لا ينطوي المشهد الآن على كثير من الغرابة، فكل المعلومات والتسريبات الواردة لمجسات الاستشعار الأردني تؤكد بأن «تحسين أحوال اللاجئين الفلسطنيين» في المنطقة هي العبارة السحرية التي ستعتمد عليها فعاليات مؤتمر المنامة وتصل في المحصلة إلى «دفن» وكالة غوث اللاجئين.
الوكالة نفسها، وعبر مقرها الإداري الفرعي في العاصمة الأردنية عمان، استبقت الأحداث وتحدثت عن تمكن دول صديقة ومهتمة من جمع نحو 350 مليون دولار بدل المبالغ التي امتنعت عن دفعها العام الماضي الولايات المتحدة الأمريكية.
نفقات غير متوفرة
التصريح الرسمي للوكالة يشير إلى أن نفقات ومصاريف بداية الموسم الدراسي المقبل غير متوفرة الآن، وثمة عجز في الميزانية. ولأسباب أصبحت الآن واضحة أكثر، يمكن القول إن تصريح الوكالة الصادر مساء الاثنين حصرياً يستبق أجندة غامضة ستناقشها فعاليات لقاء المنامة وسط معلومات خاصة حصلت عليها «القدس العربي» تتحدث عن «خلافات وتجاذبات» حادة بين دول عربية والولايات المتحدة، ليس على مبدأ «إغلاق أبواب الوكالة الشهيرة»، ولكن على تحديد مسار أموال صندوق ضخم جداً سيمول برامج تحسين أحوال اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم. والجميع هنا يريد حل مشكلة إسرائيل واستهداف حق العودة.
الجديد – وقد قيل ذلك في اجتماع سيادي أردني مغلق – أن المجموعة العربية بقيادة السعودية ومصر لم تعد تمانع إغلاق مشاريع ومقرات وكالة غوث اللاجئين (الأونروا). وحدهما، الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية، يقاومان. لكنها مقاومة محفوفة بالمخاطر والعزلة، فقد اضطر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، العام الماضي، إلى السفر لثماني دول في جولة مكوكية بهدف جمع تبرعات لإنقاذ خدمات الوكالة للعام 2018 بدلاً من أن تتورط بنفقاتها الخزينة الأردنية المثقلة بالهموم.
الصفدي نفسه ألمح في حديث سابق لـ «القدس العربي» إلى أن الأردن رفض رفضاً قاطعاً اقتراحات بأن يدفع الأمريكيون مخصصاتهم للحكومة الأردنية على أن تتولى هي الإنفاق على خدمات اللاجئين. وبالنسبة لنائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، مشروع العبث بأساس وفكرة ومنهجية الأونروا هو الأكثر خطورة في كل الترتيبات التي يتحدث عنها اليوم الجميع، والمسألة دوماً لها علاقة باللجوء وحق العودة.
في مقاربة الصفدي، التي سمعتها «القدس العربي» مباشرة، كان العبث بوكالة الغوث وإعادة إنتاج دورها وحرمانها من التمويل اقتراباً أساسياً من الخطوط الأردنية الحمراء؛ لأن المسألة بوضوح ودون أي تردد لها علاقة بحق أساسي للشعب الفلسطيني وللأردني أيضاً، وهو حق العودة.
لا يوجد بالمجال الحيوي لاجتماعات البحرين ما يوحي بأن الأردن ودولاً، مثل لبنان فيها ملايين اللاجئين الفلسطينيين، ستسمع ما يسرها في ورشة عمل البحرين بخصوص «تحسين أوضاع اللاجئين»، مقدمة لإلغاء حق العودة، وأيضاً هنا بترتيبات مالية وبدون ترتيبات سياسية أو أخرى لها علاقة بالحق التاريخي.
واضح أن لبنان علم مسبقاً بالأجندة المشبوهة، فهاجم مؤتمر البحرين. وواضح أيضاً أن عمان تعلم عن تلك الأجندة، لكنها قررت الحضور، وستقول كلمتها في الغرفة، كما أوضح الصفدي، وسط هجمة معززة من الصحافة الإسرائيلية تحاول التشكيك مجدداً بالموقف الأردني على أساس أن الخلاف ليس على المبدأ ولكن على الجهة التي ستقبض ما يمكن وصفه بتعويضات مالية مقابل الحرمان من «حق العودة».
الاستعداد أفضل
الحكومة الأردنية يتزايد فيها المنطق الذي يقول بأن الاستعداد لإجراءات مهمة وعميقة ذاتياً أفضل من انتظار فرضها من قبل الآخرين. وذلك موقف حمال أوجه، وأي مشروع أردني للدفاع عن المصالح العليا للدولة والوقوف ضد الموجة التي يقترحها لقاء البحرين ضد الأونروا لا يمكنه الصمود بدون موقف شعبي عارم وحازم في الاتجاه المعاكس لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي يحمل غالبية ساحقة من أولادها أصلاً الجنسية الأردنية، بمعنى أن الدولة الأردنية من حقها فعلاً التفاوض على «مصالح وحقوق رعاياها» سواء بالتعويضات المالية أو بأي ترتيبات سياسية وتاريخية.
بمعنى آخر، يمكن القول إن الاختبار الحقيقي لتبيان موقف الحكومة الأردنية سيظهر كلما اقتربت الأجندة المشبوهة من ترتيبات ضد الأونروا، فقد نجح الصفدي سابقاً بتأجيل الاستحقاق لمدة ثمانية أشهر، لكنه يواجهه مجدداً.
والأهم هنا، وبقناعة غالبية ساحقة من المراقبين، يؤشر على أن الحكومة الأردنية لديها الورقة السحرية أكثر من غيرها لإعاقة ترتيبات جاريد كوشنر المريبة بخصوص حق العودة، وهي ورقة «الديموغرافيا»، فأكثر كتلة بشرية جاهزة لرفض المشروع من اللاجئين والفلسطينيين موجودة في المملكة الأردنية الهاشمية، بمقدار أكثر من مليوني لاجئ مسجل فعلاً. وهؤلاء «قوة ناعمة» لكن أساسية يمكن تفعيل موقفها إذا لم تكن الدولة الأردنية جزءاً من الترتيبات المشار إليها.
والبوصلة التي ستسمح لهم بالتعبير عن رفضهم ومواقفهم بطريقة سلمية صاخبة وقول كلمتهم.. ستشكل الأساس في اختبار تاريخي نادر لنوايا سياسية.
السؤال هو: هل ستقرر الحكومة الأردنية مواجهة «البحرين» وتفاعلاته باستعمال الورقة السحرية المشار إليها؟..هذا حصرياً السؤال الصعب والمعقد، أما الإجابة فستظهر قريباً جداً بالتأكيد؛ لأن التفاوض باسم اللاجئين على أساس «مالي» شيء، والتفاوض باسمهم ومعهم وعبر السماح لهم بالتعبير على أساسي حقوقي وتاريخي وسياسي.. شيء آخر تماماً.