دمشق ـ عمان: أضواء «أمنية» خضراء بالجملة تسمح بالتزاوج «النقابي» وأزمة «المازوت» عززت العلاقة بين «القصرين»
صحيح أن نقيب المحامين السوري قد يكون أول شخصية من الجار الشمالي تزور عمان بصفة رسمية مع وفد نقابي يمثل بلاده، أمس الأول. لكن الصحيح في المقابل أن نقيب المحامين الأردني، مازن ارشيدات، لا يمكنه الوقوف شخصياً على الجناح الأردني من حدود جابر واستقبال الوفد النقابي السوري مع تسهيلات أمنية ولوجستية خاصة بدون الحصول على ضوء أخضر ومن المستوى الأمني تحديداً يسمح بما يتجاوز التفاعل باتجاه اتفاقيات تزاوج وتوأمة.
«المؤسسات السورية معنية بالانفتاح على شعبها الأردني» – هذا ما قاله أمام «القدس العربي» المحامي سميح خريس، أحد أقطاب المهنة المقربين من دمشق، وهو يندفع لشرح مقتضيات المؤسسية الصلبة التي هزمت المؤامرة على سوريا الشقيقة.
النقيب ارشيدات، بالنتيجة، وهو واحد من أربعة نقباء مهنيين أردنيين زاروا دمشق مؤخراً، حصل على السبق في التمكن من استدراج وفد نقابي سوري بصفة رسمية، الأمر الذي يعني بالمقابل الحصول على ثقة المراجع الأمنية السورية، ولاحقاً سيفتح عداد الاستقبالات بين النقابات المهنية عند الجارين.
وفي الأثناء، يتطور مستوى التمثيل الدبلوماسي بعدما قرر الأردن تسمية مستشار برتبة قائم بالأعمال لإدارة مقر سفارته في دمشق، في الوقت الذي يواصل فيه أيمن علوش القائم بالأعمال السوري في عمان عزفه المنفرد على أسطوانة العلاقات الأخوية القديمة والدائمة والأزلية بين الشعب والدولة في الجانبين.
يعرف جميع الرموز العاملين على الملف، مثل ارشيدات وعلوش وغيرهما، بأن المنطلق والمشهد الختامي في ترتيب العلاقة النهائية بين الطرفين يمر أولاً عبر القنوات الأمنية. وثانياً والأهم، أقنية القصر الجمهوري السوري والقصر الملكي الأردني وهما يتبادلان الرسائل الودية وغير العلنية حتى اللحظة بنشاط.
يزيد في عمان وبوضوح الهامش السياسي الداعي إلى فتح العلاقات السياسية بكل أصنافها مع النظام السوري، لكن ما يرشح من مرجع ومصدر القرار حتى اللحظة عندما يتعلق الأمر في الأردن يشير إلى أن الظروف لم تنضج بعد لإطلاق علاقات كاملة وشاملة. وعندما يتعلق الأمر بالزاوية السورية، تقول الرسالة التي وصلت مؤخراً من رجل المؤسسة العسكرية والأمنية القوي في دمشق الجنرال علي مملوك: «حسناً .. لا تريدون علاقات شاملة وواسعة، نقدر ظروفكم ومصالحكم، وحان الوقت لنتحدث عن مصالح اقتصادية وتجارية».
ترجمة هذه الرسالة الملغزة ليست واضحة بصورة دقيقة، لكنها تفسر لمن يعلم بالتفاصيل ويتعمق ويتورط بها تلك الأضواء الأمنية الخضراء التي سمحت بنشاط نقابي تصعيدي بين الجانبين لم تشهد له نظير العلاقات الأردنية السورية طوال عقود. وهي ترجمة يفترض الخبراء العميقون أن لها علاقة برسائل موازية وصلت للأردنيين تحاول معالجة هاجسهم المتمثل بفارق كبير مالياً على مستوى التبادل التجاري في الفترة التي أعقبت إعادة فتح وتشغيل حدود مركز جابر.
الحكومة الأردنية كانت قد تحفظت على استغلال الجانب السوري فيما يتعلق بحركة الشاحنات والمتاجرة للحدود مع الأردن بصورة غير عادلة، خصوصاً وأن النظام السوري لا يستطيع استخدام الموانئ اللبنانية وحدوده الشمالية مع تركيا والعراق.
دمشق هنا تريد تعديل الميزان وترسل للأردنيين قوائم احتياجات ضرورية لها وتعبر عن رغبتها في استيرادها عبر السوق الأردنية ودخولها إلى السورية عبر الحدود مع الأردن.
بمعنى آخر، مملوك ومن فوقه الرئيس بشار الأسد يلمحان إلى أن سوريا تطلب من الأردن التعاون معها في تأمين وتوريد ونقل احتياجات ملحة لها من الغاز والمحروقات بعد أزمة «المازوت».
نقل هذه الرسالة نقابيون أردنيون زاروا دمشق مؤخراً، وجاء الرد الرسمي الأردني على أساس توفر الاستعداد وعدم الرفض وسط حالة تواطؤ بين حكومة البلدين سياسية الطابع تعفي كل منهما من كلفة التطبيع السياسي الشامل والعلني للعلاقات في هذه المرحلة على الأقل.
بمعنى آخر، ثمة شبه اتفاق بين عمان ودمشق على التريث وعدم الاستعجال في مجال احتواء الخلافات السياسية، خصوصاً تلك المتعلقة بالنفوذ الإيراني في سوريا أو الحضور السوري في الحسابات الأردنية، على أن يعقب ذلك نشاط وتفعيل لا يلفت كثيراً نظر الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران معاً، وفكرته التعاون الحدودي وفي المسار الاقتصادي والتجاري. بمعنى آخر، يجد أهل دمشق – وفي ظل الحصار الخانق على حليفهم الإيراني وأزمة النقد التي تحاصر حزب الله اللبناني- أنفسهم بصدد طلب مساعدة الأردن في احتواء أزمة المحروقات والغاز الداخلية المتنامية، خصوصاً وأن الحليف الروسي ولأسباب استراتيجية قد لا يتطوع للمساعدة كثيراً في هذه المهمة.
في المقابل، يجد أهل عمان أنفسهم- وتحت وطأة الأزمة المالية الخانقة- باحثين بهوس عن أي طريقة للاستفادة من فتح معبر نصيب مع سورية ودون المجازفة بعلاقات سياسية وأمنية شاملة في هذه المرحلة على الأقل يمكن أن تثير انزعاج الولايات المتحدة أو السعودية، أو يمكنها أن تؤدي إلى صدام من أي نوع مع إسرائيل.