان ونتنياهو. لكنه خصام لم يصل إلى الصدام والاشتباك المباشر لسبب بسيط كان قد تحدث عنه لـ”القدس العربي” عدة مرات وزير الإعلام الأردني الأسبق والخبير الدكتور محمد المومني، وهو ان العلاقات الثنائية أصلا مع الإسرائيليين عابرة للحكومات عندما تتشكل في تل أبيب ومرتهنة في خيط رفيع مع ما يسمى بالدولة العميقة في إسرائيل.
لكن تلك الدولة العميقة تتغير اليوم، فاليمين الليكودي الذي يعتبر نتنياهو أبرز قادته ورموزه في ربع القرن الماضي زحف ويزحف برأي السياسي البارز الدكتور ممدوح العبادي إلى معادلة العمق الإسرائيلي.
مبكرا شعرت المؤسسة الأردنية عبر مجساتها الخبيرة بالانقلاب الذي يحصل في العمق الإسرائيلي. ومبكرا قبل نحو عامين قرأت المؤسسات السيادية الأردنية ذلك التقرير العميق الذي يشخص حجم تغلغل ونفوذ المتدينين اليمينيين وزحفهم بعملية منهجية إلى مؤسسات الدولة العميقة في الكيان والحديث هنا طبعا عن مؤسسات الجيش الإسرائيلي وأذرع الأمن الأربع الداخلية والخارجية والتي تتطور سطوة اليمينيين في عمقها.
كانت الأرقام ومنذ عامين مقلقة وهي تتحدث عن زحف المتدينين المتطرفين إلى نحو 40 في المئة من قيادات الصف الثالث والثاني في قطاعات جيش الاحتلال، فيما تجاوزت النسب 45 في المئة بعملية منهجية فيما يبدو في مؤسسات الأمن الداخلي والاستخبارات العسكرية.
وبقي فقط جهاز الموساد منتميا إلى إسرائيل القديمة قبل ان يفقد لاحقا وقبل أشهر فقط مع ما يسمى بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي فرصة التأثير على مسار الأحداث في السلسلة الإدارية لأوامر في الجيش وأذرع الأمن بما في ذلك حرس الحدود والشرطة.
الحاخامات تمكنوا من التسلل إلى تلك المؤسسات التي كانت اتفاقية وادي عربة تراهن عليها. هؤلاء أعادوا إنتاج المعادلة وقلبوا الموازين ومع تسلل اليمن إلى الحكومة والمؤسسات تقلص بالتدريج كثيرا هامش الحضور الأردني وتم التعبير عن ذلك أما بحجب حصص مياه متفق عليها أو بالتآمر على مشروع قناة البحرين المائي أو حتى عبر تقليص نفوذ الجزء العملياتي في التنسيق الأمني والعسكري على الحدود خلافا لان ذاكرة نتنياهو تحمل برأي سياسيين مطلعين ضربتين وجهتا له من ما كان يسمى بالشريك الأردني.
الضربة الأولى هي تلك التي ظهرت في عهد حكومة نتنياهو السابقة عندما رفض الملك عبد الله الثاني تمديد عقد استئجار أراضي الباقورة المحررة وأصر على استعادتها ورد نتنياهو بوقف التنسيق آنذاك في المسائل الأمنية المرتبطة بالعراق وسوريا.
وفي الضربة الثانية أرسل نتنياهو نفسه قبل حسم الانتخابات الأخيرة ما يبلغ بانزعاجه من تدخل الأردن في الانتخابات نفسها لصالح خصومه قبل ان تصل العلاقات مع نتنياهو إلى ذروة الخصومة والعداء بعدما احتضن دبلوماسي صغير قتل مواطنين أردنيين في حادث السفارة الرابية الشهير بدم بارد وهو ما دفع وزير الخارجية آنذاك أيمن الصفدي لوصف سلوك نتنياهو بانه إجرامي وقح.
يعني كل ذلك في الخلاصة السياسية ان مشكلة الأردن الأساسية المستعصية ليست بن غفير في الواقع لأن الأخير نتيجة لأزمة أعمق بكثير مما يتصور الجميع، ولكنها في أجزاء حيوية منها نتنياهو نفسه وعدم احترامه للمصالح الأردنية.
والأعمق في تشخيص المشكلة هو ان سطوة نتنياهو بشكله اليميني الجديد تؤشر وبكل أصابع اليد الواحدة على أزمة الأردن الأبعد والأعمق مع إسرائيل والمتمثلة كما يلمح لها وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر بانقلاب جراء ان إسرائيل نفسها تغيرت من الداخل.
هنا التغيير أردنيا كبير ومقلق ويختصره سياسي مطلع وهو يتحدث لـ”القدس العربي” قائلا: عناصر الشراكة والتعاون والتفاهمات بعد توقيع اتفاقية وادي عربة كانت مرتبطة بكيانات عميقة في الجانب الآخر تتفاعل وتنشط في احترام كلمة الأردن ومصالحه، لكن مع زحف اليمينيين لقيادات الصف الأول والثاني والثالث في العسكر والأمن أصبح عدد الشركاء والأصدقاء للأردن قليلا حتى يكاد بعد عامين يؤشر على انه ليس موجودا اليوم.
تلك هي عناوين الأزمة الأبرز من الزاوية الأردنية في قراءة الحكومة السادسة لنتنياهو وليس توزير بن غفير وغيره من عتاة المستوطنين إلا تعبيرا عن تلك الأزمة، بمعنى انها أعمق بكثير من ما يتخيله إعلاميون وسياسيون أحيانا تحت بند الوصاية والقدس فقط.
أما الجزء الذاتي الأردني في تعبيرات وتداعيات تلك الأزمة فهو ذلك المرتبط بفهم قواعد اللعبة الجديدة، لان إسرائيل كما يقول المعشر التي وقعنا معها اتفاقية وادي عربة تغيرت وتبدلت ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل انقلبت على الأردن والأردنيين والمصالح الأساسية.
وهنا يكمن شيطان التفاصيل لان التعاطي والاشتباك أردنيا مع هذا النمط الخطر المقلق من الانقلاب الإسرائيلي ومن أجل التماهي أو التفاعل أو الاستجابة يتطلب تغيير سلسلة كبيرة وعريضة من قواعد اللعبة الأردنية نفسها بما في ذلك تصورات أمنية عقائدية استقرت، وتقاليد تعاون حدودية تقنية حدودية عسكرية وشراكات وبعض التفاهمات في أقنية المجتمع الدولي، وإستراتيجيات بنيت على أساس عدم وجود حالة عداء عسكرية حصرا مضمونها ومنطوقها ان اتفاقية وادي عربة وما لحقها هما ضامنان لحدود الأردن في الاتجاه المعاكس للوطن البديل.
لكن كل ذلك في الخلاصة لم يعد مضمونا. وذلك حصرا هو التحدي الأردني الذي لا ينتبه له كثيرون وليس فقط تصرفات بلطجية هنا أو هناك تنتج عن وزراء مستوطنين في حكومة نتنياهو الذي قدم كل الأدلة للأردنيين على انه ليس ناضجا بما يكفي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى