اراء و مقالات

نقاش في مقر حزب «إرادة»: الطوفان و «7 أكتوبر» في كل الحوارات والجلسات الأردنية

عمان ـ «القدس العربي»: حتى وسط اجتماع حزبي خالص وعنوان مناقشة الجلسة التي قررها هو «المشاركة السياسية» في الأردن، لم يتسنّ لا لرموز الحزب ولا لضيوفهم من السياسيين والناشطين والإعلاميين إلا التحدث عن طوفان الأقصى والتحديات التي تفرضها إيقاعات الطوفان على كل ملفات الداخل الأردني.
«إرادة» من الأحزاب الوسطية المتقدمة التي تناور وتحاول في كل المساحات تحت عناوين الاشتباك الإيجابي استضافة جلسة خاصة مع بعض الضيوف. والهدف كان التأطير لنقاش حول تحديات ملف المشاركة السياسية والاستماع لنصائح وخبرات في ملف الإعلام والحريات والمشاركة.
تحدث غالبية الحضور بوجود «القدس العربي» عن الملفات التي عرضت كأطر وعناوين للنقاش. لكن بدا واضحاً أن النقاش حتى في ملف الحريات والعمل الحزبي والمشاركة السياسية لا يكتمل ولا ينضج دون التطرق إلى تلك التحولات التي تحصل في فلسطين المحتلة، وتستوجب في النتيجة مقاربات ومقارنات وطنية أساسية وجرأة في النقاش والتفصيل والسقف المرتفع، ليس فقط لرصد وتشخيص التحديات، بل الاستعداد لخوض الرهانات ومواجهة المشكلات.
فهم ذلك من الأمين العام للحزب الناشط نضال البطاينة، وفهم من الكاتب السياسي حسين الرواشدة، الذي كان تقريباً أول من نبه في جلسة النقاش تلك إلى أن التحولات الجارية في الإقليم والصراع مع إسرائيل اليمينية، هما أساس كل أولويات واهتمامات الأردنيين.
المقاربة التي يقترحها الرواشدة هي تلك التي تقول إن «الأردن الديمقراطي القوي» هو السند الحقيقي لحرية الشعب الفلسطيني، لكن البطاينة يشدد من جانبه على أن «المؤسسات الحزبية والدستورية» الصلبة في الأردن هي داعم وسند حقيقي لحماية مصالح المملكة. وهو منطق يتفق مع ما سمعته سابقاً «القدس العربي» على لسان المعارض الشيخ مراد عضايلة، من أن تجليات معركة التحرير في فلسطين المحتلة تتطلب الآن استراتيجيات وطنية بقيمة مرتفعة حتى في قواعد اشتباك العمل الوطني والحزبي في الأردن.
عملياً، يناصر سياسيون متعددون وجهة النظر التي بدأت تقول إن طوفان الأقصى بكل ما يعنيه وما شهده أو ما ينتج عنه، أصبح متلازمة موضوعية جوهرية وعميقة مؤثرة في كل القضايا والملفات الأردنية، حتى تلك الملفات المحلية؛ لأن ثمن وكلفة الإصلاح كما يرى الإسلامي الدكتور رامي العياصرة إذا كانت سبباً في تأخير منطوق ومضمون المشاركة السياسية في الماضي، فذلك الثمن أصبح يلزم الوعي الرسمي والوطنيين في المجتمع الأردني بتخفيض سقفه، مقابل الحفاظ على المصالح العليا للدولة وللوطن في الأردن في مواجهة مشروع اليمين الإسرائيلي.
ما يقترحه العياصرة هو التركيز على مشروع اليمين الإسرائيلي حتى في صلب النقاشات السياسية المحلية الأردنية، فكل الملفات اليوم مرتبطة بالصراع ومشروع تصفية القضية الفلسطينية، لا بل تهجير الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية في اتجاه المملكة الأردنية الهاشمية. ويوافق حتى رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، على تلك الرسالة التي تقول إن يوم 7 أكتوبر بدل وغير في كل المعطيات تماماً، وإن هذا اليوم في التقويم السياسي على الأقل أصبح عنواناً لكثير من النقاشات، والأهم لغالبية المؤثرات.
وبدا واضحاً أن المطالبة بحوارات وطنية معمقة أصبحت متلازمة أيضاً لتلك التحديات التي فرضها إيقاع العدوان الإسرائيلي الهمجي على الضفة الغربية وأهل قطاع غزة، وقدر البطانية على الهامش مع «القدس العربي» بأن الإيقاع الحزبي الوطني مرسوم الآن على عمق المصلحة العامة والعميقة في مواجهة مشروع تصفية القضية الفلسطينية.
وهذا ما برز في مداخلة شهيرة لوزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، عندما تحدث عن ضرورة تدشين حوار وطني، لكن ليس لمناقشة القضايا المحلية هذه المرة، بل لمناقشة ملف مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية باعتبارها قضية وطنية ومحلية بامتياز.
رموز بارزون في التيار الإسلامي سبق أن تحدثوا عن إعادة بناء استراتيجية وطنية، وكل جدل حول الانتخابات المقبلة مرتبط الآن على نحو او آخر بالحسابات الضيقة ذات الصلة بحضور الإسلاميين وغيرهم، والأهم بتأثير 7 أكتوبر والعناصر المقاومة الفلسطينية ومستجدات التحديات الإسرائيلية على عمق أذهان المجتمع الأردني وأولوياته، حتى إن بعض الاجتهادات تقترح تجنب إجراء انتخابات في ظل إيقاعات العدوان الإسرائيلي العسكري، لأنها ستنتهي بالاقتراع لصالح شخصيات مختلفة هذه المرة.
ما حصل في مقر حزب «إرادة» دليل صغير صحيح لكنه مباشر، على أن الملف الفلسطيني من زاوية أردنية أصبح هو الأساس حتى في نقاشات تحاول فهم معطيات تحديات ملف الحريات مثلاً أو فهم ملفات أخرى تثير الجدل بالعادة، من بينها مقدار ومنسوب وتأثير التدخل الأمني في الأعمال الحزبية. وتلك الجلسة التشاورية التي شاركت فيها «القدس العربي» كانت دسمة في النقاشات الحزبية الأساسية، وتميزت بقدر من الصراحة في المواجهة والاشتباك، لكن المسألة التي لا يمكن إنكارها هي تلك المؤشرات الحيوية على أن نقاشات 7 أكتوبر وما بعدها تسللت إلى عمق كل تفكير الأردنيين وفي كل المسارات وعند كل الهيئات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى