اراء و مقالات

عمان ـ دمشق: عودة لـ«الجرح القديم» وذكريات2011

ما خلفية توتر العلاقات من جديد بينهما؟

عمان ـ «القدس العربي»: فجأة وبدون سبب واضح على الأقل، فتحت دمشق النار إعلامياً على جارتها الأردنية رغم معاناة الأردن الطويلة جراء الأزمة السورية وجراء قصور الإجراءات السيادية السورية في معالجة إصرار عصابات المخدرات المسلحة على العبور والتسلل.
حالة غريبة تمر بها العلاقات الأردنية السورية على نحو مفاجئ، قوامها استحضار واستذكار وأحياناً من الطرفين، لكل التراث السلبي للعلاقة التي توترت عام 2011 إبان الربيع السوري.
واضح تماماً أن خروج وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، إلى الإعلام وعبر قناة المملكة تحديداً، هو رسالة من الجانب الرسمي؛ حيث أعاد المعايطة التذكير باستقبال الأردن لمئات الآلاف من اللاجئين السوريين وعلى رأسهم رئيس الوزراء السوري رياض حجاب، الذي هرب من سوريا إلى الأردن، وفقاً للمعايطة.
عملياً الوزير المعايطة كان بإمكانه تجاهل ملاحظة رياض حجاب تحديداً، لكن الإشارة هنا خشنة إلى حد ما إلى وجود مشكلة في عمق النظام السوري. قبل ذلك، أعلن القطب البرلماني البارز خليل عطية تحت قبة البرلمان، بأن الشعب الأردني يقف مع جيشه ودولته وأجهزته الأمنية في المعركة ضد تجار المخدرات والموت.

«ضرب بلا تردد»

عطية عاد وشرح عبر «القدس العربي» أن القيادة الأردنية مع شعبها موحدتان تجاه هذه المسألة، وأن القضية أمنية ولا يحق لأي جهة، حتى لو كانت في الدولة الجارة والصديقة سوريا، تسييس مسألة أمنية يحافظ فيها الأردن على أمنه بصفة خاصة.
وطالبَ عطية علناً تحت القبة، جنرالات المؤسستين العسكرية والأمنية بالضرب دون تردد ضد تجار الموت والمخدرات.
لاحقاً، نصح المستشار الأمني الخبير عمر الرداد، ضمناً في مقال له، الخارجية السورية بأنها كان يمكن أن تصمت دون إثارة مستودع الذكريات الحزينة، ولمح: «لدينا أيضاً ملفات من الماضي السوري ضدنا».
الأزمة أصبحت سياسية ودبلوماسية، لا بل تتدحرج في سياق اختلاف أظهره السوريون فجأة في محاولة لمناكفة وشغب على جهود الأردن الأمنية ضد تجار المخدرات، خصوصاً بعد عدة عمليات لضربهم في العمق السوري، بمعنى داخل الأراضي السورية في محافظتي درعا والسويداء تحديداً.
يحصل شيء ما مريب على صعيد العلاقات الأردنية السورية وبصفة مباغتة. دلالة ذلك هو الاستذكار الثنائي لتراثيات الخلاف والنزاع السياسي عام 2011.
المسألة لا تتعلق برياض حجاب والظهور الإعلامي المفاجئ لذراع ضاربة مثل الوزير المعايطة، وعلى شاشة فضائية المملكة، بل تتعلق أيضاً في بيان أصدرته وزارة الخارجية السورية وبدون أي مسوغ أو مبرر اعترضت فيه على ما سمّته بعمليات جوية أردنية أدت إلى مقتل نساء وأطفال ومدنيين.
لم يقدم أي طرف سوري محلي أو رسمي دليلاً واحداً على أن مصانع وورش حبوب المخدرات وبعض مقرات تخزين المخدرات التي ضربتها طائرات أردنية في قرى الشريط الحدودي انتهت بمقتل مدنيين.

ما خلفية توتر العلاقات من جديد بينهما؟

صنف بيان وزارة الخارجية السورية بأنه لا يتميز بلغة حريصة، فقد أعاد استذكار ما سمّاه بدخول عشرات الآلاف من الإرهابيين ضد سوريا من دول الجوار، ونص البيان السوري على أن الأردن كان من بين تلك الدول التي دخل منها الإرهابيون، ما يوحي بأن وزارة الخارجية الأردنية اضطرت للرد ببيان تميز بالغلاظة والقسوة يحاول تذكير السوريين بأن الأردن فتح حدوده لاستقبال أكثر من مليون ونصف مليون سوري هربوا من الجحيم في بلادهم، وأن الأردن يرفض تلك الاتهامات السورية بخصوص إدخال الإرهابيين.
تنابز البيانات هذا أعقبه حملة إعلامية رسمية أردنية واضحة وبرلمانية أيضاً تحاول الرد وتحاول منع الجانب السوري من أي تسييس غير مطلوب لحملة الأردن الأمنية ضد تجار المخدرات.
وهو الأمر التي باتت الدوائر الأردنية تشك في جذوره العميقة، لأن الجانب السوري فجأة قدم اعتراضه، مع أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان قد أبلغ قبل عدة أشهر نظيره السوري فيصل المقداد، بأن الأردن ينظر للمخدرات باعتبارها من الأولويات الأساسية، ومؤخراً أصبح خطر المخدرات مسلحاً، وعمليات الاقتحام شبه يومية، وتختبر نوايا الأردن وصبره وقواته الأمنية.
الوزير الصفدي قال في جلسة مغلقة قبل عدة أسابيع حضرتها «القدس العربي» بوضوح، إن الجانب السوري على علم مسبق بأن الأردن سيطارد ويلاحق مهربي المخدرات المصرين على المساس بالأمن والاستقرار الأردني حتى داخل الأراضي السورية، مع الإشارة إلى أن ذلك سيحصل؛ لأن المؤسسات السيادية السورية بالمقابل ـ كما يقول عضو مجلس الأعيان الدكتور محمد المومني ـ لا تقوم بما ينبغي أن تكون به، كما تفعل كل دول الجوار في التصدي لمحاولة تهريب المخدرات.

بيان سوري خشن

اللافت للنظر أن البيان السوري الخشن صدر رغم أن الأردن نفذ عدة عمليات أمنية في العمق السوري، ولم تعترض عليها سابقاً الخارجية السورية. واللافت أكثر أن السوري قرر الاعتراض وتغليظ وتخشين اللغة والمفردات بأثر عكسي.
ولعل السبب ـ حسب تقدير مصادر سياسية وأردنية خبيرة ـ هو نجاح الحملة الأمنية الأردنية في ضرب حملات تجارة المخدرات السورية التي تدر المليارات، حسب مصادر شبه رسمية، بمسارين: الأول هو ضرب المرافق والمنشآت والتصدي المهني الأمني الذي تقوم به قوات حرس الحدود الأردنية وهي تمنع كل محاولة للتسلل والعبث ونقل المخدرات.
والمسار الثاني هو ضرب الأوساط المحلية الوكيلة من فئة مزدوجي الجنسية التي تحاول تخزين المخدرات وتأمينها ونقلها ثم تصديرها في عدة مناطق صحراوية، حيث نشرت مديرية الأمن العام بالتنسيق مع محكمة أمن الدولة مساء الأربعاء، صور ثمانية مطلوبين وتفاصيلهم، قالت إنهم مسلحون وخطرون ومتورطون في تجارة المخدرات مع عصابات دولية وإقليمية.
الانطباع المتشكل سياسياً هنا أن المواجهة المفاجئة دبلوماسياً وإعلامياً في محور عمان دمشق، الذي كان هادئاً منذ نحو أربع سنوات تقريباً، قد يكون سببها خارج نطاق مسألة تهريب المخدرات والتصدي لها؛ بمعنى وجود خلفية سياسية لهذه الخلافات بدأت العديد من الأوساط تحفر في أعماقها.
العمليات الأردنية كانت مقبولة، لا بل بعضها ـ حسب المصادر الرسمية ـ متفق عليها مع السلطات السورية ضد عصابات المخدرات المنهجية التي يعجز الجيش السوري عن التعامل معها، إما من باب العجز الإداري أو من باب وجود غطاء لهذه التجارة التي تصنف بكونها من مصادر الدخل الأساسية في الداخل السوري لجهات متنفذة لها شركاء بالنظام، حيث شبكة «بزنس» دولية وإقليمية نشطة.
وعلى أي كل حال، الحملة الأردنية ضد المخدرات جدية وعميقة وتحظى بتوافق شعبي نادر في الأردن.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى