اراء و مقالات

الأردن: قوى «الشد العكسي» نشطة أيضاً في اصطياد «أحزاب الجامعات»

لماذا اعتقل الكاتب عدنان الروسان؟

عمان – «القدس العربي» : طبعاً ودون تردد، وفي حال اللجوء مجدداً للتحليل السياسي وقراءة الخارطة المحلية الأردنية، يمكن القول وببساطة بأن واقعة اعتقال الكاتب الأردني الناقد والحراكي النشط عدنان الروسان، هي من الصنف الذي ينتمي إلى عائلة «إجراء يمكن الاستغناء عنه»، أو لتلك العائلة الحقوقية التي تؤسس لمنظور مرن لصالح الحريات السالبة لا بل المعاكسة لمناخ «استعادة الثقة».
كان يمكن في كل الأحوال الاستغناء عن توقيف واعتقال الكاتب عدنان الروسان، خصوصاً أن مثل هذه التوقيفات بين الحين والآخر، وإن كانت مغلفة بدعوى شخصية أو تتعلق بمقالات وتعليقات وكتابات بعيدة عن الوقائع والحقائق وفيها ظلم و»ذم غير شرعي»، إلا أنها اعتقالات تقلق وتخلط ورق البنية العشائرية والمناطقية.

لماذا اعتقل الكاتب عدنان الروسان؟

رغم كل ذلك تم توقيف الكاتب، ورفاقه فيما يسمى جبهة الإنقاذ الوطني لم يقفوا عند حدود إصدار بيان للتنديد بتلك الواقعة فقط، لكن ذهبوا في اتجاه عقد اجتماع تشاوري والتلويح بالتصعيد في حال عدم الإفراج عن رفيقهم المحبوس الأن ضمن تطبيقات الجرائم الإلكترونية بسبب نصوص أو تعليقات وبناء على شكاوى من بعض السياسيين أو رؤساء الوزارات السابقين.
ولائحة الاتهامات التي قدمت من قبل النيابة تذكير حيوي لجميع المعنيين بملف حقوق التعبير بسلطان وسيف «قانون الجرائم الإلكترونية» حصراً، خصوصاً بعد سلسلة لا متناهية من الدعوات لفرض قيود على حريات التعبير وبصفة خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.

الانتقاص من حريات التعبير؟

وبمعنى أو بآخر، وبصرف النظر عن وجاهة الوقائع التي تسردها النيابة في التكييف القانوني بعنوان حصول مخالفات قانونية فعلاً، فإن اعتقال الروسان يوحي ليس فقط بعكس ما تريده السلطة والدولة اليوم من إشاعة أجواء انفراج على مستوى الحريات العامة وحريات التعبير، بل أيضاً ينتهي بتسليط الضوء على الإمكانات الحقيقية للانتقاص من حريات التعبير بسبب تطبيقات قانون الجرائم الإلكترونية، وهو القانون الذي اعتبره ناشطون نقابيون عدة مرات ومن بينهم أحمد زياد أبو غنيمة، إشاره مباشرة على التعسف والتسلط وقمع الحريات.
وأغلب التقدير أيضاً أن الروسان في طريقه للتحول إلى «نجم» أو ضحية للقيود المفروضة على حريات التعبير، حيث تجيد منظمات دولية متعددة الاصطياد في مياه الحكومة الأردنية عندما تتعكر بمثل هذه الأحداث أو الأجندات ذات البعد البيروقراطي الأمني فقط، علماً بأن منظمات حقوقية اخترقت السقف وهي تنتقد أجواء الحريات العامة في الأردن بالتوازي مع إعلان كل السلطات عن برنامج تحديث المنظومة السياسية، الذي يهدف إلى تعددية حزبية وإطلاق حريات التحزب، ووضع برنامج أساسي يحظى بالغطاء السياسي للانـــتقال إلى ديمقراطية الأحزاب مـجدداً.
هنا وكما حصل في اعتقالات أخرى لحراكيين أو لنشطاء سياسيين يطالبون بالإصلاح، يؤسس اعتقال الروسان لحالة ازدواجية في الخطاب لا تصل رسائلها من جهة السلطة للناس كما ينبغي، ولا يفهمها الرأي العام عموماً إلا في سياق تكرس حالة التعاكس مع منطوق حريات التعبير والحريات الفردية، على حد تعبير المحامي الناشط والحقوقي البارز عاصم العمري، الذي يتحدث لـ«القدس العربي» عن رصد فارق بين الخطاب والإجراء عندما يتعلق الأمر بمنشور هنا أو رأي هناك. والعمري يشير بوضوح إلى أن الإجراءات التعسفية السالبة للحريات يخسر معها الجميع وتمس بمصداقية الخطاب الرسمي.
ولذلك، تسلطت الأضواء بكثافة على واقعة توقيف الروسان، وهو ناشط متحرك يتجاوز في تأثيره الحالة التي تثيرها نصوص ينشرها باسم المعارضة والانتقاد بين الحين والآخر، أو يعبر عن مضمونها فتصدر باسم بيانات جماعية مرتفعة السقف.
إدارة ملف اعتراضات الروسان ثم توقيفه تدل مجدداً على بصمات أو آثار لحالة ارتباك على المستوى السلطوي في كيفية التعاطي والاشتباك مع مبدأ الحريات العامة والجزء المتعلق منها بحريات التعبير، مع أن القانون لا يضمن للمعارضين والحراكيين مسافة كبيرة في حرية الاعتداء على حقوق الآخرين، خصوصاً من الموظفين العموميين ولا على الحقيقة.
وبالتالي، القانون يضمن للأشخاص دوماً مساحة للتقاضي، لكن قرارات التوقيف قبل القرار القضائي القطعي هي التي يمكن مناقشتها كعقوبة سياسية أو أمنية أو إدارية غير مبررة أو متعسفة أو يمكن الاستغناء عن فاتورتها الرفيعة.

الحضن البيروقراطي

الأهم أن الحضن البيروقراطي لمبدأ التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي هو ما يناقش ويرفع سؤال «الجاهزية الحقيقية؟» كلما برزت إجراءات أو قرارات مثل اعتقال كاتب أو ناقد أو نقابي أو حراكي، وإن كانت الاتجاهات السالبة أو المعاكسة لتحديث المنظومة والتعددية الديمقراطية الحزبية يمكن تلمسها في حالات أخرى، أهمها ما سلط عليه الضوء قبل يومين القطاع الشبابي في حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض عندما اعترض على النظام القانوني الذي صدر عن الحكومة تحت عنوان تنظيم العمل الحزبي في الجامعات والمعاهد.
وهنا لاحظ بيان للقطاع الشاب في حزب الجبهة بأن نصوص البروتوكول الجديد منفرة للعمل الحزبي وتفرض قيوداً وشروطاً غير مبررة عليه، تخالف منطوق الإرادة السياسية المتعلقة بتحديث المنظومة السياسية.
طبعاً مثل هذا الخطاب يحتاج إلى تعمق وتأمل، لكن اللائحة التي يشير إليها المعارضون تمنح عمادات شؤون الطلبة في الجامعات حقوقاً وامتيازات تؤدي إلى تقليص صنف نوعية وتوقيت العمل الحزبي، بمعنى أن حريات التنظيم الحزبية بين الشباب وفي الجامعات يضربها البروتوكول الجديد الذي اعتمدته وزاره التعليم العالي.
وبالتالي، تتراكم القناعات بعد سلسلة إجراءات رسمية وحكومية بأن اتجاهات الشد المعاكس لتحديث المنظومة نشطة أيضاً، وليس فقط عملية تحديث المنظومة نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى