اراء و مقالات

الأردن: «الصنف» في مواجهة «حقيقة مؤلمة»… أين «الوكيل المحلي»؟

ثنائية الإرهاب والمخدرات السورية

عمان – «القدس العربي»: المرجح تماًما الآن في المعادلة السياسية والأمنية الأردنية هو أن الربط مقصود بين خطر الإرهاب العابر أو المتسلل عبر الحدود، وتحديداً مع سوريا، وبين خطر المخدرات.
مثل هذا الربط مفيد على أكثر من مسار وفي أكثر من جبهة، لكنه سيعني قريباً مواجهة أردنية أو مواجهة الدولة العميقة في الأردن ومعها الرأي العام والشارع والجمهور، أمام الحقيقة كما هي عارية تماماً في الملف الذي كان مسكوتاً عنه طوال الوقت، وهو ملف المخدرات.

ثنائية الإرهاب والمخدرات السورية

الانطباعات تتراكم في مخيلة الشارع الأردني، لكن على مستوى دوائر القرار وأوساط النخب ثمة ميول واضحة للتعامل استراتيجياً وفي إطار الاشتباك الأمني الحدودي على الأقل مع مخاطر المخدرات ووجودها في عمق المجتمع الأردني بنفس السوية مع مخاطر الإرهاب والجماعات المسلحة، رغم أن ملف المخدرات برمته له علاقة حصرية بالصداع المزمن على الحدود الأردنية السورية.
وهو صداع دفع القوات المسلحة الأردنية مؤخراً لإعلان تغيير قواعد الاشتباك، وهو تغيير في حال ترجمته سياسياً واستراتيجياً وإقليمياً، يمكنه أن يعد العدة في المنطقة الحرام على الحدود الشرقية الشمالية مع الجار السوري، إلى أي سيناريوهات لها علاقة بالجيوسياسي في مواقع الحدود بين عمان ودمشق.

المسألة الأهم… و3 زوايا

وبعيداً عن الاعتبارات السياسية والسورية، فالمسألة الأهم هي أن ملف المخدرات يتدحرج وتكشف عنه تفاصيل لم يكن الشارع الأردني يدركها، لا بل تفاصيل من الصنف الذي طالما تجاهلته الحكومة الأردنية وهي لا تعلن أي استراتيجية اشتباك وصدام من أي صنف مع ملف المخدرات، إلا أن البيانات الصادرة سابقاً عن رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، ثم عن مديرية الإعلام العسكري حول ما يجري من تسلل ومحاولات لتهريب المخدرات عبر الأراضي السورية أو منها حول ما يكشف النقاب عن أن الخطاب الرسمي الأردني يزيد من الجرعة التي تساوي بين مخاطر الإرهاب والمخدرات.
والحديث هنا تحديداً، بطبيعة الحال، عن التصنيف الأردني للإرهاب، وليس عن أي تصنيفات أخرى، لكن الأهم -برأي حتى أوساط دبلوماسية غربية- أن عمان تساوي بين ثلاث زوايا من الصنف المسكوت عنه في مسألة المخدرات السورية، حيث التعقيدات تزيد، وهي:
أولاً، المخدرات نفسها ومحاولات الإصرار العنيدة على التسلل بها نحو الأراضي الأردنية.
وثانياً، طبيعة الجهات الرسمية وغير الرسمية السورية التي يمكن أن تكون متورطة بالتفاصيل.
وثالثاً، عمليات التمويل والبعد المالي، حيث أموال ضخمة -كما يعتقد- بعشرات الملايين من الدولارات تمول حركة الترانزيت وحركة شحن بضائع ومنتجات المخدرات على أكثر من صعيد، وعبر الحدود السورية مع الأردن، وهو واجب يتصدى له الجيش العربي الأردني حتى الآن بمعيار الاحتراف، والكفاءات تتحدث عن قراءة أعمق في المشهد تشير إلى أن بعض الميليشيات الإيرانية واللبنانية الموالية للنظام السوري والموجودة في كنف وأكتاف المنطقة الجغرافية التي تعتبر من صلب واجبات الفرقة العسكرية الرابعة السورية قد تكون هي الجهات التي تمول عمليات التسلل ببضاعة المخدرات.
وهو خطاب لمّحت له تقارير ومقالات لأمنيين أردنيين، لكن لم يصدر بصفة قطعية ورسمية حتى الآن، وسط تراكم الانطباع بأن أطرافاً من «حزب الله» ومن الحرس الثوري الإيراني قد تكون وراء عملية التمويل ووراء عنصر العناد في الإشراف على تهريب مخدرات، وهو ما ألمح له مقال لضابط الاستخبارات والمحلل سابقاً، عمر الرداد. وفي السياق نفسه، اقتراب وشيك ليس من لحظة الحقيقة بنسختها المحلية والوطنية الأردنية فقط، لكن من الربط هذه المرة ما بين ما يسميه الأردن الرسمي بفصائل الإرهاب في سوريا، ويعتبر الحرس الثوري و»حزب الله» من بينها عملياً، وبين محاولات الاختراق ثم تمويل لعمليات تهريب المخدرات والتسلل بها لتمويل عمليات إرهابية.
هذا الربط أصبح وشيكاً ويساعد في تغيير نفقات الميزانيات الدفاعية الأردنية، كما يساعد في توضيح الكثير من الملابسات للرأي العام الأردني. لكنه ربط مكلف من ناحيتين أمنية وسياسية، ومكلف أيضاً من ناحية ثالثة جماهيرية؛ فالرأي العام الأردني مشغول الآن بتفكيك ألغاز وأسرار وخلفيات قصة المخدرات التي أدت إلى سقوط شهيدين أردنيين على الأقل في المواجهات الأخيرة على حدود البادية الشمالية الأردنية، وأدت إلى عدة جرحى من الجيش الأردني، إضافة إلى الإعلان عن مقتل أكثر من 30 مسلحاً حاولوا العبور عبر الحدود، خلافاً -بطبيعة الحال- للإعلان الرسمي عن كميات هائلة من المخدرات المتنوعة، من بينها أكثر من 16 مليون حبة مخدرة وأكثر من 17 ألف كف حشيش.
وهذا يعني أن أصنافاً مثل الحشيش المزروع وحبوب البنتاغون، الأكثر رواجاً أو محاولة لاختراق الحدود الأردنية.

تفاصيل دراماتيكية

لكن خبيراً مختصاً يضع «القدس العربي» بصورة تفاصيل دراماتيكية أكثر، فمثلاً تهريب المخدرات إلى وعبر الأردن قد يستهدف دول الخليج والعراق، وقد يستهدف المملكة العربية السعودية أيضاً، وبمعنى أن الأردن ليس مستقراً لتلك التهريبات، وإن كانت تعبر عن تشبيك له علاقة بنشاطات في المجال نفسه وفي مجال الصنف والأصناف في لبنان ومصر وسيناء، وحتى عبر عصابات إسرائيلية متخصصة أو مافيات إسرائيلية.
الخبراء المختصون أمنياً بتهريب المخدرات يتحدثون عن خطين في عمليات التهريب: الأول هو خط لوجستي يستهدف لفت نظر حراسات الأمن والحدود وأشغاله، والخط الثاني وهمي، ويبدو أن أطرافاً إسرائيلية على صلة بهذا الموضوع مع أطراف أخرى أيضاً ضمن ما يسمى بمحور المقاومة في لبنان وسوريا، خلافاً لبعض الجهات العسكرية السورية التي يعتقد أنها توفر الغطاء أحياناً.
الأردن يمضي باستراتيجيته في هذا الملف الحساس والخطير دون الإغراق في التفاصيل، وضمن وضع في غاية التعقيد جيوسياسياً أيضاً. طبعاً، تكشف البيانات الرسمية الأردنية بالتوازي والمقابل والإفصاحات المتعلقة بالمخدرات السورية، عن حجم نفوذ المخدرات في الأردن نفسه، حيث يعتقد بأن التجارة -وهو ما لا تعلنه السلطات في كل حال داخل الأردن- لها حضور قوي، كما يعتقد بأن آفة المخدرات منتشرة بكثافة في أوساط الشباب؛ لأسباب اقتصادية وأخرى معيشية، خصوصاً في جنوب الأردن، وأيضاً في وسطه. لكن الأهم قد يكون أن مجمل هذه العمليات لتهريب المخدرات والتي يتم الإعلان عنها وتلك التي لا يتم الإعلان عنها، تجبر السلطات الأردنية أو ستجبرها قريباً على الإجابة عن سؤال الوكيل المحلي، فمثل هذه العمليات النشطة لها شريك محلي حتى هذه اللحظة لا تتحدث عنه حكومة عمان، لكنها بالضرورة ستفعل قريباً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى