اراء و مقالات

الأردن: الحليف «متحرك» والمعارض «في الصمت»

عمان – «القدس العربي»: عملياً، لم يسبق لدور العزاء ومجالسات العشائر في الأردن أن تحولت إلى بؤرة حراكية نشطة تخترق فيها الثوابت الحمراء وتطرح فيها أسئلة كان يفترض الجميع أن المؤسسات الرسمية الأردنية تجاوزتها على مدار سنوات، خصوصاً أن ذلك يحدث في ظل استمرار العزف حكومياً ونخبوياً ومؤسساتياً على وتر مشروع تحديث المنظومة السياسية ومشروع التمكين الاقتصادي، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المحلي أشد المعاناة وتثور فيه احتقانات معيشية وتطرح أسئلة حائرة، فيما تصر الحكومة من جانبها على زرع ما أمكن من التفاؤل في سياق الحديث عن التمكين الاقتصادي وتفاعلاته.
لكن دور العزاء ومجالس العشائر تتصدر حملة النقد الوطنية العامة الآن والتشخيص القلق، في الوقت الذي تبتعد فيه عن محور التشخيص الناقد والهتافات أوساط المعارضة الكلاسيكية والتقليدية سواء في الأحزاب السياسية أو حتى عند جماعة الإخوان المسلمين-أكبر مكون معارض ووطني في البلاد، كما تبتعد في الوقت نفسه النقابات المهنية عن مساحة النقد المباح وغير المباح لأنها مشغولة تماماً بمشكلاتها المالية والمعقدة بعد تجريف محتواها وتهديد دورها واختراقها.

تحذير الجبهة

جبهة العمل الإسلامي المعارضة كانت قد سبقت الجميع في التحذير 3 مرات على الأقل من تداعيات رفع أسعار المحروقات، وعليه تمتعت طوال الوقت بحس مرهف في التقاط معاناة الناس والانعكاسات، لكن الجبهة المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين لم تستثمر ضد الحكومة في اللحظة، وبدا عموماً لها ولبقية الأحزاب أن البنى الاجتماعية التقليدية المعارضة للإسلاميين تاريخياً والحليفة للنظام هي التي تتحرك احتجاجاً، وبالتالي لا مبرر لمزاحمتها على الميكروفون.
لغة التصعيد واضحة الملامح في المجال الحيوي لمجالسات العشائر هذه الأيام، وأيضاً في دور العزاء. وبعض الرسائل التي وجهت مباشرة لكبار الشخصيات الرسمية ولقيادات وجنرالات أثناء تلقي العزاء بسقوط شهداء الأمن العام إثر الانزلاق الأمني مؤخراً كانت رسائل خشنة للغاية، لا بل قاسية وغير مسبوقة في بعض المواقع، وحصراً تلك المواقع التي كانت دوماً حليفة للسلطات وتدافع عن خياراتها في انعكاس أولي لمقولة “تفكيك الدولة الرعوية” الذي يحصل بدون توفير بدائل إنتاجية ومع كثير من الأسئلة العالقة، حسب السياسي البارز مروان الفاعوري.

حالة مستجدة

هذه حالة مستجدة في المعطيات الأردنية لم يكن الرأي العام يتابعها أو يعلم بها في الماضي، ولم تكن الحكومات المتعاقبة تواجهها، خصوصاً أنها تنتج بعد سقوط الدم هذه المرة، الأمر الذي يزيد من منسوب ومستويات الاحتقان العام.
ويبدو في هذا السياق أن المقاربات الرسمية وأيضاً حتى الروايات الأمنية، لا تبدو مقنعة، خصوصاً أن سقف الحوار والنقاش والتساؤلات والانتقادات بات في دور العزاء المرتبطة بشهداء الأمن العام مؤخراً، وفي مجالس العشائر تتجاوز أي سقف يألفه الأردنيون عموماً من حيث العمق والشكل والمضمون في الوقت نفسه، حيث إن بعض متبني الطروحات النقدية هنا من المتمرسين سابقاً في وظائف أساسية في الدولة أو يمثلون الاتجاهات عشائرية حليفة جداً ومنذ عقود، للخيارات الرسمية.
ومن ثم، الملاحظات النقدية في مثل هذه الحالات تكون عميقة وصلبة وتذهب إلى حدود أبعد من الحدود المألوفة، لكن مثل هذه الحوارات والتساؤلات الصاخبة في وجه مسؤولين بارزين برزت في الواقع بعد إظهار الصفوف العشائرية علناً قلقها العام وبأكثر من لهجة ولغة جراء الأحداث والتداعيات التي أعقبت إضراب سائقي الشاحنات الشهير، ثم الإعلان عن سقوط شهداء من رجال الأمن العام، بالإضافة إلى الإعلان عن سلسلة قرارات وإجراءات اقتصادية ومالية صعبة ومعقدة.

خشونة

وبصفة عامة، يلاحظ الراصدون هنا أن الملاحظات فيها قدر كبير من الخشونة، والأهم عدم التسليم بالروايات الرسمية لكيفية سقوط الشهداء وتوجيه أسئلة حادة من أوساط بالعادة حليفة للدولة، لا بل تمثلها في كثير من المفاصل الاجتماعية والتاريخية والسياسية تتعلق بالمنظومة الأمنية، الأمر الذي يعني ضمنياً أن المسالة هنا لا علاقة لها بالحراك الشعبي ولا بآراء معارضة ولا بمحترفي المعارضة الخارجية، بل ولا يمكن تعليبها أو تغليفها أو اتهامها بالعمل ضد الرواية الرسمية، ولا يمكن أيضاً اتهامها بتهم موسمية من طراز السوداوية أو بث السلبية.
ذلك طبعاً في كل حال، تعبير عن مأزق جديد ينتج عن إقصاء مكونات الأحزاب والعشائر والنقابات المهنية طوال عقدين، ودون توفير بدائل. والتململ هنا في الأوساط الحليفة للدولة وللنظام وللحكومة وللسلطات أيضاً، وبالتالي الملاحظات عندما تطرح فنية وصلبة، لا بل شرسة ومؤثرة.
والإشارات كانت واضحة للحكومة ولأعضاء مجلسي الوزراء والنواب مبكراً في دور العزاء المشار إليها عند رفض استقبالهم، لا بل وجهت رسائل لموظفين كبار زاروا تلك الدور للعزاء قيل لهم خلالها بأنه تم استقبالهم بالاسم الشخصي وليس باسمهم الوظيفي، وهي ملاحظات يعلم الجميع أنها لم تكن تقال في الماضي.
وبالتالي، المطلوب مقاربة جديدة ومختلفة في التحدث مع وعن هذه التفاصيل، وقد يكون المطلوب لاحقاً الإقرار علناً ورسمياً ونخبوياً بأن مشروعيه، التحديث والتمكين، أخفقا مبكراً في استقطاب كفاءات العشائر وبعض الأوساط العليمة والخبيرة في صفوف المكونات الاجتماعية.
وبناء عليه، لا بد من إعادة التفكير بنمط جديد يحافظ على البنية الاجتماعية التي كانت طوال الوقت بمثابة المدافع الشرس عن مصالح الدولة وروايتها الرسمية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى