اراء و مقالات

الأردن: ما هي رسالة «الوصي الهاشمي» بحضور الرئيس الفلسطيني؟

عمان – «القدس العربي»: توقيع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في وقت متأخر بعد ظهر الأحد على وثيقة جديدة تبارك إنشاء وقفية دينية خاصة برعاية الوصاية الهاشمية في المسجد الأقصى في القدس المحتلة، أقرب إلى رسالة سياسية عملياً ومباشرة بعيداً عن تلك التكهنات التي ارتبطت فيما سمي سابقاً بمسار التكيف مع التطورات على مستوى اليمين الإسرائيلي.
ملك الأردن ولإعطاء زخم خاص بالوثيقة الجديدة التي تم توقيعها في عمان بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تقصد التأكيد، ولكن بصورة غير مباشرة على أن المملكة الأردنية الهاشمية ليست بصدد أي تسويات من أي صنف على حساب مضمون ومنطوق وشكل الوصاية الهاشمية في المسجد الأقصى وأوقاف القدس الإسلامية والمسيحية. ومن المرجح هنا – حسب سياسيين مطلعين – أن عمان تؤسس لحالة ثابتة في الموقف السياسي والملكي قوامها التذكير بأن مسألة الوصاية غير خاضعة للنقاش.

دورات تلاوة القرآن

وهو موقف تدعمه القيادة الفلسطينية أو الشرعية الفلسطينية كما يحب أن يسميها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بدلالة حضور الرئيس عباس ونخبة من سفراء الدول الإسلامية للمناسبة التي استضافها القصر الملكي الأردني بعنوان إنشاء وقفية المصطفى لختمة القرآن الكريم في المسجد الأقصى. تم تأسيس صندوق خاص لجمع التبرعات لتلك الوقفية، ومن الطبيعي القول بأن العائلة الهاشمية والملك يوفرون الغطاء السياسي وسط مجموعة الدول الإسلامية والعربية المهتمة بملف القدس لهذا الصندوق الجديد، وفكرته كما شرحها مسؤول طاقم الأوقاف الأردني في القدس المحتلة هي توفير التمويل اللازم للإشراف على دورات بقراءة القرآن متخصصة لـ 1000 قارئ وقارئة من أبناء مدينة القدس، وبهدف دعم صمود أهل المدينة. التفاصيل المهنية والشرعية وحتى المالية في هذه الوقفية كان يمكن أن يعلن عنها في إطار وزارة الأوقاف الأردنية أو مجلس الأوقاف الذي يشرف عليه الأردن في القدس، لكن حضور الرئيس عباس والإصرار الملكي على توقيع وتوشيح الوثيقة الخاصة بالوقفية الجديدة هو أقرب إلى صيغة رسالة سياسية بامتياز، يعيد الأردن عبرها بالتعاون مع الرئاسة الفلسطينية التأكيد على أنه يرفض -كما كان في الماضي وكما سيرفض مستقبلاً- أي قرارات أو إجراءات يمكن أن تمس بالأمر الواقع في مدينة القدس.
ويعتبر الأردن الرسمي أن الوصاية الهاشمية في عمق الأمر الواقع المقصود، ومن ثم في إطار رسائل أو تبادل وطرح الرسائل السياسية المتبادلة توقيع وثيقة وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى من جهة الملك شخصياً وليس أي مسؤول آخر في الدولة الأردنية، وبحضور المستشار الديني للملك، هي صيغة قرار سياسي بأن الأردن متمسك رغم كل التوقعات والتكهنات بالملامح الأساسية لملف وصايته على القدس، وبالتالي لن يساهم تحت أي ظرف وفي أي سيناريو بتقليص تلك الوصاية لصالح الغموض أو المجهول، وإن كانت عمان توسع عبر بند التبرعات للصندوق قليلاً ولأول مرة مساحة التواصل مع الدول الإسلامية تحت لافتة الوقفية.
والدلالة المكانية والظرفية لوجود الرئيس عباس كشاهد على توقيع الوصي الهاشمي على وثيقة الوقفية الجديدة هي رسالة موازية تقول ضمناً بأن الأردن حرص على وجود القيادة الفلسطينية التي سبق أن وقعت اتفاقاً شرعياً وسياسياً يعتبر القدس أمانة بيد الدولة الأردنية الهاشمية، وبالتالي الشرعية الفلسطينية في التموقع والمكان وفي الوثيقة الجديدة.
وبدا لافتاً هنا وبامتياز أن التغطية الإعلامية الواسعة وحضور طيف واسع من السفراء الأجانب والعرب والمسلمين في عمان للحفل البسيط الذي استضافه القصر الملكي بالخصوص، محاولة للتذكير ليس بالثابت الأردني فقط بخصوص القدس والمسجد الأقصى، ولكن للتمسك به. وهي محاولة تبرز اليوم بعد أيام قليلة من صدور تقارير تتوقع بأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستهاجم الدور الأردني أو ستحاول الاعتداء على الحصة الأردنية في الدور، ومن ذلك استهداف برنامج الوصاية الهاشمية في مدينة القدس وأوقافها الإسلامية والمسيحية لصالح ما يسمى ببرنامج التقسيم الزماني والمكاني المرتبط ذهنياً وسياسياً باليمين الإسرائيلي.
قبل أيام فقط صدر في عمان تقرير بحثي عميق توقع بأن تزايد نفوذ وحضور القوى التي تمثل المستوطنين الإسرائيليين سيؤدي إلى تزايد الدعوات لتقويض الوصاية الهاشمية، واعتبر هذا التقرير الذي صدر عن معهد الإعلام والمجتمع الأردني بمثابة جرس إنذار يذهب لأسوأ سيناريو محتمل.

لا تفاوض على «الوصاية»

لكن الجانب الأردني وفي الإجراء الجديد وبعد أيام فقط من خطابين للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أكد على نفس المضامين التي تقول باختصار بأن الأردن ليس بصدد التفاوض أصلاً على ملف الوصاية.
وبناء عليه، ليس في صدد قبول أي أفكار أو مقترحات جديدة يمكن أن تعيد إنتاج الوصاية الأردنية أو حتى تستبدلها بمفهوم الرعاية أو حتى تناقش تفاصيلها وإن كانت الوقفية الجديدة تسمح بمساهمات عربية وإسلامية. يعني ذلك أن الأردن قرر الاشتباك هنا مسبقاً، وأطّر المساحة التي يتحرك بموجبها ملف الوصاية، ورفض أي مقترحات لاحقة يمكن أن تقرر عبر أي حكومة إسرائيلية مستقبلية.
ويظهر أن الأردن مستعد للاشتباك والصدام، لا بل لديه أوراق يمكن أن يوظفها جميعها في مواجهة أي محاولة من أي حكومة إسرائيلية، أو أي ممارسة ينتج عنها المساس بالمصالح الأردنية الحيوية. وهو تعبير استخدمه وزير الإعلام الأردني الأسبق وعضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني، علناً، قبل أن يفيض في شرح الأمر لـ “القدس العربي” على أساس أن المصالح الأردنية واضحة الملامح ويعرفها الجانب الإسرائيلي، وبالتأكيد حسب الخبراء، من بينها ومن أسسها وملامحها الوصاية الأردنية الهاشمية على القدس وأوقافها.
وبالتالي، ثمة أوراق يمكن استخدامها، لكن حتى تفهم كل الأطراف المعنية كان لا بد من تأطير جهد جديد أو حالة دينية شرعية جديدة مستندة إلى شرعية الوصي الهاشمي، وهي الوظيفة السياسية، إن جاز التعبير، بعد الإطار الديني الشرعي لصندوق الوقفية الجديدة الذي حمل اسم المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الأقصى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى