اراء و مقالات

جولة «أردنية» في «العقل الأمريكي» وتدشين مرحلة «هندسة المشهد الفلسطيني»

«معلومات عن بحث تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية»

عمان ـ «القدس العربي»: صعب جداً التكهن سياسياً وإعلامياً بمنظومة المكاسب التي يمكن أن تنعكس على المصالح الأردنية بعد الجولة الملكية الأخيرة في عقل المؤسسات الأمريكية بحثاً عن تنميط سياسي ما يفهم بصورة محددة ما الذي يريده الأمريكيون في ظل المواقف المتشابكة والمعقدة في الإقليم.
الجولة الأخيرة للعاهل الملك عبد الله الثاني في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية على نحو أو آخر، تعكس قراراً أردنياً بأن عمان رفضت الاستسلام لترك الملفات معقدة ولا تريد الخضوع لمواصفات اليمين الإسرائيلي المتشددة.
ذلك لا يعني عملياً إلا أن الأردن دبلوماسياً يستمر في حالة تحريك. لكن لا يعني ذلك في المقابل، أن النتائج مضمونة في أي اتجاه وسط حقل ألغام تحرك بينه الثوابت الأردنية في القضية الفلسطينية ووسط زحام أشار له وزير الخارجية أيمن الصفدي عندما تناقشت معه «القدس العربي» مؤخراً في التحديات والرهانات التي لم تعد بالقطعة والتقسيط، كما لم تعد مرتبطة حصراً بالعدوان العسكري الإسرائيلي بقدر ما هي مرتبطة بتداعياته، وما يهم الأردن في النتيجة انعكاس تلك التداعيات على ثنائية المصالح والثوابت.

رواية أوروبية

يناضل الأردن بشكل ملموس بين الألغام والتفاصيل. وقبل الجولة الملكية الحالية في عقل مؤسسات الدول الفاعلة والأساسية، كان الوزير الصفدي يلمح إلى رواية أوروبية جديدة تتبلور وتتراكم وفيها قدر من الاعتدال الذي يمكن البناء عليه، فيما بقيت لهجة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن غير حاسمة، وتتغير ببطء شديد في اتجاه ما يعتبره الوزير الصفدي تعبيرات أفضل قليلاً. لكن إلى أي حد أفضل؟ لا أحد يمكنه حسم الإجابة على هذا الاستفسار البسيط، الأمر الذي تطلب بقاء الأردن دبلوماسياً في حالة حراك وديناميكية مرنة، فظروفه ومصالحه المعقدة تجبره على التواصل مع الجميع.
قبل الجولة الملكية الغربية الأخيرة المهمة، تقارب الأردن بنسبة بسيطة في منظومة التشاور مع الجار السعودي، وشهدت العلاقات والاتصالات الأردنية القطرية تطوراً فاعلاً ومرصوداً وقراراً مشتركاً في العمل معاً كما لم يحصل من قبل على الملف الفلسطيني.

«معلومات عن بحث تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية»

قبل الجولة نفسها، بقيت القيادة الأردنية طوال الوقت في أقرب مسافة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظم لقاء العقبة الثلاثي في رفقة الرئيس محمود عباس، وفي الأثناء استقبل رئيس دولة الإمارات في عمان بزيارة خاصة قال بيانها الإعلامي إنها ركزت على مناقشة وقف إطلاق النار ضد قطاع غزة وتعزيز إدخال المساعدات. وصلت لعمان رسالة من أبو ظبي في الأثناء تقول إن ما تركز عليه دولة الإمارات مرحلياً هو الإغاثة وليس المزاحمة والمشاركة في رسم مستقبل المشهد الفلسطيني. وليس سراً أن زيارة الرئيس محمود عباس إلى قطر كانت جزءاً من الترتيب، لا بل الغرق في التفاصيل، وحصراً تلك المرتبطة بما يسمى في عمان اليوم بهندسة مشهد المستقبل الفلسطيني. ولاحظ الجميع أن التفاعل القطري مع الرئيس عباس تسربت منه معلومات عن بحث تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية. ولاحظ الجميع أن مؤسسة القصر الملكي الأردنية ومنذ أكثر من 4 أسابيع، نفضت الغبار عن ملف باسم تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية مرحلية ومؤقتة لثلاث سنوات على الأقل.
قبل الجولة الملكية في البيت الأبيض والكونغرس وعواصم أوروبية فاعلة وكندا، لم يعد سراً أن عمان اتجهت لتقليب صفحات السيرة الذاتية لشخصيات تكنوقراط فلسطينية نزيهة يمكن أن تبرز خلال الأسابيع القليلة المقبلة تحت غطاء حكومة تكنوقراط في رام الله تعكس لا بل تمثل ما يسميه الأوروبيون وحصراً الألمان والبريطانيون، بتنشيط السلطة الفلسطينية ومؤسساتها وما يطلق عليه الأمريكيون من جهتهم إصلاح السلطة هيكلياً.
ليس سراً في المقايسة والمقاربة أن عمان تريد مع الفلسطينيين والمصريين السعي ولو قليلالتعديل نتائج وتداعيات الغطاء الأمريكي الكبير لحكومة تل أبيب اليمينية.
ما قد تحصل عليه هو فقط تعديلات طفيفة في هذا القطاع هنا وهناك، وما حصلت عليه في الجولة الأخيرة خلال الساعات الماضية -حسب مصادر خاصة مطلعة أبلغت «القدس العربي»- هو ثلاثة عناصر لكنها ليست عميقة وجوهرية: الاشتباك الأردني حصل على مباركة ضمنية لتعزيز المسار الأردني في ملف المساعدات. وما بحث مع الأمريكيين بمرونة هو بعض اللوجستيات، وثالثاً يتربص الأردنيون بما يسمونه تطوراً في فهم البيت الأبيض لضرورة ربط أي صفقة تبادل للأسرى والرهائن بين إسرائيل وفصائل المقاومة بمشروع أبعد وأشمل لوقف إطلاق النار على المدى البعيد على الأقل.

خطة مبرمجة

وكان الوزير الصفدي قد تحدث بصراحة عن سعي بلاده لوقف شامل ومنهجي أفقياً وضمن خطة مبرمجة ومتفق عليها دولياً لإطلاق النار.
والمنطق في تفسير مثل هذا السعي هو أن عمان راغبة في أن تنتهي الفوضى الحالية والصراعات العسكرية بمزاج دولي يعود بخطوات إجرائية وليس لفظية إلى حل الدولتين. المرصود، في المقابل، نشاط حيوي ومؤثر لجولة ملك الأردن مع الرئيس بايدن وبلينكن وطاقمه وشخصيات مؤثرة في الكونغرس، لكن لا أدلة على إحداث فوارق كبيرة واختراقات في مشهد المباركة الأمريكية للإسرائيليين، الأمر الذي قاد تلقائياً، وبسرعة، الحراك الأردني لتحصين مصالح الذات والبحث في الانعكاسات ذات البعد الوطني والمصلحي والأمني.
يمكن القول إن الأردن قد يكون البلد الوحيد في ظل الموقف المعقد في المنطقة عربياً وإسلامياً الذي تمكن من الاطلاع الملموس أكثر على ما في ذهن المؤسسات الأمريكية، وهو أمر جيد حرفياً بالمعنى الدبلوماسي حتى وإن لم يقد إلى نتائج واختراقات محددة ملموسة.
ما يأمل فيه الأردن قد لا يحصل عليه من الأمريكيين، لكنه يوصل رسالته ويبحث شؤونه ومصالحه وملفاته؛ وفي أقل تعديل، يمكن اعتبار المؤسسة الأردنية بالحد الأدنى اليوم أكثر اطلاعاً وغرقاً في تفاصيل ما تخطط له الإدارة الأمريكية الحالية، دون أن يعني ذلك طبعاً مبايعة الخطة أو مباركتها أو الثقة بنجاحها.
تحسين شروط التفاوض، وإدخال المساعدات أكثر، وتطوير لهجة ولغة وقف العدوان وإطلاق النار، وإعادة الجميع إلى مربع حل الدولتين، هي أهداف دبلوماسية ممكنة الآن لوجستياً وسياسياً في الذهن الأردني الذي قرر عدم الاستسلام ووقف عند تحصيل ما يمكن تحصيله الآن وانتظار ما سيحصل غداً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى