اراء و مقالات

رسالة أردنية حول المخدرات تشمل الدولة السورية و«الحرس الثوري»: المراوغة لم تعد مقبولة

عمان – «القدس العربي»: قناعة غرفة القرار الأردني راسخة وقيلت مباشرة للسوريين بأن منظمة الحرس الثوري الإيراني هي التي توفر الحماية والغطاء وأحياناً تدير عمليات تهريب المخدرات عبر الأراضي جنوب سوريا باتجاه شمالي المملكة، على أن المسلحين التابعين لحزب الله اللبناني جزء نشط “من تلك المنظومة”.
كانت رسالة الأردن واضحة في هذا السياق، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية أيمن الصفدي في حديثه الأخير لمحطة “سي إن إن” حيث تلميح مباشر إلى أن القوات العسكرية الأردنية يمكنها في حال عدم الاستدراك أن تتوغل في الداخل السوري.
في الواقع، التوغل لأسباب أمنية في العمق السوري تحت عناوين فنية مرتبطة بتغيير قواعد الاشتباك هي مسألة لا تحتاج للتشاور عندما يتعلق الأمر بواجبات حماية الأمن الحدودي الأردني. لا بل ثمة سوابق طاردت فيها الأجهزة الأردنية مسلحين يحاولون تهريب المخدرات في العمق السوري.
يعرف الجميع ذلك وتحديداً في دمشق، وسمعه مباشرة في عمان الوزير السوري فيصل المقداد، على أساس الصيغة الأردنية التي انشغلت بأن تتصاعد إلى قمة الحوار العربي – السوري الجديد مسألة الجهد المفترض لمواجهة “صداع المخدرات السورية”، حيث تجارة نشطة يقدرها الخبراء بالمليارات وليس مئات الملايين فقط اليوم.
وفي جلسة غير مخصصة للنشر قبل تصريح الصفدي لـ “سي إن إن” والتطورات الأخيرة عسكرياً على أكتاف شمالي الأردن، كانت الرسالة الأردنية واضحة الملامح؛ فقد تم إبلاغ السوريين بأن الجيش العربي الأردني مستعد للتوغل إذا لم تعد إلى الواجهة مظاهر السيادة في الدولة السورية، وإذا لم تبذل دمشق جهدها المفهوم والمنطقي والمباشر للسيطرة على زخم تهريب المخدرات باتجاه الأراضي الأردنية.
الواقع أن الجانب السوري سمع نفس اللهجة سابقاً، وأن الأردني سبق أن توغل وهو يطارد متسللين سوريين مسلحين يحاولون المساس، وأن عمان لا يمكن لأحد أن يلومها وهي تحمي حدودها، بما في ذلك نخبة دمشق التي لا تبدو متهيئة أمنياً وفنياً لفرض سيطرتها على الأرض في مناطق الجنوب السوري لصالح “حرب الأردن على المخدرات”.

مصلحة أردنية

يعيد مثل هذا المنطق ما كان يقوله الوزير السابق وعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، عن وجود مصلحة أردنية مباشرة لا بل استراتيجية بأن يمثل فقط رموز الدولة السيادية السورية الطرف الآخر على الجانب الآخر من الحدود.
قال المومني ذلك عدة مرات أمام “القدس العربي”، فيما كانت غمزة الوزير الصفدي واضحة الملامح: “قلنا لهم بأن عليهم التدخل والقيام بالجهد اللازم لحماية الحدود من الجانب الآخر. ودون ذلك، مصالحنا وزخم عملية المخدرات لا تحتمل الاسترسال أو الانتظار أو التريث”.
لذلك، تكتسب عملية قرية الشعاب ولاحقاً مقتل المطلوب رقم 1 في قضايا المخدرات السورية أردنياً والمدعو “مرعي الرمثان” أهميتها؛ لأنها منسقة وظرفية وثأرية لدماء شهداء من العسكريين الأردنيين، خلافا لأنها “رسالة ما” لزوايا المثلث في المنطقة، وهي: دمشق والحرس الثوري و”حزب الله”.
قاعدة الاشتباك الجديدة الأردنية التي أعلنت دبلوماسياً على الحدود الأردنية السورية ولاحقاً ترجمت فجر الاثنين عسكرياً بصورة مرجحة، هدفها استفزاز الجانب السوري ودفعه للتصرف.
قبل ذلك، نجحت الدبلوماسية الأردنية بجعل مسألة المخدرات التي يتم تهريبها بإلحاح إلى الأردن نصاً مركزياً من الالتزامات المطلوبة ضمن ما سمي بالمسار العربي في لقاء عمان التشاوري، وضمن مسابقة “خطوة مقابل خطوة”. الانطباع سياسياً قوي في أوساط عمان بأن الدولة السورية لا تستطيع الاشتباك مع مسلحي تهريب المخدرات في القرى الجنوبية لصالح خطة الأمن الحدود الأردنية. وهنا بدا واضحاً أن المعادلة الأردنية بخصوص المخدرات السورية حادة الملامح اليوم.

خياران أمام دمشق

أمام دمشق خياران لا ثالث لهما؛ إما أن تتوغل الأجهزة الأمنية الأردنية “براً وجواً” لتسيطر على مصدر زخم تهريب المخدرات، وإما أن يعود الجيش السوري نفسه لتوفير الأمن المطلوب. ودون ذلك، كانت الرسالة واضحة وقيلت للوزير فيصل المقداد قبل أن تقوله عملية قرية الشعاب. وأغلب التقدير أن شيئاً مماثلاً سمعه من الوزير الصفدي الرئيس بشار الأسد عندما زار دمشق قبل عدة أسابيع.
في المقابل، المقاربة الأردنية تقول بأن على الدولة السورية التصرف، أو على الجمهورية الإيرانية بالمنطق الأردني أيضاً ضبط إيقاع الغطاء الذي يوفره الحرس الثوري ومنظماته في الجنوب السوري لتهريب المخدرات ضد الأردن.
ذلك جزء حيوي من نقاشات الأردن مع الحلقات الوسيطة في أركان البيت الشيعي العراقي، التي انتهت بجلسات أمنية الطابع، تم فيها تبادل الملاحظات مع الإيرانيين.
وقيل بوضوح للإيرانيين بأن منظماتهم في الجنوب السوري عليها التصرف، وحصلت عمان على وعود في هذا السياق. لكن من الواضح أنها لم تطبق، والسبب بتقدير غرفة القرار الأردني هو أن هذه التجارة غير الشرعية وغير الأخلاقية تدر مئات الملايين من الدولارات. وعليه، يفترض أن نطاق العمليات في الجنوب السوري لصالح المجموعات المسلحة الإيرانية واللبنانية وبصورة أقل العراقية الموجودة أن المصالح المالية أساسية هنا، وأن مراوغة الاحتياج الأردني ممكنة. لكن ما تقوله المؤسسة الأردنية اليوم أن هذه المراوغة لم تعد ممكنة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى