اراء و مقالات

الإصلاح الإداري «يتيم»: «مومياء أردنية» منسية كشفت «المستور البيروقراطي»

عمان – «القدس العربي» : أغلب التقدير أن المختص الأردني والخبير بالآثار، واسمه تمام الخصاونة، لم يكن يخطط لأكثر من تحريك زملاء له في دائرة معنية بالآثار العامة، ولفت نظرهم إلى التجاهل البيروقراطي الحاصل في متحف مخصص بالقرب من البحر الميت لسرد قصة أغوار الأردن.
بعدما نشر عبر صفحة تواصلية انطباعاته عن المتحف الذي سبق أن شارك في تأسيسه، سلط الخصاونة الأضواء الكاشفة على سلسلة أسئلة وطنية وسياسية كبيرة مطروحة على كل الطاولات، لكن لا أحد يجيب عليها في الأردن. ببساطة، موظف الآثار وصاحب الخبرة فيها تحدث عن درجة الحرارة التي أدت إلى ذوبان بعض أطراف مومياء وابنها، معروضة في ذلك المتحف المنسي. لاحقاً، صدمات فنية وبيروقراطية بالجملة تظهر عدم احترام التراث والتاريخ الوطني للأردنيين.
رطوبة على الجدران.. أوساخ وقاذروات.. أبواب ونوافذ يعلوها الصدأ.. وموظف استقبال لا يداوم.. وجدران تلتهمها الرطوبة والحرارة.. ومعروضات تاريخية وقطع أثرية تصرخ لأن مكيفات الهواء لا تعمل بالرغم من وجود ألواح شمسية في المكان تنتج الكهرباء.
تلك الصورة صادمة لمتحف أقيم منذ سنوات طويلة في أخفض بقعة على وجه الكرة الأرضية التهمت تفاصيله كل مظاهر التقصير البيروقراطي، فيما كانت قمم دافوس والمؤتمرات التي تراهن عليها القيادة الأردنية ومعها كل مؤشرات السياحة العلاجية، حول وفي محيط وفي جوار متحف البحر الميت المنسي والذي لا تفتح أبوابه للزوار عملياً، وفقاً لشهادة أحد مؤسسيه من الأوفياء.
كان يمكن أن تعبر هذه اللوحة البائسة بيروقراطياً دون سؤال سياسي ووطني.
لكن ما حدث العكس تماماً، فعلى الطاولة حتى قبل تدشين موسم الإصلاح السياسي، عشرات الأسئلة حول الإصلاح الإداري والاقتصادي والبيروقراطي، وحول تلك القرارات التي يقول خبراء في الجسم المدني مثل رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق، إنها لا تتخذ رغم أنها بسيطة ولا تحتاج إلى وقت ولا إلى استشارات.
مبكراً، وفي عدة لقاءات، تمسك رئيس الوزراء الأسبق المخضرم عبد الرؤوف الروابدة، بطرحه عن الحاجة الملحة للإصلاح الإداري قبل الاقتصادي والسياسي.. حتى في لقاء مباشر للروابدة في القصر الملكي قبل أسابيع قليلة، شخص الرجل المخضرم بأن الإصلاح الإداري هو الأساس.
في حوارين على الأقل بين «القدس العربي» ورئيس الوزراء الحالي الدكتور بشر الخصاونة، استعملت تعبيرات قاسية في وصف الحالة الإدارية خصوصاً في القطاع العام، وحتى المعارضة الإسلامية الوطنية تبصم على القول بالتراجع المقلق لخدمات القطاع العام في الأردن.
ثمة حادثة حصلت في الأشهر القليلة المقبلة قرعت كل أجراس الإنذار، وانشغل بها القضاء حتى الآن حين فقد 7 أردنيين حياتهم بسبب خلل ما حصل في نظام التزويد بالأوكسجين في مستشفى حكومي كانت الحكومة قد احتفت بافتتاحه قريباً في ظل رعاية ملكية.
في جدل العلاقة ما بين اليومي والاستراتيجي، حتى رئيس الوزراء الخصاونة يقر بوجود تحديات وصعوبات معقدة، ويقر بالحاجة الملحة لمراجعة شاملة في المشهد الإداري، مع أن الضغط السياسي الإقليمي يمنع أحياناً مؤسسات القرار الأردنية من التوقف فيما انشغل الرئيس الأسبق الآن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني والوزير والخبير الدكتور محمد الحلايقة، ولستة أشهر، في وضع ملخصات مع طاقمه تشخص الإشكالات الإدارية وملخصات موازية تضع الحلول والواجبات.
يوافق الحلايقة وأمام «القدس العربي» على أن تراجع خدمات القطاع العام وتحديث الجهاز البيروقراطي أصبح تحدياً كبيراً ويحتاج إلى مقاربات إصلاحية عميقة، محذراً من بقاء الأمور كما هي الآن.
طبعاً، المشهد المتعلق بالمتحف المشار إليه جزء صغير جداً في المشهد الأهم، فالشكوك في إنتاجية نظام الخدمات القطاع العام مسألة اصطدمت بها دوائر القرار الرفيعة جداً حتى في المستويات والمجالس السيادية وحصرياً خلال الاشتباك مع تداعيات الفايروس كورونا.
تتآكل مومياء قد تكون الوحيدة ضمن الآثار الأردنية، مع أن الحكومة تتحدث عن الصيف الآمن وتفتح القطاعات السياحية، ومع أن إطلالات وزير السياحة والآثار نايف الفايز الإعلامية نشطة ومتكررة في الأسابيع الأخيرة.
لا يتعلق الأمر بحادث فقط هنا، فحتى سلطات الادعاء والقضاء بدأت تشتكي من ضغط القضايا والشكاوى الناتجة عن التقصير البيروقراطي والترهل الإداري. وكل الوصفات والمؤتمرات واللجان التي انعقدت حتى الآن أو تشكلت لم تسهم بعد في إنقاذ قطعة مومياء وحيدة تجلس منسية في متحف يعلوه الغبار والصدأ ضمن أحد أهم مواقع السياحة الأردنية على مستوى العالم.
تلك مفارقة يجب أن يقف أمامها الجميع، وهي التي تستحق -في رأي مراقبين- تشكيل لجنة وطنية وملكية تخترق كل المستويات، لأن الإدارة تحتاج إلى إصلاح، كما يقرر الرئيس الخصاونة، وتشكل خدمات القطاع العام الأولوية للمواطنين الأردنيين أكثر بكثير من أولويات الأجندة المتعلقة بالإصلاح السياسي، حيث بدأ الإصلاح الإداري -مع كثر الحديث عن إصلاحات سياسية واقتصادية- يشعر باليتم.
وهو يُتم بيروقراطي يتغذى على حالة إقصاء لا أحد يعرف هدفها النهائي للكفاءات البيروقراطية الخبيرة التي كانت تدير الأمور على الأقل في مرحلة ما قبل تشكيل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، وتلك محطة تفهم «القدس العربي» من وزراء بارزين في حكومة الخصاونة بأن الأولوية هي للوقوف عليها مرحلياً.
تلك أسئلة طرحت أو مطروحة بعد ما نكشتها زيارة صدفة قام بها موظف لمتحف شارك في تأسيسه وقرر تسجيل انطباعات علنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى