قمة تونس: «خديعة» ناجحة للإعلام وسؤال «سعودي» مبكر حاول إرباك الجميع و«عتاب فلسطيني حاد» ومقايضة لبنانية: «الجولان أو المقعد»
وقف وزراء الخارجية العرب في العاصمة التونسية، ظهر أمس الجمعة، وجهاً لوجه أمام سؤال سعودي حاول مبكراً إعاقة أي محاولة للتصعيد ضد الإدارة الأمريكية، عندما سأل وزير الخارجية السعودي الدكتور إبراهيم العساف في الاجتماع التشاوري غير الرسمي الصباحي عن «بديل العرب» عن وثـيقة المبادرة.
هجوم العساف
الإشارات الصادرة عن وزيري خارجية لبنان والأردن كانت تحاول من بداية الاجتماع البحث عن موقف عربي جماعي تصعيدي بعد القرارات الأمريكية والإسرائيلية الجديدة، خصوصاً وأن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، حضر لتونس مزنراً بالبيان المشترك مع المغرب بخصوص رفض أي تسوية من أي نوع تبدل أو تعبث بملامح القدس وأوقافها.
خفايا وكواليس «الاجتماع التشاوري»: المالكي محتد والعساف سعى للظهور والتونسي ملتزم التوافق
لكن سؤال العساف المبكر أوحى ضمنياً بأن السعودية قد تمانع أي محاولة للتصعيد عبر وثيقة المبادرة في هذه المرحلة، على أن يترك الملف للقادة والزعماء في اجتماعهم الختامي. وهو ما اقترحه الشيخ خالد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، وهو يساند العساف ويتبادل معه الملاحظات المكتوبة ورقياً. الأهم أن الحرص السعودي ظهر مبكراً على تجنب أي تصعيد سياسي عبر استعمال المبادرة العربية خصوصاً ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخير بخصوص القدس والجولان، الأمر الذي انتهى عند النقاش في هذا المحور، تحديداً بالسيناريو «التونسي» الساعي للتدخل ومنع التجاذب حتى لو اقتضى الأمر تأجيل أي مقترح أو خطوة أو تركه لبيانات القمم السابقة.
في كل حال، برزت على هامش الاجتماع التشاوري الأول مساعي وزير الخارجية السعودي الجديد الدكتور العساف بصورة يشير فيها الرجل إلى أنه جاهز للمناورة والمبادرة في قيادة الاجتماع بالرغم من الجدل المثار حوله على مستوى وزراء الخارجية العرب.
العساف هنا كان محور النقاش في كواليس الإعلاميين عبر الإصرار على المقارنة بينه وبين سلفه عادل الجبير. لكن الرجل أظهر قدرة على المناولة السياسية عندما رفع سقف موقف بلاده من قرارات ترامب في خطاب «تسليم رئاسة القمة»، وهو خطاب مؤثر وينطوي على رسائل سياسية بالجملة، لكنها لا تعكس خفايا الموقف السعودي عند التشاور المغلق.
في خطابه في الجلسة الافتتاحية، هاجم العساف الحوثيين لأنهم يعيقون استقرار اليمن، وأصر على إلغاء برنامج الصواريخ البالستيه الإيراني، وتحدث عن دعم الشعب السوري واستقراره، مندداً بقراري الإدارة الأمريكية حول القدس والجولان، قبل أن يتسلم المضيف التونسي رئاسة الاجتماع التحضيري الأول.
عتاب صاخب
بعيداً عن الاجتماع العلني أمام الكاميرات، كان سؤال العساف محورياً في التأشير على أن السعودية لا تريد من قمة تونس الذهاب بعيداً عن الواقع الموضوعي في إدارة اجتماع الزعماء والبيان الختامي، عندما يتعلق الأمر بالإدارة الأمريكية، مما يفسر الاستفسار عن «بديل العرب»، كما ورد على لسان العساف.
تأثرت مجريات الجلسات التحضيرية بالتكتيك الجديد الذي اقترحه المضيف التونسي ونفذته الأمانة العامة للجامعة العربية، حيث يعقد اجتماع تشاوري أول قبل الجلسة الافتتاحية الرسمية ثم الجلسة المغلقة لوزراء الخارجية. فوفقاً لمصدر تونسي مطلع تحدث لـ «القدس العربي»، فهذه الخطوة التكتيكية تستهدف احتواء «أي مواقف حادة» بين الوزراء العرب خلف الأبواب، وتلمس طريق القمة قبل أي تجاذب ومنع تسلل تفاصيل أي خلاف قدر الإمكان. بمعنى أن الجانب التونسي يبحث حتى تكتيكياً عن أي مساحة توافق بعيداً عن الجدل والملفات المثيرة.
وقد نجح نسبياً هذا السياق في الحد من تسرب التجاذبات والخلافات رغم شعور الوسط الإعلامي المراقب بتعرضه لـ «خديعة تكتيكية» وتضليل عندما انتظر الإعلام وزراء الخارجية لنحو ساعتين ونصف، وعلم الجميع لاحقاً أن الاجتماع التشاوري الأول يعقد خلال الانتظار وقبل الجلسة الافتتاحية أمام الكاميرات، والتي تحولت إلى جلسة مسائية تشاورية مغلقة لاحقاً، أمس، وخلافاً لما كان يحصل بالعادة.
لكن ذلك لم يمنع تسلل بعض التفاصيل في عدة اتجاهات؛ فوزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، وفي الاجتماع التشاوري، تحدث بحدة وبلهجة نقدية إلى حد كبير بسبب امتناع الحكومات العربية عن تقديم الدعم المالي المقرر من جهة الزعماء في قمم سابقة.
عتاب المالكي كان صاخباً حسب التفصيلات، لافتاً إلى أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى المزيد من «الدعم اللفظي والإنشائي»، شاكراً الدول الشقيقة التي أوفت بالتزاماتها لصندوق دعم القدس، ومتمنياً على الجميع الالتزام بما سبق أن تقـرر بدلاً من الوعـد بالمزيـد من الدعـم.
الوزير الفلسطيني ألحّ على وجود «آليات محددة للتنفيذ» ترافق أي قرار أو توصية بشأن القضية الفلسطينية، مقدراً دعم وجهد الجميع، لكن مع الإشارة إلى أن القرارات والتوصيات «لا تنفذ في الواقع»، متمنياً باسم القيادة الفلسطينية على الزعماء العرب أن لا يمارسوا المزيد من الضغط على قرار القيادة الفلسطينية «مقاطعة المفاوضات» والإدارة الأمريكية.
في غضون ذلك، تشدد الوفد اللبناني بالدعوة مجدداً لتجنب المراوغة في المسألة المتعلقة بالمقعد السوري في الجامعة العربية.
وساند وزير الخارجية الأردني نظيره اللبناني في الاجتماع التشاوري الأول الصباحي عبر التركيز على عدم جواز بقاء سوريا خارج المنظومة العربية والدعوة لمراجعة قرار مجلس الجامعة العربية بهذا الخصوص، خصوصاً وأن سوريا الآن مستهدفة بعد قرار ترامب الأخـير بضـم الجـولان.
المقايضة التي يعرضها على اجتماعات تونس وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، فكرتها أن النظام العربي من المعيب أن يقف مع سوريا في ملف الجولان دون أن يراجع موقفه من عودة سوريا لحضنها العربي، مقترحاً أن «موقفاً جدياً وعميقاً» مطلوب من القادة العرب إزاء القرار الأمريكي بضم الجولان وحسم ملف القدس، في حال الإصرار على عبارة «الظروف ليست مهيأة بعد» للبحث في عضوية سوريا في مجلس الجامعة العربية، وهي العبارة التي استعملها خلف الستارة وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة.