اراء و مقالات

لغز ملف «الاستثمار» في المملكة الأردنية الهاشمية: تعيينات متكررة وفوضى بين «توطين أو جذب أو إقناع» أصحاب رؤوس المال

عمان – «القدس العربي» : قبل يومين قررت الحكومة الأردنية تعيين مدير جديد لهيئة تشجيع الاستثمار، وهي الذراع الرسمي في الحكومة الذي يتولى ملف الاستثمار على أمل تحريك المياه الراكدة.
التعيين الجديد أعقب بأشهر فقط تعييناً مماثلاً لمدير للاستثمار بالوكالة والتعيين الجديد أيضاً بالوكالة. والخطوتان لحقتا بقرار الخبير الاقتصادي والاستثماري البارز الدكتور خالد الوزني الانسحاب من الجهاز الاستثماري التابع للحكومة قبل عدة أشهر.
مثل هذه التعيينات تظهر حجم الارتباك في إدارة ملف الاستثمار على المستوى الحكومي، وإن كانت المسألة الاقتصادية تتجاوز في تداعياتها وتأثيراتها المربع المتعلق بالاستثمار بالرغم من كثرة الحديث عنه في الأردن، فالحكومة مازالت عملياً تعاني من نقص شديد في قيادة الطاقم الاقتصادي الذي يتولى الشؤون الاقتصادية.

أولوية «ملكية»

ويحصل ذلك رغم أن المسألة الاقتصادية ذات أولوية في خطب التكليف الملكية وحتى في تصريحات وخطط ومشاريع رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، في الوقت الذي تقدمت فيه الحكومة الأردنية قبل أيام للقصر الملكي بخطة اقتصادية خاصة يفترض أن تؤدي إلى تحفيز القطاعات وتطوير وتنمية النمو الاقتصادي وتحريك الركود في الأسواق، ومحاولة جذب استثمارات في المحيط الإقليمي بالتزامن مع الإعلان في الأول من شهر أيلول عن فتح جميع القطاعات الاقتصادية بعد أكثر من عامين من تعطل معظمها بسبب الفيروس كورونا.
كثرة وتعدد التعيينات والمرجعيات بالنسبة لملف اقتصادي في غاية الأهمية يمثل الاستثمار تحديداً، ليس مؤشراً فقط على الارتباك الحكومي لكنه مؤشر على عدم الاستقرار بخصوص خطة واضحة الملامح في مجال جذب الاستثمارات.

صداع الاستثمار

وبما لا يدع مجالاً للشك بأن مطبخ الحكومة لا يحتفظ بأي أوراق حتى هذه اللحظة على الأقل بصورة علنية بخصوص الاستعانة بشخصية كبيرة أو خبيرة فعلاً لها علاقة بجد بالاستثمارات وتتوفر لديها الإمكانية لتفعيل الجهاز المتعلق بهيئة الاستثمار، وهو جهاز بيروقراطي حكومي المطلوب منه في كل الأحوال مساعدة المستثمرين وتمرير معاملاتهم، حيث سبق للقطاع الخاص ولقطاع كبير من المستثمرين العرب أن اشتكى من البيروقراطية التي تجتاح المعاملات والملفات والتراخيص عندما يحاولون الحصول عليها.
وقبل ذلك بأشهر، كلف وزير العمل المستقيل معن قطامين، بإدارة الاستثمار واختلف مع الدكتور الوزني، فخرج الثاني ثم أعقبه الأول من الحكومة.
وبالتالي، الحديث عن نقطة لا علاقة لها بجذب الاستثمار بقدر ما يوحي بأن خطط الحكومة ومشاريعها واتجاهاتها في المسار المتعلق بجسم الاستثمارات لا تزال متعثرة أو قاصرة أو على الأقل لا تحظى بالتوافق، بدليل كثرة التجاذبات وكثرة الخلافات أيضاً، وعدم اهتمام الحكومة بتعيين وزير مختص لشؤون الاستثمار يتولى متابعة كل هذه الأوراق المهمة للغاية.
صداع الاستثمار وجذبه أو تركه مستمر بالنسبة لرأس الحكومة الأردنية، والحلول تبدو مستعصية، وعدم وضع هذا الملف بيدي خبرة متوازنة ومتراكمة تستطيع فعلاً تحقيق اختراقات والاستثمار في الاختراقات الملكية المرجعية سياسياً مع كل دول العالم أو تستطيع الاستثمار بالحضور الإقليمي والدولي للمؤسسات الأردنية، هو أمر أصبح ملازماً لكل الخطوات المتعثرة في هذا الإطار، مع أن جميع المراقبين يشعرون بأن هذه المسألة أصبحت بمثابة لغز محير، فخطط جذب الاستثمار موضوعة على الأوراق ولا أحد يعلم ما هي الإعاقـات الـتي تواجـه الاستثـمارات في الأردن.

الحلايقة: اختيار الخبرات المناسبة

وسبق للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في رسالة شهيرة، أن طالب المنظومة الأمنية بوقف تدخلاتها بخصوص التراخيص والدوائر الاستثمارية، على أن تتولى الحكومة ذلك الأمر، في الوقت الذي يعتبر فيه خبير اقتصادي ووزير سابق كبير من حجم الدكتور محمد الحلايقة، بأن الآليات المتعلقة بالحفاظ على الاستثمارات الموجودة وجذب مزيد من الاستثمارات لا تزال تتعرض للإعاقات، ولا تزال لا تنطلق أصلاً من خطة واضحة ومحددة.
الحلايقة وفي نقاش جانبي مع «القدس العربي» أصر على أن الخطوات المتعلقة في الجانب الاقتصادي عموماً تبدأ من اختيار الخبرات المناسبة التي لديها فائض من المهارات والمعرفة باتجاه تفعيل خطة وطنية، معتبراً أن مسألة مثل جذب الاستثمار حتى تنجح فعلاً، بصرف النظر عن هوية المسؤول عنها أو المكلف بها، عليها أن تكون جزءاً حيوياً من خطة وطنية أفقية تتميز بالديمومة والثبات، وتستطيع إزالة أي عوالق، وبالتالي تحقيق الأهداف المرجوة.
طبعاً، لا أحد يعلم ما هي خلفية عدم اختيار شخصية خبيرة ولديها الإمكانات والمهارات المعرفية اللازمة لإدارة الموقع الأول في صفوف الإدارة المعنية بالاستثمار.
الحلايقة انضم إلى خبراء اقتصاديين آخرين، من بينهم محمد الرواشدة، الذي خدم في السلك الرسمي مسؤولاً عن استشارات الاقتصاد لعدة سنوات وعلى هامش نقاش جانبي مع «القدس العربي» في الدعوة إلى تنميط وتأطير عملية جذب الاستثمار ضمن خطة تتميز بالديمومة والاستقرار؛ بمعنى أن كثرة التقلب في اتخاذ القرارات وفي تعديل القرارات وفي تعديل القيادات المسؤولة عن ملف الاستثمار مسألة تضر بالاستثمار نفسه، فالمطلوب ليس فقط جذب المزيد من الاستثمارات، بل العمل على استقطاب استثمارات رأس المال الأردني في الخارج، إضافة إلى -وهذا الأهم- العمل على توطين الاستثمارات الموجودة واستقرارها في البلاد، لا بل معالجة الإعاقات والمشكلات التي تشتكي منها.
وليس سراً، في السياق، أن مشكلة الدائرة المعنية -أردنياً- بتشجيع الاستثمار هي جزء حيوي وأساسي من مشكلة التبعية للطاقم الوزاري الاقتصادي، لا بل من مشكلة الطاقم الوزاري الاقتصادي الحالي، الذي يعتقد الخبراء والمراقبون أنه يفتقد إلى مطبخ حقيقي وإلى قيادة مركزية يمكن الاعتماد عليها في الادعاء بوجود مطبخ وزاري حقيقي في الحكومة التي تنشغل في اليوميات وتتعرض لمضايقات من عدة جهات واتجاهات، والتي تعمل في ظروف بغاية التعقيد والصعوبة أملتها الاعتبارات السياسية الإقليمية أولاً، وصراعات مراكز القوى الداخلية ثانياً، وثالثاً أملتها الظروف المتعلقة بالفيروس كورونا عشية فتح القطاعات بالكامل منذ مطلع أيلول.
وبالتالي، لم يعد سراً أن مشكلة دائرة أو هيئة الاستثمار التابعة للذراع الحكومية هي أصلاً جزء من مشكلة الطاقم الوزاري الاقتصادي. وهي مسألة يفترض برئيس الوزراء أن يأخذها بالاعتبار إذا ما منح الضوء الأخضر قريباً جداً لإجراء تعديل وزاري ثان على حكومته، تنتظره جميع الأطراف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى