اراء و مقالات

أكثر من سبعة ملايين أردني تمثلهم لجنة السؤال المفاجأة: هل يوجد في المملكة مكون فلسطيني أصلاً؟

أن أسهل وصفة لعرقلة أي مشروع منتج سياسيا تتمثل في استحضار جدل المكونات والضرب على أوتار تخويف الدولة والناس والمتفاعلين من نهايات أو كلفة فاتورة الإصلاح السياسي.

عمان ـ «القدس العربي»: يقرر أحد أعضاء اللجنة الملكية للحوار والإصلاح في الأردن استكشاف أمر ما محدد.

يخاطب العضو رئيس اللجنة المخضرم سمير الرفاعي: هل صحيح ان لجنتنا الموقرة ستعمل على زيادة عدد مقاعد ممثلي المكون الفلسطيني في الأردن؟
طبعا فوجئ المعني بسؤال استفهامي من رئيس اللجنة يربك أي حوار تحت هذا التقميش والتفصيل: هل يوجد أساسا مكون فلسطيني في الأردن؟
لم يكن جوابا من النوع الذي يخطر في ذهن المستكشف وهو يحاول الغرق في النقاشات العامة التي تعلي من شأن المحاصصة أحيانا وتحترف الحديث عن متلازمات جدل المكونات أحيانا أخرى، فما قاله علنا الرفاعي أربع مرات حتى الآن هو ان لجنته تمثل رمزيا سبعة ملايين ونصف مليون «مواطن أردني».
طبعا كانت محاولة استكشافية ملغزة عالجتها خبرة الرفاعي بالمياه السياسية الباردة، فقد خرجت اللجنة للتو أصلا من الإثارة التي صنعها عضو آخر فيها تعهد علنا بان لا يسمح بتوزيع المقاعد البرلمانية على أساس الديموغرافيا رغم أن أحدا لم يقل بذلك أو أنه مطروح على الطاولة وبأي صيغة أو طريقة.
يميل الأردنيون نخبويا عموما لمسألتين تلازمان أي نقاش وأي اجتماع وأي لجنة وأي عشاء في مزرعة.
الأولى هي انتقاد نمو الهويات الفرعية والبحث الهوسي عن مشروع الهوية الوطنية الجامحة.
والثانية تتمثل في الإصرار على تغليف وتعليب أي دعوة للإصلاح السياسي بجدل المكونات وأحيانا باتهامات التخوين والتكفير والتوطين والوطن البديل حيث لا يوجد أصلا منطق في القول بإمكانية إنتاج وطن بديل من نفس المواطنين.
يقدر المفكر السياسي عدنان أبو عودة وعلى هامش نقاش له مع «القدس العربي» بأن تلك الحوارات البائسة ترافق الشغف العميق والسطحي في أحاديث البعض متهما الانحراف المبكر في تطبيق منهجية المواطنة والتفكير خارج منطق الأمة والشعب بالتسبب بكل هذه الجدالات التي لا تعني شيئا.
جواب الرفاعي يستحق التأمل، فالأصل في المسألة كما أعلن في مؤتمر صحافي أن اللجنة الملكية المشكلة مؤخرا تمثل 7 ملايين ونصف مليون أردني بصرف النظر عن الخلفية التكوينية الاجتماعية، فيما يصر عضو اللجنة الملكية الناشط جمال الرقاد وفي سلسلة نقاشات جانبية بحضور «القدس العربي» على انه آن الأوان وطنيا لمغادرة هذه المربعات السقيمة في النقاش والسجال. فالأردنيون جميعا كذلك وهم سواء بموجب الدستور والقانون والممارسة ولا حاجة لنا كلما بحثنا في الواقع أو المستقبل أو التحديات لترديد عبارة مختلة اسمها الأصول والمنابت.
يضم الرقاد صوته للأصوات المستنيرة الداعية إلى مغادرة متحف التعبيرات والعبارات الفرعية، فكل أردني ينظر للوطن من زاويته الخاصة لكن جميع الأردنيين مقدرون وموالون ومنتمون.
رميت اللجنة الإصلاحية مبكرا بسلسلة عاصفة من الاتهامات ويبدو ان الإصرار على عزف أسطوانة «التسييس» والاشتباك مع الصراع يصعد مجددا و«بفعل فاعل» كلما نوقشت أي حلقة في برنامج الإصلاح السياسي.
تلك إسطوانة أقرب إلى متلازمة تظهر خللا في بنية النقاش الأردني الداخلي بحيث ينشغل المعنيون بنفي ورد تهمة باطلة عن أنفسهم بدلا من العمل الحقيقي.
في كل حال يرد سياسيون كبار ومن بينهم المخضرمان طاهر المصري وممدوح العبادي هذه الإطلالات السلبية إلى حالة إخفاق جماعي سابقة تعزز منهجية المواطنة والاشتباك الإيجابي.
يرى سياسيون آخرون بأن الدولة الأردنية على عتبة مئويتها الثانية عليها الإعلاء من شأن المواطنة وقيمتها السياسية والاحتكام للأساس الدستوري والقانوني في تنميط العلاقة بين الحقوق والواجبات وفقا لما يقترحه عضو اللجنة المسيس والبرلماني محمد الحجوج وهو يقرر ان لا يحفل بعد اليوم بالتعليقات المعيقة لأن حاجة الأردنيين جماعية كما أبلغ «القدس العربي» لمنهجية حاسمة في سياق المواطنة تتوقف عن الاستفسار عن الأصل والمنبت والخلفية الاجتماعية.
هنا تبرز العبارة الاستفهامية المشار إليها بتوقيع الرفاعي باعتبارها امتثالا للحقيقة والواقع.
وما ينقص في المقابل التأسيس والتشريع لهذا الواقع في الاتجاه المعاكس للإيقاع الذي حاولت فرضه مبكرا خلاصة دراسة بحثية قيل انها علمية وتفترض بان إنجاز الإصلاح السياسي في الأردن «أمر غير ممكن» قبل ما أسمته بصون الهوية الوطنية الفلسطينية.
يعلم الجميع في الحالة النخبوية الأردنية بأن أسهل وصفة لعرقلة أي مشروع منتج سياسيا تتمثل في استحضار جدل المكونات مجددا والضرب على أوتار تخويف الدولة والناس والمتفاعلين من نهايات أو كلفة فاتورة الإصلاح السياسي.
ثمة أمل بان تستطيع اللجنة الملكية الحالية تجاهل مثل هذا الاستحضار لأشباح التوطين والمكونات على أمل الوصول إلى صفقة إصلاحية متوازنة ومنطقية وتقبلها كل الأطراف.
لكن تفعيل هذا الأمل يتطلب الحد من المطبات والكمائن التي يجتهد بعض أعضاء اللجنة منذ تشكلت حتى الآن وسيواصلون على الأرجح زرعها بشكل أفخاخ في عمق نقاشات اللجنة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى