كوشنر إلى عمّان بعد الرباط لتسويق «الصفقة» وتهديد معارضيها… وإخوان الأردن يتقدمون «مسيرة» احتجاجية تستقبله
«فيتو سيادي» على مسألتين: تقليص الوصاية الهاشمية وأي «دور» في الضفة
اقتنصت الحركة الإسلامية الأردنية اللحظة المناسبة سياسياً لكي تكسر عزلتها مع حراك الشارع بالدعوة إلى نشاط عام وجماهيري لاستقبال صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جاريد كوشنر المتوقع أن يصل إلى الأردن بعد المغرب الذي وصله أمس.
منذ سنوات طويلة لم يقرأ الرأي العام الأردني أي بيان باسم الإسلاميين يدعو الجمهور للاعتصام في الشارع لكن بعد ظهر الثلاثاء، ومباشرة بعد الإعلان عن زيارة كوشنر المثيرة والغامضة إلى عمان، صدر عن الحركة الإسلامية وليس عن جبهة العمل الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين فقط بيان يدعو للاعتصام بعد صلاة التراويح مساء الثلاثاء وأمام المقر الحصين للسفارة الأمريكية في عمان. طبعاً، يتطلب الأمر احتياطات أمنية كبيرة. لكن السماح باحتشاد وتجمع مسيرة باسم الإسلاميين، وتحديداً أمام السفارة الأمريكية، هو بحد ذاته اختبار لموقف السلطات الرسمية من صفقة القرن.
أرادها الإسلاميون على هذا النحو مع أن القطب البارز في الحركة الإسلامية الشيخ زكي بني أرشيد كان يسترسل في الشرح مع بداية رمضان عندما استفسرت منه «القدس العربي» عن ميزان الحركة وبوصلتها في التعاطي مع حراك الشارع. المسألة هنا لا تتعلق بحراك الشارع، فالإسلاميون الأردنيون يتصدرون فعلاً القوى الشعبية في موقف حاسم وصلب من صفقة القرن، والسلطة اليوم إذا ما كانت ترغب في الاستثمار في هذا الموقف قد تظهر بعض المرونة الأمنية في مواجهة أول مسيرة تخطط للاحتجاج أمام مقر السفارة الأمريكية.
حتى اللحظة، بالمقابل، لا توجد إشارات من أي نوع توضح أجندة استقبال عمان، اليوم الأربعاء، لكوشنر في زيارة يحذر منها الجميع وشغلت منصات التواصل الاجتماعي مبكراً تحت عنوان رسالة تقول بأن الشعب الأردني لا يرحب بصهر الرئيس الأمريكي.
طبيعي القول إن كوشنر، وبعدما تردد مجدداً في تأجيل صفقة القرن للمرة الثالثة، يحمل إلى عمان بين يديه ملفين: الأول فيه العصا، والثاني فيه الجزرة، لأن كوشنر وفي الزيارة الأخيرة قبل ثلاثة أشهر لملك الأردن إلى واشنطن أصر على أنه ثمة مفاجآت سارة للأردنيين والفلسطينيين ومزايا ضمن الصفقة التي يسعى لترويجها.
قبل استقبال كوشنر، عقدت في الأردن اجتماعات عدة على المستوى السيادي ودرست الكثير من المعطيات في مستوى الدولة العميقة ووضع نخبة من أبرز صنّاع القرار بصورة القرارات والتوجيهات المرجعية. حصل ذلك طبعاً بعد التنسيق التفصيلي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتستطيع «القدس العربي» أن تؤكد أن الأردن قرر مرجعياً ونهائياً وبصورة حاسمة وبدون تراجع ورغم عدم وجود معلومات رسمية بين يديه، الاعتراض وليس المقاومة على أي خطة أمريكية في جانبين على الأقل.
في الجانب الأول، فيتو أردني بكل اللهجات على أي محاولة لتقليص دور الوصاية الهاشمية في القدس. وفي الملف الثاني فيتو أكبر يتوقع أن يثير إشكالات على أي دور أردني من أي نوع في أي ترتيبات يقترحها الأمريكيون لاحقاً في مرحلة ما بعد صفقة القرن في الضفة الغربية. هنا تحديداً يجمع الساسة الأردنيون على أن بلادهم لن تقبل بأي عبث له علاقة بالتواجد في نطاق الدور في معادلة الضفة الغربية بدون دولة فلسطينية على ما تبقى من أراضي عام 1967.
وفي الوقت الذي تؤشر فيه معطيات على ان الأمريكيين بصدد عرض إدارة المسجد الأقصى فقط على الأردن دون الحرم المقدسي وعبر العودة إلى صيغة التقاسم المكاني والزماني، يبرز يومياً ما يوحي بأن الكلمة الحاسمة في القاموس الأردني حتى عندما يتعلق الأمر بأقصى طاقة براغماتية، تركز على التحذير الجذري والعميق من تفجير لغم الضفة الغربية في الحضن الأردني.
وهنا أيضاً قيل في الغرف المغلقة بأن أي محاولة للزج بالأردن في معادلة أمنية أو سياسية في عمق مساحة الأرض المحتلة تجازف ضمنياً بالأمن الاستراتيجي الأردني، لأنها ستعبث بعنصري الاستقرار في هوية الدولة السياسية، وهما الجغرافيا والديموغرافيا.
عليه، قد يسمع كوشنر في عمان كلاماً واضحاً إزاء بعض الملفات والقضايا حتى وإن حضر ضمن معادلة العصا والجزرة، لأن أروقة وقنوات القرار الأردني مليئة هذه الأيام بالحسابات التي تتحدث عن اللحظة التي تشتغل فيها ماكينة الابتزاز الأمريكي السياسي والاقتصادي.
وهو ابتزاز يقال إنه بدأ مبكراً عبر الضغط على عمان لحضور لقاء المنامة الاقتصادي، حيث يزور كوشنر الأردن مباشرة بعد اتصال هاتفي بين الملك عبد الله الثاني وملك البحرين، وفي الوقت الذي كان فيه ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبد الله يؤدي عمرة مفاجئة ويستقبل بحفاوة لا تعكس حقيقة التنسيق في السعودية.