دمشق – عمان: «نمو» الاتصالات في «الثلاجة» مؤقتاً و«عطل» في منظومة «استعادة الثقة»
ثمة رصد أردني متخصص وجديد يتحدث عن إمكانية رؤية رايات «حزب الله» اللبناني على مسافة جغرافية أقل بكثير من المتفق عليها مع روسيا والنظام السوري، بالقرب من خاصرة الشمال الأردني جنوب سوريا. وذلك مشهد مستفز للذهن الأمني الأردني ولا ترغب عمان بتكرار رؤيته مجدداً.
احتمالية تمركز «حزب الله» أو الحرس الثوري الإيراني بأي صيغة مرفوضة تماماً من الجانب الأردني عندما يتعلق الأمر بالعودة للمربع الأول ومطالبة موسكو باحترام المتفق عليه معها بشأن الجنوب السوري.
لكن دمشق تطالب مجدداً بعدم القلق وتبلغ الأردنيين بأن مناطقهم الشمالية لن تكون هدفاً لأي عمل عسكري من أي نوع له علاقة بأي مجموعات مسلحة غير نظامية تندرج تحت لواء الدفاع والمساندة. تتسرب الأنباء مبكراً عن اعتراض جهاز الرصد الاستخباري التابع لـ«حزب الله» لمستويات متقدمة خلافاً للعادة من التنسيق مع إسرائيل بشأن الحدود الثلاثية مع العراق وسوريا. ويحاول أركان النظام السوري بالمقابل لفت نظر الجانب الأردني إلى أن مستوى التنسيق الإسرائيلي شأن أردني داخلي، لكنه ينبغي أن لا يعبر عبر المصالح السورية أولاً أو الثنائية.
وفي الوقت الذي تأخذ فيه دمشق على عمان لغتها المزدوجة وتنسيقها أمنياً وسياسياً مع أطراف عدة بصورة تؤثر سلباً على برنامج استعادة الثقة المتفق عليه بين البلدين.. في هذا الوقت تطرح عمان ورقة العودة البطيئة لما تسميه بالميليشيات الطائفية في العمق الجغرافي نحو الحدود الأردنية وبصورة تثير الارتياب.
الخلاف متجدد بعنوان «رايات حزب الله» والعلاقات مع إسرائيل
تخفق تماماً حتى اللحظة تفصيلات استعادة الثقة بين الأردن والنظام السوري بالرغم من حزمة من تبادل الرسائل الناعمة برزت مؤخراً، مرة عبر رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق عبد الكريم الدغمي، ومرة عبر القائم بالأعمال السوري في عمان أيمن علوش.
على هامش المداورات والمداولات الأخيرة باسم ترتيب أوضاع ما بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من سورية، برزت مجدداً عملية تبادل الملاحظات القاسية وبصورة قد تؤخر ترتيباً شاملاً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
دمشق تتهم الأردن بالمشاركة في اجتماعات وتنسيقات عدائية، وبالتحدث بعدة لهجات في الملف السوري، وبالحرص على تبطيء نمو العلاقات وعلى وجود رموز شخصيات تأزيمية ضد سوريا في طبقة القرار، قد يكون من بينها وزراء بارزون في الحكومة.
والأردن لم يعد يخفي حاجته لبعض التنسيق مع إسرائيل ومستواها الأمني تحت عنوان التصدي لتصدير الإرهاب المحتمل من العراق وسورية، بسبب ضعف الإمكانات، حيث يخلي الأمريكيون مرافقهم العسكرية على الحدود، وحيث الاعتماد لم يعد سراً على القمر الاصطناعي الإسرائيلي، في المساعدة بمراقبة حدود المملكة مع العراق وسوريا.
ويقول الأردن بأن وجود اتصالات وعلاقات له مع إسرائيل ليس جديداً، وبأن العلاقات مع تل أبيب أصلاً تحرص عمان على عزلها عن سياق العلاقات مع دمشق.
وتحاجج المؤسسة الأردنية بأن خطر الإرهاب الخارجي لا يزال قائماً، وأن الازدواجية الموجودة في بنية الخطاب السوري المتعلق بعودة استقطاب تجربة الميليشيات قبالة حدود الأردن الشمالية، أمر من الصعب أن يتجاهله الأردنيون سياسياً أو أمنياً.
التبرير من جانب دمشق له علاقة بقرار الأطراف الدولية تمديد مشروع تفريغ إدلب من المسلحين ستة أشهر، الأمر الذي دفع باتجاه عودة بعض المقرات والمكاتب اللوجستية للقوى المتحالفة، ومن بينها اللبنانية والإيرانية والعراقية. ضعف الأردن الاقتصادي والإقليمي يمنعه من إعلان مواقف يمكن أن تلحق ضرراً بمصالحه.
وسوريا تطالب وتلح على اتخاذ مواقف علنية، وتشير في آخر رسائلها إلى أن تقدير إمكانات الأردن- وبتوجيهات من الرئيس بشار الأسد- أمر وارد، لكن التحدث بلغة مزدوجة وحجب معلومات خطوة في الاتجاه المعاكس لاستعادة الثقة وتبادل السفراء. وعلى هذا الأساس يمكن الاسترسال في القول بأن نمو العلاقات الأردنية – السورية وضع الآن في ثلاجة الواقع الموضوعي، على أمل أن تحسم المعطيات بصورة مختلفة، خصوصاً وأن دمشق تنقل من الرسائل لأصدقائها وحلفائها في عمان ما يفيد بأنها تتطلع للمستقبل ويحتاج الأردن للتنسيق الأمني بشأن الإرهابيين، كما يحتاجه للمساعدة في ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وفي الوقت الذي تطالب فيه دمشق جارها الأردني بتفهم الظروف المتعلقة بالوجود العسكري الإيراني النافذ والقسري في العمق السوري، تتحدث الأوساط الأردنية عن احترام وتفهم طبيعة التحالفات المتعلقة بانحيازات المملكة لمصالحها، ومن بينها عدم المجازفة بصراع علني وحاد مع المعسكر السعودي، ثم تجنب حرص اليمين الإسرائيلي على تدمير العلاقة الجيدة بين الحكومة الأردنية ومؤسسات العمق في الأمن والعسكر الإسرائيليين. لذلك، تمر العلاقات في محور عمان – دمشق بحالة سياسية أقرب إلى لعبة الكلمات المتقاطعة.