اراء و مقالات

الأردن: «نزع الدسم» وتخفيض سقف بعض طروحات «تحديث المنظومة»

أيام قليلة عن «صفقة الإصلاح»

عمان- «القدس العربي» : الخطة المعمول عليها حالياً بعنوان الإعلان عن قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين في الأردن برفقة أقل قدر من الصخب السياسي وضجيج الاعتراض لها ما يبررها عملياً، خصوصاً أن الجدل والنقاش حول التشريعين المشار اليهما بدأ يخرج عن سكة المأمول والمتوقع على الأقل بالنسبة للرؤية الملكية المرجعية التي انتهت بتشكيل لجنة عريضة لتحديث المنظومة السياسية.
أيام قليلة فقط تفصل الأردنيين عن صفقتهم الجديدة في الإصلاح السياسي. وهي صفقة ولدت أصلاً بصعوبة وبعد تجاذبات من كل الأصناف، ويبدو أن صيغتها ستكون حافلة بالتسويات بين مراكز القوى والجذب والاعتراض والمناورة، سواء في الدولة أو في الشارع. انتهت عملياً ملامح المسودة الأولى لقانون انتخاب جديد سيثير الجدل في كل الأحوال، وانتهت أيضاً ملامح التعديلات التي تقترحها أضخم لجنة استشارية ملكية شكلت منذ عقود على صياغات قانون الأحزاب، فيما تدل النقاشات والتجاذبات التي رصدت خلف الستارة على نزع الدسم من بعض الأفكار الطموحة التي حاولت اعتماد برنامج عمل سياسي مكثف مدته عشر سنوات يؤدي إلى ولادة برلمان حزبي، مما يعني ضمنياً الانتقال إلى الاشتباك مع منهجية حكومات الأغلبية البرلمانية. كما تدل أيضاً على نزع الدسم بعد طول محاججة واعتراض وأصوات مرتفعة من تلك المقترحات التي تؤدي إلى اقتطاعات لبعض مقاعد البرلمان من الحصص والكوتات المخصصة للأقليات، ونزع الدسم مبكراً في الواقع من تلك الأفكار التي كانت تخطط لتطعيم وتلوين مقاعد الأقليات بالصيغة الحزبية على أمل تقديم مساهمة كبيرة نسبياً في اتجاه برلمان البرامج الحزبية.
ولم تقتصر عملية نزع الدسم على هذا السياق، فصيغة النظام الانتخابي نفسه لم تحسم بعد، ونصوص التعديلات التي تسربت تحت عنوان تغيير العقيدة البيروقراطية بخصوص حماية العمل الحزبي لا تؤشر على عملية انفتاح كاملة تؤسس لحاضنة اجتماعية وبيروقراطية تحمي العمل الحزبي.
يتوقع أن يزيد عدد أعضاء مجلس النواب بموجب التوافق الأخير بمقدار ثمانية مقاعد ليصبح 138 مقعداً.

أيام قليلة عن «صفقة الإصلاح»

وقبل كل ذلك، نزع الدسم أيضاً بتأثير من القوى المحافظة في المجتمع من تصورين أساسيين كانا سيؤديان إلى تأسيس سقف مرتفع للعمل الحزبي البرامجي.
والتصور الأول هنا هو تأسيس حالة وطنية يصل فيها عدد ممثلي الأحزاب تحت قبة البرلمان إلى ما لا يقل عن 50 % من المقاعد، وبصيغة تجعل التعبير الحزبي هو المدخل الأكثر رواجاً في العمل الاقتراعي والانتخابي.
وفقاً للمعطيات، انخفض سقف القائمة الوطنية المغلقة لحصص الأحزاب بمقدار لا يزيد عن 30 % من المقاعد، مما يعني هزيمة المنطق الذي حاول الصعود بالنسبة إلى 50 % هنا على الأقل، مع السماح بنكهات حزبية هنا وهناك في الدوائر المحلية المفتوحة، وعلى أساس تفاهمات بين تيارات اجتماعية وحزبية غامضة في تجربة قد تستدعي مجدداً نظرية الحشوات والتحالفات الانتخابية غير الصلبة.
أما في التصور الثاني فضربة قانونية ملموسة لعناصر التشبيك بين قانوني الأحزاب والانتخابات، مع أن سلسلة الإجراءات الموصى بها هنا فيها أحياناً قفزة نوعية توفر الحماية للعمل الحزبي نسبياً، وتمنح المرأة أفضلية واضحة، وتعزز ما تيسر من منظومة النزاهة الانتخابية.
تغيرت بحكم إنزالات خلف خطوط اللجنة الملكية بتوقيع شرائح في المجتمع ومكونات كلاسيكية بعض الملامح الأساسية في الوصفة المأمولة لتحديث المنظومة السياسية أو للإصلاح السياسي، وتغذي هذا التغيير طوال الوقت على هواجس ومخاوف وذرائع استفادة الإخوان المسلمين أكثر من غيرهم، مما تسبب بنوع من الصدمة والحيرة لممثلي التيار الإسلامي الثلاثة في اللجنة الملكية.
يعني ذلك بأن المحظور والمحسوب في الخارطة السياسية حصل، فسقوف التغيير والإصلاح السياسي بالنتيجة حققت بعض الخطوات والمنجزات، لكنها تقلصت بفعل تحالفات ضمنية بين أنصار الرأي المحافظ النشطاء في الصف الرسمي والمجتمع، وأيضاً بفعل رخاوة موقف بعض ممثلي التيار المدني في اللجنة الملكية، والذي عمل ضمنياً بالاتجاه المعاكس لقفزات كبيرة في الإصلاح.
والمحظور حصل أيضاً لأن ضخامة عدد أعضاء اللجنة تسبب بزحام أعاقها أحياناً، كما قدر سياسي متابع على هامش نقاش مع «القدس العربي» هو المهندس مروان الفاعوري، وأيضاً لأن أخطاء بعض أعضاء اللجنة الفردية وأخطاء الاختيار والانتقاء أصلاً كلفت اللجنة حاضنة اجتماعية عريضة كان يمكن أن تؤمن بها، مع أن اللجنة بالتزامن أخفقت أو دفعت للإخفاق في توفير مناخات إيجابية تحصل للتوافق قبل تدشين أعمالها، حيث شاهدان تحدث عنهما الجميع في هذا السياق، بما في ذلك رئيس اللجنة المخضرم سمير الرفاعي. وهما التأزيم واستمراره في ملف نقابة المعلمين، وإصرار الحكومة على إرسال نص قانون معدل له علاقة باللامركزية والبلديات، فيما اللجنة الملكية للحكم المحلي بدأت أعمالها للتو؛ ما أضعف اللجنة.
ومما أوضح أهمية ما كان يتحدث عنه عضوان في اللجنة الملكية مبكراً وأمام «القدس العربي» هما عامر السبايلة وأحمد سمارة الزعبي، عند الحديث عن ضرورة الانتباه للمناخ السياسي والوطني العام بصيغة توفر سهولة تفاعل اللجنة مع الملفات.
في كل حال، اللجنة تقترب أكثر من وضع اللمسات الأخيرة على مشروعها المكتوب، لكنها وببراغماتية كبيرة تجولت ما بين الكمائن والمطبات، واحتوت بعض الهجمات، وتعايشت مع ظروف وبيئة الشد والجذب، وصمدت بالحد الأدنى من التسويات، الأمر الذي سيظهر قريباً جداً بعدما ألمح الرفاعي وأعضاء في المكتب التنفيذي إلى توفر هامش زمني إضافي يمكن أن يمتد إلى الأول من الشهر المقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى