اراء و مقالات

الأردن: مخاوف من انشقاقات وانسحابات مبكرة بسبب «قوائم الانتخابات»

عمان – «القدس العربي»: غادر الأمين العام لأحد الأحزاب السياسية في الأردن لأغراض أداء مناسك العمرة، وعندما أنهى الواجب الديني وعاد إلى عمان لم يعد أميناً عاماً، واكتشف أن الهيئة القيادية للحزب انقلبت عليه واختارت بديلاً. حدث ذلك طبعاً عشية ولادة حزب لأغراض التشبيك مع المجتمع قبل التحضير لانتخابات 2024.
والنتيجة مفهومة في هذا السياق، فقد أعلن الأمين العام المخلوع نيته الترشح للانتخابات بعيداً عن حزبه، لا بل استقال من ذلك الحزب. ولا يخفي قادة أحزاب جديدة رخصت أو اعتمدت بعد مسار تحديث المنظومة السياسية قلقهم وخوفهم من انشقاقات وانسحابات تحصل بعد الإعلان عن قوائم الترشيح الوطنية باسم الأحزاب السياسية، حيث ينص القانون على تخصيص 41 مقعداً من 130 مقعداً، وحيث الاعتقاد راسخ وفقاً لما يقوله المحلل السياسي الدكتور رامي العياصرة بأن الأحزاب أيضاً لديها فرصة للتأثير على السياقات في الدوائر الفرعية عبر تحالفات مع مكونات اجتماعية أو عشائرية ومناطقية.
في كل حال، يعتقد الكثيرون أن زحام الأحزاب قد يعيق الحركة، لكن أخطر ما في الزحام هو إقرار قيادات حزبية بارزة من بينها الأمين العام ومؤسس “إرادة” نضال البطاينة، الذي قال بحضور “القدس العربي” إن التجربة يجب أن تنضج وبدون “تدخلات” حتى تصبح الرؤية أوضح وأعمق، معتقداً أن العمل الحزبي يمكنه التكفل بتطوير تجربته.
بوادر انسحابات لا يمكن التغافل عنها وواردة عشية العملية الانتخابية، فيما يرى مراقبون أن الأحزاب السياسية الوسطية تحديداً لم تنضج بعد حتى يتسنى لها إعداد قوائم المرشحين لمقاعد البرلمان على أساس برامجي، مع أن القيادي في حزب الميثاق محمد الحجوج اعتبر أن العمل البرامجي هو الجوهر والأساس العميق، ومن لم يتدرب عليه أو يعمل به الآن عليه أن يفعل مستقبلاً.

«مهتمون بغزة لا الانتخابات»

بكل حال، موجة الاضطراب لا يمكن إنكارها عشية غياب رؤية رسمية عميقة وشاملة ترضي جميع الأحزاب السياسية الموجودة، وعشية حالة تنافس أساسية، فكرتها البائسة والتقليدية حتى الآن هي تقليص فرص مرشحي التيار الإسلامي، علماً أن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ محمد عقل كان قد أكد بحضور “القدس العربي” أن قواعد الحركة الإسلامية مهتمة بمعركة الأشلاء في قطاع غزة أكثر من الاهتمام والانشغال بالانتخابات، معتبراً أنه ليس من المروءة في مواجهة معركة الإبادة والأشلاء والتجويع، التركيز على حصص الأحزاب في الانتخابات مرحلياً.
ويرى الإسلاميون ومنهم العياصرة، أن المخاطر حقيقية وعميقة وجوهرية على مصالح ومستقبل الأردن والأردنيين جراء مشاريع وخطط اليمينيين الأمريكي والإسرائيلي. لذا، قد تبدو في وجدان الجمهور مسألة الانتخابات على أهميتها في التأسيس لتمثيل ضمن مسار التحديث السياسي هذه المرة، هامشية التأثير، وهو أمر يدفع للاعتقاد مجدداً؛ لأن الأولوية المطلقة لبوصلة القرار وما يشغل كل المعنيين بتحضير الانتخابات هو نسبة المشاركة العامة للمواطنين في صناديق الاقتراع في توقيت ينشغل فيه الناس في معركة الجوع والأشلاء والإبادة التي تحمل اسم طوفان الأقصى.
الزحام ينتج عنه مشكلات كبيرة. وتوقعات حصول انشقاقات أو حتى استقالات جراء اعتماد قوائم الترشيح في الأحزاب الكبيرة، مسألة أصبحت على الأرجح في إطار التوقع.
لكن ما يخشاه كثيرون حتى في جبهة أحزاب الوسط هو أن هندسة المشهد الانتخابي في ظل معادلة متوازنة لا تلقي بمصالح الدولة في المجازفات قد تتطلب الكثير من التدخل لتنظيم مشهد فوضوي بامتياز، حيث إن النضج البرامجي لم يظهر بعد على أي من الأحزاب الكبرى، وحيث إن التجربة العملية في الميدان ووسط المواطنين والشارع لا تزال مسجلة باسم أكبر أحزاب المعارضة عملياً، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يتبع الإخوان المسلمين.
وحزب الجبهة بدوره لم يعلن عن قوائمه الانتخابية، ولا يبدو مهتماً جداً بالتفاصيل، لكن الأهم أنه لم يتوصل بعد إلى الصيغة التي سيشارك في انتخابات عام 2024 بموجبها وعلى أساس أن خيار مقاطعة الانتخاب غير وارد، كما يفهم من عقل وغيره.
في صفوف التيار الإسلامي تتوسع صيغتان مقترحتان، الأولى تتحدث عن قائمة لانتخابات الأحزاب الوطنية المسجلة فقط باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، بمعنى أن جميع أعضائها من حزب الجبهة والصيغة الثانية التي تقترح للعودة إلى الاندماجات والائتلافات الوطنية.
الزحام في المقابل موجود على جبهة الوسط، وإذا قدر له أن يبقى معلقاً في إطار خطوات تنظيمية تستهدف تقليص مقاعد وحصة الإسلاميين تحديداً، قد ينتهي بالحاجة الملحة لتدخلات وعملية عبث إضافية في الانتخابات، وهو ما تعبر عنه من باب الخشية والمخاوف والقلق العديد من الشخصيات الوطنية، التي ترى أن الفرصة قد تكون متاحة لتدخلات في إطار البناء الهندسي على شكل القوائم والتحالفات للمرشحين قبل يوم الاقتراع.

مسارات تحديث سياسي

لكن الانتخابات الوشيكة هي الأولى في عهد مسارات تحديث سياسي، وقد يراقبها الجميع وتعتبر في غاية الأهمية وفي ظرف إقليمي واقتصادي حساس للغاية. لذلك، يمكن القول إن التدخل المباشر بالفرز وبالعبث وبعدم الالتزام بمعايير النزاهة بشكل دقيق وموسع وشامل قد يكون من المجازفات الخطرة والمقلقة، الأمر الذي يبقى أمام مراكز القوى سواء الرسمية أو الأهلية، فرصة التدخل فقط قبل تشكيل قوائم المرشحين؛ لأن الانتخاب والاقتراع سيبرمجان على أساس قوائم اجتماعية وحزبية هذه المرة.
وهذا النمط من الانتخاب لم يختبره قبلاً الشعب الأردني، وعلى الأرجح الأحزاب الوسطية لا تعلم بعد من هو الحزب المحوري أو الذي يتمكن من تشكيل أغلبية فعلية في برلمان 2024.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى