اراء و مقالات

الأردن في الانتظار ويتلمس طريقه الجديد… التعديلات الدستورية تؤسس لمرحلة جديدة

خفايا «الأبعد والأعمق» بعد «دسترة الأمن القومي»

عمان – «القدس العربي» : يدخل الأردن مع إقرار مجلس الأعيان حزمة التعديلات الدستورية التي أثارت وتثير الكثير من الجدل، إلى مرحلة جديدة تماماً في الإطار والسياق الدستوري، عنوانها هذه المرة مأسسة ودسترة وإنشاء مجلس جديد للأمن القومي. المجلس يتولى إدارة العديد من الملفات والسياسات المركزية والأساسية في قيادة الدولة في المرحلة اللاحقة.
ويفترض أن الشارع الأردني بانتظار المصادقة الملكية على نصوص التعديلات الدستورية الجديدة، التي سببت عاصفة تساؤلات خصوصاً حول خفايا وخبايا هذه التعديلات وأبعادها السياسية الأعمق من محتوى النقاشات المحلية تحت وخارج قبة البرلمان.

مرحلة جديدة

هذه التعديلات الدستورية ينظر لها كبوابة أردنية خاصة للولوج إلى المستقبل في ظل خيارات إقليمية متعددة، وفي ظل الإصرار على تحديث المنظومة السياسية وإشراك الأحزاب أو تقاسم بعض أجزاء السلطة معها في المستقبل القريب، خلافاً لتطورات حادة يمكن أن تحصل هنا وهناك في المستوى الإقليمي.

خفايا «الأبعد والأعمق» بعد «دسترة الأمن القومي»

التعديلات الدستورية تؤسس لمرحلة جديدة تماماً عشية المئوية الثانية للدولة الأردنية في الجسم الدستوري المختص بالأمن العميق الذي سيتولى إدارة كل صغيرة وكبيرة لها علاقة باستراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي، وسيتولى أيضاً إدارة ملف الشؤون الخارجية. ولم تحدد بعد الآلية ولا نصوص النظام الذي سيعمل بموجبه مجلس الأمن القومي الجديد، لكنه خطوة مفصلية وأساسية نحو تقاسم السلطة، والأهم هو وجود مؤسسة دستورية اليوم شريكة بقوة للسلطة التنفيذية، أي للحكومة، لكنها أيضاً بديل عنها، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة.
وفي الوقت الذي لم تعرف فيه بعد تفاصيل كيفية إدارة الأمور في هذه المؤسسة الدستورية الجديدة والمهمة، مازالت السلطات تتحفظ على كثير من التفاصيل الإجرائية التي ستعقب مرحلة التأسيس الدستوري للمؤسسة الجديدة، وفي عضويتها كل من رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية، إضافة إلى رئيس أركان الجيش، ومدير المخابرات العامة، ومدير الأمن العام.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت القرارات التي تصدر عن مجلس الأمن القومي الجديد وتكتسب صفة القطعية بمجرد المصادقة الملكية عليها وتصبح نافذة تماماً، تخضع لأي نمط من الرقابة التشريعية لسلطة البرلمان. فحسب رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي، قرارات مجلس الأمن القومي خاضعة لرقابة البرلمان، ويمكن أن يراجعها ويشتبك معها تشريعياً. لكن حسب القطب البرلماني صالح العرموطي وحسب الروابدة أيضاً، لا يستطيع مجلس النواب مساءلة مجلس الأمن القومي الجديد ولا الأعضاء فيه عن القرارات التي تتخذ.
وهي حالة دستورية غير مسبوقة وجديدة تماماً على الإيقاع الوطني العام في الأردن، ويبدو أن المجلس الجديد سيعنى أيضاً بملفات الأمن الإقليمي والأمن القومي. وعبر سياساته التي ستصبح دستورية الطابع، ستبنى استراتيجيات تقرر كيفية الاشتباك مع كل التفاصيل، وهي مسائل كان ينظر فيها أحياناً أو بين الحين والآخر مجلس استشاري للسياسات في القصر الملكي، لكن المجلس الجديد يكتسب صفة دستورية قطعية وإلزامية في التنفيذ لبقية السلطات، بما فيها السلطة القضائية والسلطة التشريعية.
إلى هنا تبقى التفاصيل مكتومة، واحتمالات التعامل أو الاحتكاك بالإجراءات الجديدة قيد التجربة في وضعية لم تختبر سابقاً، وقد تكون مفيدة جداً لتأسيس مستقبل منتظم على أساس الانتقال إلى مرحلة برلمانات بأغلبية حزبية وحكومات بأغلبية برلمانية تنسجم مع الأحزاب السياسية. وبالتالي، الأردن يتجه إلى مستويات جديدة وغير مختبرة سابقاً في إدارة سياسات الدولة في المرحلة القليلة المقبلة، وهذه التعديلات الدستورية برمجت وتمت وأنجزت مع صفة الاستعجال، مما يؤشر ضمنياً على أن لها استحقاقات ذات بعد سياسي وإقليمي أو ذات صلة بطبيعة تحالفات ومصالح الأردن العليا في المنطقة، ومع المجتمع الدولي على الأرجح. وقد يكون لها أيضاً -حسب بعض المعطيات والمراقبين- علاقة مباشرة بقراءة الأردن العميقة لتحولات مثيرة يمكن أن تشهدها المنطقة خلال العامين المقبلين وقبل انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن.

مخاوف كبيرة

ويحصل ذلك فيما لا يبدو أن الشارع المحلي يتقبل تلك التعديلات الدستورية أو حتى يفهمها، فقد تأسست وقفات احتجاج حراكية في عدة مناطق ومحافظات، ونظمت لقاءات قبلية الطابع تحت عناوين الإغراض السياسي على التعديلات الدستورية، وانضمت نخب كثيرة إلى أطر المعارضة والاعتراض على هذه التعديلات على أساس أنها تخل -كما قال الروابدة- بكل ممارسات الـ 100 سنة الأولى أو المئوية الأولى، حيث التوازن بين سلطة الشعب وسلطة مؤسسة العرش، فيما يرى مراقبون آخرون بأن المرحلة التي ستنتج عن انضمام مجلس الأمن القومي عبر سيطرته على مجمل الملفات العميقة والمهمة، وتمكنه من إدارة 60% من ميزانية الدولة المالية، على الأقل هي مرحلة تختلف عما قبلها.
المخاوف كبيرة في السياق، والتجربة لم تُخض في وقت سابق، لكنها مخاوف ينظر لها باعتبارها محطة واجبة العبور في تأسيس منظومة تحديث الدولة الجديدة وفي تطلع لولوج المستقبل بأقل خسائر ممكنة، وبالرغم من الاعتراض العارم أو الانفعالي أحياناً على تعديلات دستورية عرضت دون شروحات وأنجزت بصفة الاستعجال، وهي في رأي كثير من كبار السياسيين، لم تخضع للنقاشات التي كان ينبغي أن تخضع لها، خصوصاً أن هذه التعديلات يبدو أنها في طريقة للتسبب بإنتاج صداع سياسي وأمني جديد عنوانه المستجد هذه المرة هو تجدد الحراكات والبؤر الحراكية على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مسار؛ ففي مدينة السلط يبدو أن الأوضاع صعبة ومعقدة، خصوصاً مع إصرار فعاليات حراكية على تنظيم لقاءات أسبوعية في نصف المدينة للمرة الثالثة على التوالي، في الوقت الذي تعقد فيه اجتماعات في محافظة الكرك جنوبي البلاد، على أمل استئناف وقفات احتجاجية، كما زادت في الوقت نفسه أيضاً الأدبيات والنصوص وأشرطة الفيديو ذات الصلة باختراق الأسقف الحمراء أحياناً في توجيه رسائل معترضة أو اعتراضية أو محتجة، بعضها مطلبي وبعضها سياسي بامتياز في كثير من المفاصل.
حجم تأثير التعديلات الدستورية الجديدة على الإيقاع الحراكي المحلي لا يمكن إنكاره، ومن الصعب تجاهله، لكن الانتظار والترقب لتفاصيل الإجراءات وكيفية إدارة مجلس الأمن القومي الجديد لأفكاره ولآليات العمل سيكون له دور أساسي في الحد من الحراكات ووقفات الاحتجاج أو تغذيتها وتسمينها مجدداً وسط ظروف صعبة إقليمياً، وبالتأكيد فيها الكثير من الاحتقان اجتماعياً واقتصادياً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى