اراء و مقالات

عندما يتوسل أردنيون «يأجوج ومأجوج» ويحذرون من «تكفير العشير» وكوكتيل «الخشونة»

عمان-«القدس العربي»: لا أحد يمكنه فهم موجبات التصعيد ضد المواطنين وتعليقاتهم في خطاب وزارة الأوقاف الأردنية بعد الجدل الذي أثارته قصة خطبة الجمعة الموحدة بعنوان طاعة ولي الأمر.
طاعة ولي الأمر ليست مثاراً للنقاش بين الأردنيين الذين تظهر عليهم المزيد من مؤشرات القلق بصورة تؤكد أن المطلوب من الحكومة والسلطات وجميع المسؤولين والوزراء تحديداً الارتقاء أحياناً حتى إلى مستوى التحدي والأولويات.
قد يحتفظ وزير الأوقاف الشيخ محمد الخلايلة بملاحظات للرأي العام يمكن التقدم بها دوماً، لكن عودة لغة اتهام الناس بالتطرف وبالانتماء إلى الدواعش تحت ستار خطاب ديني رسمي هي جملة بالتأكيد تؤدي إلى مزيد من التوتر في ساحة اجتماعية فيها فائض توتر وأزمات معيشية اليوم.
إن تشدد وزير الأوقاف في إلقاء الاتهامات دون تدخل مقياس الضبط الحكومي أو دون تدخل حتى رئاسة الوزراء، يأتي مجدداً بنتائج عكسية من الصنف الذي يمكن الاستغناء عنه، خصوصاً مرحلياً وتحت سقف الحوار الملكي الإصلاحي وتحفيز مؤسسة القصر للناس للإدلاء برأيها والضغط من أجل تحسين الأداء البيروقراطي.
الجملة الغاضبة في خطاب وزير الأوقاف الأردني والتي تتهم المعترضين وأصحاب الرأي بالانتماء إلى الدواعش أو إلى حزب محدد وهو على الأرجح الإخوان المسلمين، قدمت مساهمة فعالة في تسليط الضوء على إنتاجية برنامج خطبة الجمعة الموحدة وعلى أساس أن التلقين في سياق الوعظ والإرشاد ينعكس سلباً على تلك العلاقة التي ترغب المراجع بمراجعتها الآن بين الدولة والحكم والمواطن.
تلك علاقة تعاني أزمة بإقرار نخبة من كبار المسؤولين، فقد سمعت”القدس العربي” مباشرة رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة ورئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات ورئيس لجنة الحوار الإصلاحي، في جملة موحدة تقر بأزمة مصداقية الخطاب الرسمي، ًما يعني ضمنيًا بأن اللجوء إلى اتهام الناس وتخوينهم وضمهم إلى المذاهب المتطرفة أسلوب لم يعد منتجاً.
يمكن لجولة بسيطة في بعض أشرطة الفيديو التي يسجلها مواطنون أو يتبادلونها في وقت تحديث المنظومة السياسية عشية الدخول في المئوية الثانية للدولة، أن تقدم أدلة وبراهين نكرانها يسيء إلى الدولة اليوم، برأي المعارض الإسلامي محمد خلف الحديد، على أن أزمة الأردنيين في علاقاتهم بمؤسسات السلطة تزيد وتنمو، وعلى أن التطرف البيروقراطي والرسمي في عدم احترام الرأي هو الذي ينتمي إلى الفكر الداعشي وليس العكس.
هنا حصرياً يقترح الأمين العام لمنتدى الوسطية مروان الفاعوري، التحدث مع المواطنين عموماً في الظرف الحساس اقتصادياً حالياً، وفي ظل مبادرة ملكية بعنوان التحديث والإصلاح والحوار بلغة أقل عصبية واتهاماً، وبلهجة تظهر تقديراً لقيمة الرأي الآخر.
وجولة صغيرة في بعض المعطيات تثبت -سياسياً وإعلامياً ووطنياً- ذلك، فقد تداول الأردنيون بنشاط شريط الفيديو الذي يشتكي فيه مواطن هو تاجر سيارات، من تقلب التعليمات وخشونتها والتضييق على التجار، مستذكراً الحديث النبوي الشريف عن “تكفير العشير”.
يوجه التاجر المشار إليه أسئلة وملاحظات لوزير الداخلية مازن الفراية، ثم يسأل في ختام شكواه الحكومة برمتها: “مش خايفين الشعب يكفر فيكم”؟
ثمة اشتباك أكثر طرافة تم تداوله أيضاً، حيث ثلاثة مواطنين يتحدثون مع بئر عميقة ويتوسلون يأجوج ومأجوج الخروج للقضاء على ما تبقى بسبب المعيشة المرة.
قبل ذلك، حتى المطبخ السياسي الذي يحاول تأسيس ولو صفحة إصلاحية اليوم برعاية ملكية يقف حائراً أمام تفسير المشهد الذي انتهى باعتقالات لنشطاء المعلمين وبتأزيم ملف نقابة المعلمين مجدداً بنفس التوقيت الذي يفتح فيه الديوان الملكي مكاتبه وصالاته لأغراض الحوار والإصلاح والتحذير.
تلك رسالة موجهة بصورة مرجحة لمن يخططون لإصلاح قد يغير في الأمر الواقع ولا تنافسها لا في توقيت الحوار الإصلاحي الملكي ولا تلك الرسائل الخشنة التي صدرت عن الحكومة في ثلاثة مسارات:
الأول بعنوان الدورية والشرطة الإلكترونية، والثاني بعنوان غلاظة الاتهامات من وزارة الأوقاف، والثالث بتوقيع إصرار الحكومة على المضي قدماً في مشروع قانون أرسلته لمجلس النواب وله علاقة بملف اللامركزية والإدارة المحلية، فيما شكلت لجنة فرعية خاصة بغطاء ملكي يفترض أن تقوم بواجبها في تقديم تصورات.
تسهم كل هذه الخطوات البيروقراطية في تأزيم المجتمع أكثر، والأهم في تقليص هوامش المبادرة والمناورة أمام إصلاحات معقولة يحاول القيام بها رئيس الوزراء وبعض الحريصين على الإنتاج والإنجاز في اللجنة الملكية الموسعة، وهم أقلية بالمناسبة.
يحصل كل ذلك فيما الأسواق حائرة، والقطاع التجاري يصيح مطالباً بإجراءات إنقاذية، ومنصات التواصل تستثمر في التأزيم والتعقيد، والدولة العميقة لا تحسم اتجاهاتها في سياق الملفات المزاحمة.
ويحصل كل ذلك فيما يقترب الاقتصاديون من لحظة الحقيقية، حيث تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين، وبدأت ملامح الركود، واستهلكت المدخرات، وحيث ملامح أزمة مالية عند الناس مع شهر أيلول.
وهي أزمة تتطلب تطوراً في لغة الوزراء مع الناس، على الأقل، أقل خشونة من ميكرفون وزارة الأوقاف، وأقل عنفاً في ملفات تأزيم القطاع العام مثل نقابة المعلمين، وأقل صخباً عندما يتعلق الأمر بملف الحريات المنسي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى