اراء و مقالات

سؤال يتردد في الأردن: هل المستقبل الفلسطيني بات في «قبضة المقاومة»؟… خيار «مقلق ومحرج»

عمان ـ «القدس العربي»: «مستقبل القضية الفلسطينية بات في قبضة خيار المقاومة». هذه خلاصة استراتيجية، صحيح أن السياسي الأردني الإسلامي والشاب الدكتور رامي العياصرة أرسلها في ملخص تحليلي لـ«القدس العربي» لكن الصحيح أيضاً أن هذه القناعة التي تدل على تطورات وتدحرجات الملف الفلسطيني تحديداً تزحف في أوساط وأوصال النخب الأردنية وبشكل غير مسبوق وكما لم يحصل من قبل وبسرعة من مختلف المكونات في التعبير السياسي.
يمكن قراءة شيء مما يقترحه العياصرة الإسلامي في ذلك التصريح اليتيم الذي صدر باسم وزير الخارجية أيمن الصفدي ومعه اسم أمين السر منظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ.
ويمكن قراءة جزء آخر من تلك الخلاصة ليس فقط في ثنايا البيان الذي صدر عن أكبر أحزاب المعارضة الأردنية في سياق التفاعل مع أحداث مخيم جنين مؤخراً، لكن أيضاً في بطن الكلام الذي قيل بوضوح تحت عنوان هواجس النخب الأردنية وصدر الثلاثاء الماضي متضمناً تواقيع وأسماء طبقة عريضة من أصحاب الألقاب والمناصب حالياً وفي الماضي.
تزداد في الواقع النخبوي السياسي الأردني تلك القناعات التي تتحدث وطنياً عن مأزق استراتيجي أردني وطني وسياسي اليوم موجود وقائم حتى في لحظات إنكاره إعلامياً وسياسياً، واسمه الواضح مأزق أوهام التعايش مع إسرائيل والصهيونية.
في آخر 3 إطلالات عالمية، تحدث الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة عن ذلك المأزق الأردني وسقوط استراتيجية التماهي مع عملية السلام.
ومع «القدس العربي» مباشرة، كان العضايلة مؤخراً يتحدث عن مخاطر التعايش مع الحالة الإسرائيلية وهجمتها الحضارية على الأمة وليس الشعب الأردني فقط، محذراً من الصمت على محاولات الانتهاك لهوية الشعب الأردني.
مستقبل القضية الفلسطينية اليوم تجلس على طاولته المقاومة الفلسطينية.
وليس سراً أن ذلك يحصل ويتطور فيما لا توجد حلقات اتصال ولا مجسات يعتد بها بين الأردن الرسمي وتلك الفصائل المقاومة التي تجلس على طاولة الفعل والميدان اليوم، فيما الفراغ والتآكل يلتهم السلطة الفلسطينية وما تسميه عمان بالشرعية الفلسطينية، بدلالة أن وزير الخارجية الصفدي يستخدم عبارات فلسطينية رسمية مطحونة ولا معنى لها، مثل توفير الحماية للشعب الفلسطيني دولياً في الإفصاحات الرسمية، ويلجأ لاحقاً لوزير الخارجية التركي الجديد فيدان هاكان حتى يصبح الملف الفلسطيني طاغياً على أول لقاء تعارف بين الوزيرين.
هاكان فيدان التركي على خط التواصل الأردني بعدة ملفات، لكن الجملة الفلسطينية أساسية، والسبب الحصري تلك الدلالات والألغاز التي رافقت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على مخيم جنين.
ذلك مستجد لا يمكن الاستهانة به في المشهد، وعمان تدرك هنا وإن كانت متأخرة دبلوماسياً أنها في زاوية التعايش أو اكتفاء شر المشروع اليميني الإسرائيلي الجديد، وقد تحتاج السلطان التركي الذي حرصت منذ سبع سنوات على التعامل معه بالقطعة والتقسيط.
قد تحتاج أيضاً مصافحة عن بعد مع طهران ودمشق، خلافاً لتبادل أحضان مع روسيا على أمل إعادتها لمستوى الاشتباك مع الملف الفلسطيني، وليس ذلك إلا لسبب واحد؛ فالمفاهيم تبدلت، والوزير الأمريكي أنتوني بلينكن أرسل هادي عمرو للأردنيين لإبلاغهم رسمياً بعدم وجود خطة لديه ولدى إدارته فيما سمّاه المسألة الفلسطينية.
بلينكن وطاقمه في الانحياز للمشروع الإسرائيلي اليميني، وأوروبا منشغلة بالحدث الأوكراني، والتطبيع الإبراهيمي حبل مشدود على رقبة الأردن والسلطة الفلسطينية، وما سمّاه المخضرم الخبير طاهر المصري مؤخراً بالسيولة الاستراتيجية التي تجتاح المنطقة والإقليم بدأت تكشف أوهام التعايش مع المشروع الصهيوني الإسرائيلي حتى بعد 30 عاماً من توقيع اتفاقية وادي عربة.
الإحراج واضح وشديد عند الشريك الأردني لعملية السلام.
ويمكن اعتبار البيانات التي تصدر وتحذر من هواجس الترانسفير والتحريك الديموغرافي برفقة المناورات والمناولات هنا وهناك تعبيراً رمزياً مباشراً عن الارتباك والإحراج. وسببهما عملياً إصرار بعض المستويات البيروقراطية الأردنية على عدم تصديق رواية الدكتور مروان المعشر الخاصة بأن إسرائيل انقلبت على عملية السلام وعلى الأردن.
وعدم تصديق الرواية الموازية التي تقول بأن اليمين المتشدد الصهيوني التهم أو يلتهم المؤسسات العميقة لدى الكيان والتي بنيت الشراكة أصلاً معها.
لذلك فقط وبسبب السيولة الاستراتيجية المشار إليها، بدأت تسقط أوهام التعايش مع إسرائيل بالمعنى الاستراتيجي، وتصبح قضايا محددة مثل فراغ السلطة الذي تملأه أفعال المقاومة أسئلة أردنية وطنية محرجة بامتياز.
وعليه، يقترح العياصرة بوضوح أمام «القدس العربي» بأن على من يعولون ويراهنون على خيار التسوية، التفكير بخيارات وبدائل؛ لأن تلاحق الأحداث زمنياً لا يسمح بالفراغ، ولأن الأردن غير حاضر في الضفة الغربية ولأن علاقته الوحيدة هي مع السلطة التي تتراجع.
وما يقترحه عياصرة وغيره بكثرة اليوم في المشهد الأردني هو أن العلاقة مع الكيان أصبحت بمثابة التحدي والتهديد الخارجي للدولة الأردنية والنظام السياسي، فيما الحليف الأمريكي الأكبر لا يملك الحلول ولا يطرحها، ويكتفي بعبارات كان المفكر السياسي الكبير الراحل عدنان أبو عودة يصنفها بأنها إنشائيات من الأناشيد والأغاني فقط.
بكل الأحوال، العصب السياسي والأمني الأردني كان مشدوداً لتطورات المشهد الفلسطيني، ونخب القرار التي تعتبر اليوم أقل خبرة بكثير من الماضي لا تريد شراء رواية المستجدات لأنها لا تستطيع ببساطة.
لكن الوضع متحرك، ومرحلة طرح التساؤلات الحرجة هي في نهاية مشوارها، لتبدأ مرحلة الإجابة عليها بسردية شعبية إذا ما أصرت السردية الرسمية على الغياب أو النوم مجدداً في الإغماء.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى