اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن في «الخطر المعتدل»: بعد «مصفوفة» تفكيك الحظر… لماذا أعلن الرزاز «النبأ السعيد»؟

 

: الإيحاء واضح في خطاب رئيس الوزراء الأردني الذي أعلن فيه، أمس الخميس، قدراً من التراجع عن سياسات الإغلاق والحظر، حيث مفردة «مصفوفة» تعود للواجهة، وتعداد للإيجابيات، وتبرير لخطوات الإغلاق المتشددة، ومحاولة قد لا تساندها الأرقام والمعطيات لـ»رفع المعنويات».
في المؤتمر الصحافي الذي عقده الرزاز أمس في مركز الأزمات، بدا وكأنه يدافع عن منظومة إجراءات حكومته المثيرة للجدل طوال الأزمة مع فيروس كورونا. ويحافظ في الوقت نفسه على مساحة، ولو أصغر، من «الحظر» والتشدد، يمكن أن يعود لها لاحقاً، في إشارة سياسية لبراغماتية الحكومة إذا تطلبت الأجندة السياسية والأمنية والوطنية مستقبلاً أي ملامح حظر تحت عناوين «أزمة جديدة» من وزن تداعيات ضم إسرائيل للضفة الغربية أو صفقة القرن أو غيرهما.

الحكومة «تتجمل» في انتظار «التعديل الوزاري»

أمام السلطات المحلية اليوم «معطيات ميدانية» مع سلسلة «تدريبات» للكوادر الأمنية على ما يتوجب فعله في الحالات الحساسة أو الطارئة مستقبلاً.. تلك كانت واحدة من فوائد مقولة «نجحت الدولة وأخفقت الحكومة» في أزمة كورونا. لكنها فائدة سياسية بامتياز أيضاً بعدما تعذر الإصرار على القبول بخسائر مالية واقتصادية كبيرة جراء الحظر رغم عدم وجود أدلة من أي نوع على وجود «محلي مستوطن» للوباء، حيث الغالبية الساحقة من الإصابات مستوردة لعائدين من الخارج أو لأجانب أو لمخالطيهم.
لا تزال سياسات الحذر والحظر أحياناً مطلوبة وقابلة للعودة إلى الحياة.. هذا ما يمكن فهمه من حديث الرئيس الرزاز أمس عن «مصفوفة كورونا» ومن عبارة «نحن في مستوى الخطر المعتدل» ونتجه لمستوى «الخطر المنخفض».
ضمنياً، ما يريد الرزاز قوله أن كل المعطيات كانت ضمن خطة، خلافاً للاتهام الأكثر ترويجاً في الاتجاه المعاكس للحكومة، حيث ملامح ارتجال وعشوائية وتخبط وغياب الانسجام أحياناً بإجماع جمهور المراقبين، وحيث خلفيات «يبدو أنها سياسية» لحشر الناس ومنع حريتهم، حسب الكاتب الإسلامي والسياسي حلمي الأسمر. وهنا سعى الرزاز بوضوح لـ»تزويق وتجميل» الواقع متحدثاً عن إجراءات إغلاق في بداية الأزمة كانت في الاتجاه السليم ووفرت الكثير من الخسائر ووفرت الحماية للأردنيين.
وعن «خبرات أردنية» باتت مطلوبة من دول تطلب إرسال مرضى لتلقي العلاج في الأردن. وأيضاً عن – وهذا قد يكون الأهم – أزمة اقتصادية ومالية عامة اجتاحت كل الدول وستؤثر على الجميع في تمهيد حكومي للأيام التي سبق أن وصفها الرزاز بأنها «صعبة» مستقبلاً، خصوصاً في المسار الاقتصادي والمالي والاستثماري.
عملياً، طوال الأسابيع الماضية لم يكن الرزاز هو من يعلن «الأخبار السيئة» أو تلك التي تثير إزعاج الشارع. لكن عندما تعلق الأمر بالأخبار السارة، وتحديداً في مجال مصفوفة رفع إجراءات الحظر وتخفيف الإغلاق بسبب «الخطر المعتدل»، ظهر رئيس الوزراء متقدماً المشهد قبل أن يتولى الناطق الرسمي، الوزير أمجد عضايلة، إبلاغ الأردنيين بالتفاصيل.
طبعاً، سياسياً وإعلامياً يفعل الرزاز ذلك لسبب. وهو اليوم في وضع، بعد إظهار وجود خطة لدى حكومته لعودة الحياة الطبيعية وتخفيف الحظر والإغلاق، يقول فيه ضمنياً بأن الفرصة متاحة للانتقال إلى المسار الثاني من الاتجاه السياسي؛ بمعنى بقاء الحكومة وإبعاد سيناريو التغيير الوزاري وتجهيز أوراق «تعديل وزاري» مفترض يتسبب مبكراً بكثير من الجدل.
رفع حظر التجول الشامل في الأردن، وفتحت الكنائس والمساجد لكل الصلوات اعتباراً من السابع من الشهر الحالي، وسمح للمواطنين بالتنقل بين المحافظات، ما سيؤدي إلى تحريك قطاع المواصلات والنقل الضخم المعطل، على أن كل ذلك -كما وصف الرزاز- سيكون ضمن سياسات وخطوات وقائية وفي سياق الحذر.
رئيس الوزراء هو الذي افتتح تلك السلسلة من الأنباء السارة بعد «نقاش عاصف» في غرفة العمليات، وبقي مطبخ مجلس الوزراء حتى ساعة متأخرة من مساء الأربعاء، واستمر حتى فجر الخميس. ويريد الرزاز أن يكون الرجل الذي يعلن تدشين مرحلة التراجع عن الحظر على أساس «مصفوفة» علم بها الرأي العام أمس الخميس فقط، وبعد سلسلة من الضجر الشعبي وخسائر بمئات الملايين للقطاعين العام والتجاري.
وتلك في كل حال «بشرى سارة» للأردنيين لم يعد ممكناً القول بإمكانية الوصول إليها لولا صلابة المؤسسات السيادية التي أشرفت على تفاصيل الإغلاق والحماية في بداية أزمة كورونا، ولولا الاشتباك المرجعي الملكي المباشر مع «كل التفاصيل»، وأيضاً لولا الجهد الكبير للمستوى الأمني.
ثمة تنسيق رفيع المستوى بين مؤسسات الدولة حصل في تجربة الاشتباك مع كورونا. وثمة «عيوب وعلل» في الجسد البيروقراطي وفي تركيبة الحكومة كشفتها الأزمة كما لم يحصل من قبل. ومركز القرار، وفقاً لما توثقت منه «القدس العربي»، يريد مضاعفة وتعميم تجربة التنسيق و»يحتفظ» بمعالجة العيوب إلى مرحلة أخرى مسترخية قليلاً بعد ترسيم الاحتياجات بدقة متناهية في ظل الأولويات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى