اراء و مقالات

«لفتة وسابقة» من الدغمي ومفاجآت في برلمان الأردن: الأوراق «قيد الترتيب» واستعادة «سمعة المجلس» الأهم

عمان – «القدس العربي»: خلافاً لكل المرات والمواسم السابقة، لا يخلط ترشيح عضو البرلمان الأردني أحمد الصفدي أوراق المجلس عشية انعقاد دورته العادية المقبلة بقدر ما يعيد ترتيبها ضمن التوجهات العامة والوطنية في سياق تجهيز البلاد عموماً والسلطات الدستورية إلى مرحلة التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي، حيث دورة عادية في غاية الأهمية للبرلمان تطرق الأبواب وتحتاج إلى خبرات خاصة منسجمة إلى حد ما ليس فقط مع اتجاهات أعضاء المجلس ورغبة الدولة في رؤية مجلس نواب يعمل في السياق المؤسسي، ولكن أيضاً مع نبض الناس إلى حد ما، ومع توجهات مراكز صناعة القرار الأساسية.
أعلن النائب الصفدي ترشيح نفسه على نحو مفاجئ مساء السبت لرئاسة مجلس النواب، ولم يعرف بعد ما إذا كان نواب آخرون بينهم أقطاب مؤثرون، في صدد أو برسم الانضمام للمنافسة. وبدا لافتاً أن ترشيح الصفدي يحظى بالتوافق على نحو ملموس بمجرد إعلانه ترشيح نفسه في منزل رئيس المجلس المخضرم والمشرع الأساسي عبد الكريم الدغمي.
كانت تلك لفتة واضحة الملامح من الدغمي تعلن تأييد ومساندة ومباركة ترشيح نائبه في المجلس السابق أو في دورته السابقة أحمد الصفدي، لا بل تنطلق الحملة الانتخابية وإعلان الانتخاب المفاجئ من منزل عبد الكريم الدغمي في مشهد لم يحصل عملياً على مستوى البرلمان في وقت سابق.

«سابقة» الدغمي

رسالة أو “سابقة” الدغمي هنا واضحة، وهي الانحياز لترشيح نائبه الصفدي والعمل على تكاملية الأدوار في سياق ترتيب أوراق الدورة العادية المقبلة.
والصفدي نفسه أبلغ “القدس العربي” بأن المسألة تكاملية وبأن الدغمي “مدرسة” في إدارة مؤسسات التشريع استفاد منها لعقود المعنيون بالمصالح الوطنية، معتبراً أن “التجديد” بكل حال ينطوي على مسؤولية ووطنية، وأن لديه تصوراً وبرنامجاً عاملاً مؤسسياً متكاملاً إذا ما حظي بثقة “الزملاء النواب”.
رئيس جديد لأول مرة وشاب وديناميكي على منصة رئاسة مجلس النواب.. هذا هو الخبر المحتمل ما لم تحصل مفاجآت في الأيام القليلة المقبلة. وهو مشهد إن اكتمل على النحو المرسوم، يعني أن خطة ما -كما توقعتها “القدس العربي” في وقت سابق- على النار، وتطهى على نار هادئة في إطار التعاون بين السلطات الدستورية وتوفير ملاذ لطاقم يعمل في سياق جماعي، خصوصاً أن خبرات الصفدي الشخصية والذاتية تؤهله لقيادة الموقع ما دام قطب من حجم الدغمي رئيس المجلس في دورته السابقة يقف في الخندق نفسه، بدلالة مباركة الثاني لترشيح الأول دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال تفويضاً سريعاً، لأن التشاور ضرورة ملحة مع بقية أقطاب المجلس وجميع كتله.
في كل حال، ترتيب الأوراق السياسية الجديدة جزء من مشهد وطني وسياسي أعم، فالصفدي إلى حد ما مقبول من أغلبية كبيرة من أعضاء المجلس، وحصته في الفوز بانتخابات رئاسة المجلس قد تكون مرجحة مادام الدغمي قد بايعه بصورة علنية إلى حد ما، خصوصاً إذا لم يتقدم للمنافسة أقطاب آخرون.
ولم تتضح بعد مواقف واتجاهات أقطاب آخرين في المجلس لديهم خبرات كبيرة وفي موقع التأثير في بقية النواب، مما يعني ضمنياً أن الأسبوع المقبل “حاسم” ومفعم بالتشاور في محيط المرشح الصفدي، لأن انتخابات رئاسة المجلس في العادة تؤثر على كل المعطيات في المشهد السياسي في البلاد، مع أن “استعادة” ثقة الرأي العام بدور مؤسسة النواب مهمة “صعبة ومعقدة” وتكاد تكون مستحيلة. وأغلب التقدير هنا أن تدشين الدورة العادية المقبلة والمنتظرة يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني للبرلمان الأردني بمثل هذا التوافق بين الأقطاب هو خطوة في اتجاه مؤسسة العمل ما لم تحصل مفاجآت بطبيعة الحال، ويقرر أقطاب آخرون في مجلس النواب الترشح في مواجهة الصفدي.
في كل حال، هذه الترتيبات على الأرجح جزء من ترتيب أعم وأشمل وأبعد له علاقة بالمرحلة القادمة، حيث يترقب الجميع بعد تأخير غير مفهوم حتى اللحظة ولادة مجلس الأمن القومي الجديد، وحيث تنتهي فترة التصويب القانوني للأحزاب الجديدة والقديمة بموجب قانون الأحزاب الجديد، وهو أبرز مخرجات مشروع تحديث المنظومة السياسية في البلاد، وحيث تبدأ مرحلة جديدة تحت عنوان تمكين العمل الحزبي بتوفير مقاعد بنسبة كبيرة في الانتخابات المقبلة من القوائم الحزبية وبناء سيناريو يسمح بتداول السلطة عبر الأحزاب التشريعية والتنفيذية على مدار عشر سنوات، الأمر الذي يجعل مهمة الصفدي، إن أصبح رئيساً وبديناميكيته ومرونته وقدرته على بناء تحالفات داخل المجلس، جزءاً من مشهد أبعد وأعمق، ومهمة لا تزال شبه مستحيلة، برأي الغالبية.
في كل حال، مرحلة التحديث والتمكين ستواصل تأثيراتها الأساسية والمحورية على خريطة النخب والمواقع والأدوار في المؤسسات الأردنية، وقد بدأت بتغييرات في منظومة الأمن الداخلي وبتعديل وزاري خامس على حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة، وبترتيب أوراق مؤسسة البرلمان اعتباراً من يوم 13 نوفمبر.
وقبل ذلك، إعادة تشكيل مجلس الأعيان حصراً على أمل إنتاج حالة ذهنية وسياسية واجتماعية جديدة تؤدي إلى تشكيل روافع لمشروع التحديث السياسي ولمشروع التمكين الاقتصادي.

القيام بالدور المطلوب

لم يعرف بعد ما إذا كانت كل هذه الرموز الجديدة، مع توفر الرؤية الملكية وبثلاثة وثائق مرجعية، قادرة على القيام بالتحديات والدور المطلوب.
لكن الواضح والمباشر والملموس لجميع المراقبين اليوم أن الفرصة سانحة والساحة مفتوحة لتغيير، صحيح أنه بطيء لكنه قد يكون عميقاً إلى حد أكبر لاحقاً، حسب عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية محمد الحجوج، الذي يصر على أن زرع الأمل هو المقاربة الوطنية حالياً في المستقبل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى