زيارة «لم تحصل»: لماذا غابت ابتسامات الأمير محمد بن سلمان عن عمان؟… سجل حافل لولي العهد السعودي في «مناكفة» الأردن
رفع شعار… «معنا أو ضدنا»… ورسائله تضمنت إعلان «الخصومة»
يخطو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بثقة نحو المزيد من «الجدل والغموض» وهو يتمنع أو يؤجل زيارة كان يترقبها الشارع الأردني لعمان العاصمة في اللحظات الأخيرة من جولته «التجميلية»، محاطاً بالمزيد من «غموض الأجندة» سعودياً، وبدائرة تتسع من التساؤلات التي تحاول «تثبيت» أي شكل أو صيغة من أي نوع لإقامة «حوار منتج» بين البلدين بعيداً عن فكرة «التبعية» وعلى أساس «شراكة» لا تزال غير ناضجة.
بذلت غرفة القرار الأردني جهداً مضنياً وهي تحاول التقارب وبكل اللغات من الأمير الشاب الذي يشير سجله مع الأردنيين تحديداً إلى محطات غاية في المناكفة والضغط والنكران، وفي بعض الأحيان الاستهداف دون سبب واضح.
طوال الأسبوع الماضي، كان الإعلام المقرب من الحكومة الأردنية يسرب المعطيات عن انتظار زيارة ولي العهد السعودي والاستعداد لها في ختام جولته وهو عائد إلى بلاده من الجزائر.
فجأة، وأمس الأول، ظهر التصريح الرسمي الذي توحي صياغته بتبعيته لمكتب وزير الخارجية أيمن الصفدي، ويتضمن إشارة واضحة إلى أن زيارة عمان «لم تكن أصلاً مقررة ضمن جولة الأمير».
عدم حصول الزيارة في كل حال «مفيد سياسياً» للأردن ويحرره ويدفع باتجاه مغادرة الملك عبد الله الثاني إلى الولايات المتحدة في «زيارة عائلية وإنسانية» للمشاركة في تشييع جثمان الرئيس الأمريكي الراحل جورج بوش الأب.
بعيداً عن الزيارة من عدمها، يمكن ببساطة القول اليوم بأن خلافات عمان مع الرياض التي تشبه ولي عهدها متعددة وكثيرة، ولم تبدأ من تلك اللحظة التي ابتلعها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في القمة الإسلامية الأمريكية عندما شاهد الوفد الأردني الأمير الشاب يتحرك نحو مقعد والده رئيس الاجتماع ويهمس في أذنه مباشرة بعدما ختم الأردن كلمته بعبارة «والصلاة والسلام على النبي الهاشمي العربي».
تلك «الهمسة» كانت بداية التأطير المناكف سعودياً للأردن.
وطوال الوقت، أدرك الأردنيون أن الأمير الشاب لم تعجبه عبارة «النبي الهاشمي» فصدر وقتها التعليق الغريب من الملك سلمان بن عبد العزيز والقائل ..«النبي العربي».
لم يقف الأردنيون طويلاً عند أولى رسائل بن سلمان السلبية لهم، لكن القمة الإسلامية التي استضافها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من أجل القدس شهدت تفاضلاً عددياً في عدد الأمراء الهاشميين حينما كان الملك برفقة الأشقاء الأربعة.
تجاهل الأردنيون نصيحة بن سلمان لهم بتجاهل دعوة اردوغان، وفي عمان عندما يعاتب الأتراك بخصوص تعليق اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة والجمهورية يتم تذكيرهم بالموقف الجريء في حضور قمة اردوغان والتنسيق معه والمجازفة بالسعودية وقتها.
ثاني وأقسى الرسائل من ولي العهد الشاب صاحب شعار «معنا أم ضدنا» تربعت عند ملف القدس، فقد وصلت عمان الأنباء المباغتة التي تقول بأن بن سلمان، وعبر نخبة غاضبة على الأردن من القياديين الفلسطينيين، بدأ يعد العدة لاستقبال وفود من أهل مدينة القدس، ولاحقاً لذلك شاعت تسريبات عن عمليات شراء عقارات في المدينة.
كانت تلك رسالة سعودية تتجاوز المناكفة لصالح «الخصومة».
بذل الأردن جهداً عملاقاً خلف الستارة لإقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن ما يريده من الثنائي نتنياهو-بن سلمان في ملف القدس أو غيره ليس بالضرورة على حساب الأردن ويمكن إنجازه بالتفاهم، وهنا برزت لعبة الأردنيين الجديدة تحت شعار «رفض صفقة القرن، لكن العمل ضد بعض تفاصيلها من داخلها».
كانت تلك إشارة مباشرة إلى بداية «لعبة عض أصابع» على هامش القضية الفلسطينية، حيث يطرح ولي العهد السعودي مقترحات تجامل بشدة اليمين الإسرائيلي على حساب الشعبين حول نهر الأردن وبدون تنسيق مع الشقيق الأصغر وخلافاً للعادة.
طوال الوقت يستعين الأردن بالملك سلمان أملاً بالإنصاف، ولا يجد طريقاً محدداً للولوج إلى قلب ولي عهده الحاكم الفعلي أو للتفاهم معه، وكلما غاب الإنصاف عن الأردنيين دخل على الخطوط لتدعيم هدنة صامتة ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد الذي تم تفويضه سعودياً في مرات عدة باحتواء الأردنيين.
لكن في كل مواقع القرار الأردني العميق يدرك الجميع بأن العلاقات والاتصالات «ليست منتجة» مع ولي العهد الشاب الذي تديره «مشاعر غامضة» عندما يتعلق الأمر بالأردن تحديداً.
بقيت الأمور كذلك إلى أن تغيرت المعطيات قليلاً إثر جريمة اغتيال خاشقجي، وهنا لاحظ الجميع كيف تصمت الحكومة الأردنية تماماً عن هذه الجريمة وكأنها لم تحصل، وكيف تقف مرتين علناً مع السعودية وضد استهدافها، حتى دون الاستناد إلى الموقف الأميري السعودي في وصف الجريمة بأنها «غير مبررة» أو لا يمكن تبريرها.
حتى في قمة دافوس الصحراء، كان العاهل الأردني الوحيد الحاضر من الزعماء العرب دعماً لابن سلمان نجم الحفلة.
معادلة عمان مع الأمير السعودي كانت دوماً على الأساس التالي: إذا كان حبل الود منقطعاً فإن تجنُّب الصدام هو الاستراتيجية العلنية المتبعة على الأقل.
لكن الصدام تحصيل حاصل، ويحدث بعيداً عن الأضواء، وبصمت، وسبق أن حصل في اليمن وفي القدس وفي الموضوع القطري، وإن كان على الطريقة الأردنية المغرقة في الصبر والهدوء بالتوازي مع وقف الأمل بمليارات بن سلمان أو استثماراته وصعود مقصود في مقولة «ولي عهد المساعدات».
ما هو الجديد بعد تراجع زيارة كانت مرتقبة؟ لا توجد إجابة صارمة على سؤال من هذا النوع، فالأمير الشاب سبق أن توقف في العقبة ووعدها بمشاريع، وكل نطاقات المجاملات الأردنية له كانت نهاياتها سلبية، وإن كان البعض في عمق عمان يحتفلون باتقاء شر «التهور السعودي» كمنجز ومنتج لهذه المجاملات.