اراء و مقالات

فوضى «البث والإعلام الإلكتروني» في الأردن ومواجهة «خاسرة»

لماذا اكتفت الحكومة «بهذا القدر» من الجدل؟

عمان – «القدس العربي»: يبدو أن المناورة الفاشلة بخصوص الجهد المبذول لضبط إيقاع الإعلام الإلكتروني ومنصات التواصل الأردنية انطوت عملياً على بعض الدروس والعبر السياسية الطابع، التي يمكن للطاقم الوزاري الذي يدير الملف الإعلامي في الأردن أن يأخذها في الاعتبار وبصورة تقلص، بعد الآن، من هوامش المبادرة والمناورة أمام الحكومة فيما يتعلق بنوايا فرض المزيد من القيود على حريات الإعلام.
تلك مناورة بالتأكيد من النوع الذي يمكن الاستغناء عنه، فقد قررت هيئة الإعلام مباشرة بعد تعيين المعارض السابق طارق أبو الراغب رئيساً لها، وضع بروتوكول جديد للتعليمات تضمن قيوداً غير مسبوقة على حريات النشر الإلكتروني.
تلك القيود برزت في أكثر من مفصل واتجاه، وأهمها مضاعفة رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية عدة مرات وبطريقة مبالغ فيها، والعمل على إجبار المواقع الإلكترونية الصحافية على التقدم بميزانيات سنوية، ووضع أعين الرقابة على مسائل الإنفاق والمالية، إضافة إلى فرض رسوم أو مراقبة على البث عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وغيره.

لماذا اكتفت الحكومة «بهذا القدر» من الجدل؟

تلك تعليمات أثارت ضجة واسعة النطاق في الأردن، واندفعت تلك الضجة بمجرد وضع نسخة من تلك التعليمات على الموقع الرسمي لديوان التشريع في الحكومة، مما فجر خلافات وتجاذبات حادة جداً، في نفس التوقيت الذي تعمل فيه مطابخ الدولة على عنوان تجديدي ومختلف له علاقة بتحديث المنظومة السياسية.

هجمة حادة جداً

انشغل الوسط الإعلامي الإلكتروني والإعلامي عموماً بهجمة حادة جداً على تلك التعليمات المستحدثة، التي انطلقت أصلاً من إحساس مربع القرار بضرورة السيطرة أكثر على الصحافة الإلكترونية، أو على ما يرد عبر وسائط التواصل الاجتماعي تحديداً، باعتبارها تشكل الهم المؤرق للسلطات الرسمية منذ عدة سنوات، خصوصاً أن منصات التواصل الاجتماعي الأردنية فعالة ونشطة جداً، وبالتالي تقود رد الفعل الرسمي وبقية السلطات عندما يتعلق الأمر بالتأثير في الشارع واتجاهات الرأي العام وإثارة القضايا الخلافية.
لاحقاً، قررت نقابة الصحافيين ومعها الجمعية التي تمثل المواقع الإلكترونية الصحافية، الاحتجاج والرد على تلك التعليمات وإسقاطها، وعقدت عدة نشاطات وفعاليات في هذا الاتجاه كانت لافتة جداً للنظر.
بين تلك الفعاليات، في طبيعة الحال، تجمعات ووقفات احتجاجية شهدت حضوراً مكثفاً للإعلاميين، وتحذيرات من مركز حماية وحريات الصحافيين، إضافة إلى نقابة الصحافيين، لها علاقة بصعوبة الإقرار بعودة فرض قيود من أي نوع على العمل الإعلامي، خصوصاً على أعمال البث الإلكتروني، التي قررت التعليمات أنها ينبغي أن ترخص، وعليها رسوم مالية، مما يربك جميع الأطراف.
في كل حال، انتهت المواجهة بتصريحات واضحة لوزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية صخر دودين، قال فيها بأن الهدف من تلك التعليمات كان أصلاً استدراج الآراء والمقترحات، معلناً بأن الحكومة اكتفت بهذا القدر، وبالتالي معلناً أيضاً العودة من قبل جهاز هيئة الإعلام إلى تطبيق التعليمات التي كانت موجودة أصلاً.

إرباك الحكومة

تلك بالمعنى المهني، هزيمة قاسية لفكرة الحكومة ولاختبارها الجديد المثير الذي حاول فرض صنف من أنواع القيود على العمل الإلكتروني، وهو صنف يؤشر ضمنياً على أن دوائر القرار لا تزال مشغولة بمحاولات الضبط والسيطرة على منصات التواصل والصحافة الإلكترونية، لكن نتائج هذه المنازلة، عملياً، كانت في الاتجاه المضاد للحكومة، بمعنى أنها أخفقت في فرض التعليمات الجديدة بعد الضجة الواسعة التي أثارتها تلك التعليمات.
وهو وضع يبدو أن مسؤوليته قد تقع في إطار طاقم التشريع ومجلس الوزراء بصورة سياسية وأدبية خصوصاً، لكنها تقع أيضاً برسم واسم رئيس هيئة الإعلام الجديد المحامي طارق أبو الراغب.
لأسباب غير مفهومة بعد، حملت تلك المبادرة التي فشلت علناً الآن، لا بل تراجعت عنها الحكومة وقررت دفنها، اسم المحامي أبو الراغب، وهو ناشط وحراكي ومعارض سابقاً من أبرز دعاة عدم فرض قيود على حريات التعبير، لا بل يعتبر من الشخصيات النادرة التي وصلت إلى مواقع رسمية بسبب الحرية والسقف الذي اعتمدت عليه عبر منصات التواصل الاجتماعي تحديداً.
وحاول عدة مرات شرح وتوضيح مبررات ومسوغات الأفكار المقترحة التي تعرضت لسوء فهم، لكن الشارع الإعلامي رفض مراراً وتكراراً الإصغاء وحتى النقاش. المسألة أربكت الحكومة عملياً، وكانت من الطراز الذي يمكن الاستغناء عنه حقاً و في كل الأحوال.
لكن المناورة التي أخفقت هنا قد تكلف الحكومة أكثر في الأسابيع والأشهر المقبلة، لأن إخضاع منصات التواصل والمواقع الصحافية الإلكترونية بات مهمة أصعب، والعودة إليها ستكون مكلفة في الواقع العملي، خصوصاً أن الجسم الإلكتروني الإعلامي يتوسع وينمو وينتعش وينتشر في الأردن بصيغة أصبحت من أسس الحياة والاشتباك مع القضايا العامة والوطنية، وبالتالي يشعر الجمهور المعني بهذه المنصات والمواقع بأن الوضع الحالي هو عبارة عن امتياز من الصعب التراجع عنه. ذلك، ضمنياً وعملياً، ما أقرت به الحكومة عندما أعلنت أنها تكتفي بهذا القدر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى