اراء و مقالات

عندما «ينصح» الظل الأمريكي: الأردن وضرورة التفكير فيما بعد «الابتهاج» بدلال واشنطن

عمان – «القدس العربي»: كيف يفكر صانع القرار الأردني؟
سؤال بحجم تحول مرحلي كبير في المربع السياسي المحلي أيضاً وليس فقط في المربع الإقليمي أو الجيوسياسي. طبعاً الإجابة المباشرة غير متاحة الآن، لكن الساحة الأردنية مليئة بالحراكات والمبادرات التي ترافقها التساؤلات بنفس الوقت، وسط سؤال مركزي يخجل كثيرون من طرحه على السلطة بصورة مباشرة، لكنهم يطرحونه في كل المجالسات: ما الذي يعنيه وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في الأرض الأردنية تحت غطاء التحول الاستراتيجي في العلاقات وتلك التفاهمات التي أعلن بعضها وأخفي البعض الآخر مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
لا مجال لإنكار اهتمام الإدارة الأمريكية الحالية بالأردن، ولا مجال لإنكار حقيقة أن ذلك الاهتمام ورقة إستراتيجية اليوم ينبغي العمل على استثمارها وتوظيفها بأفضل صورة، فالناشط الأمريكي الفلسطيني المعروف والمتابع للتفاصيل الدكتور سنان شقديح، يجدد وعبر «القدس العربي» لفت نظر دوائر صناعة القرار في الأردن إلى أن المسألة لا تتعلق بتقارب أو تفاهم سياسي فقط، بل بتوفر فرصة حقيقية للاستثمار في الواقع الهندسي الجديد للعلاقات مع الأمريكيين.
يلفت شقديح النظر إلى أن المالي والاقتصادي بالعادة يلحق بالسياسي عند وجود أهمية استراتيجية للجغرافيا الأردنية في ذهن مؤسسات واشنطن، مطالباً بنظرة أكثر عمقاً بهدف الاستفادة وتعزيز المصالح وضمن معادلة وطنية فلسطينية تقول بأن الأردن المرتاح أكثر سياسياً وأمنياً واقتصادياً يقدم إسناداً بصورة أفضل ومنتجة أكثر للشعب الفلسطيني.
في المسألة الاقتصادية والمالية برزت، بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها لواشنطن الملك عبد الله الثاني، إشارات مهمة من بعض مهندسي الظل في الإدارة الأمريكية؛ فقد تضمنت تلك الزيارة إشارات ورسائل مريحة للأردنيين، لكن ذلك لا يمنعهم من العمل وبجدية على بعض الملفات، لأن المطلوب ليس بسيطاً وليس سهلاً إذا ما أرادت عمان الاستثمار حقاً في المعطيات الأمريكية المنفتحة الجديدة تجاهه.
تلك إشارات يمكن القول إنها مهمة أيضاً، فالاحتفاء السياسي والابتهاج الإعلامي بنتائج الزيارة الملموسة العلنية ينبغي – حسب مصادر أمريكية – أن لا يضلل مؤسسة خبيرة مثل المؤسسة الأردنية كثيراً.
وتلك الابتهاجات الناتجة عن دلال وتدليك سياسي عموماً، لا تعفي الأردنيين من العمل الحقيقي على ملفات محددة في المرحلة اللاحقة وتحت عنوان تطوير قواعد الاشتباك والأداء ضمن تقدير قديم سمعته «القدس العربي» عدة مرات من خبير بوزن الدكتور مروان المعشر، اعتبر أن الصدقات والتحالفات مع الدول الكبرى منتج ومنجز لا يمكن إنكاره، لكنه يتطلب طوال الوقت إدارة تنفيذية للتفاصيل منطلقة من اعتبارات وطنية ووصفات مسؤولة تساعد في اقتطاف ثمرات، لأن الدولي أو الأمريكي أو غيرهما ليس معنياً بتغطية أي نقص لمعالجة مشكلات مع دول حليفة.
تبدو وجهة نظر متزنة أكثر عندما يتعلق الأمر بضورة التقييم والإجابة على السؤال الأساسي بعنوان «كيفية تفكير صانع القرار الأردني مرحلياً».
وهنا مجدداً تتقاطع الملاحظات العقلانية لعدة شخصيات أردنية خبيرة مع تلك الإشارات التي ترد من مهندسي الظل الأمريكيين بعنوان ضرورة الانتباه إلى أن المطلوب كبير من الأردنيين، وإلى أن كرنفالية الابتهاج بالاختراقات التي تحققت في واشنطن مؤخراً ليست في كل الأحوال بديلاً عن برامج عمل عميقة ومهمة تتطلب الكثير من الجهد في الأسابيع والأشهر المقبلة.
عملياً، وفرت إدارة الرئيس جو بايدن لعمان مظلتين:
الأولى هي الدعم والإسناد السياسي عموماً مع إرسال إشارات تضمن دعم المستقبل الدستوري للمؤسسة الأردنية.
والثانية هي توقيع القرارات الرسمية المتعلقة بتخصيص سقف المساعدات المالية السابق، وهو مليار و600 مليون دولار، وبدون نقصان، لكن دون زيادة أيضاً، الأمر الذي ينبغي أن ينتبه له بالتأكيد وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس، الذي عمل بجهد على الملف قبل أن تنتبه له مؤسسات القرار الاستشارية على أساس القراءة في الممحي والمخفي.
والعسعس برفقة وزير التخطيط، سيعملان قريباً على محاولة «استكشاف» ما يمكن التقاطه من برامج تمويل مشاريع أمريكية متاحة خارج المساعدات المعتادة.
ضمنياً، يعني ذلك أن ما يرد من ظلال واشنطن اليوم، يحاول لفت نظر الأردنيين إلى أهمية العمل وبذل الجهد وإصلاح الأمور في ملفاتهم الداخلية بعد انتهاء موسم الابتهاج.
وتلك تلغيزات في الرسائل إنكارها قد يقود إلى العودة مجدداً إلى معلبات الأداء السلبي الكلاسيكية والرجوع تزامناً إلى حالة تخفق أدواتياً وتنفيذياً في استثمار اللحظة والسياق، فالعديد من الخطوات والبرامج المطلوبة من حكومة الأردن لا بديل عن القيام بها وتنفيذها ضمن سياقات الوصفات الوطنية الذاتية.
والعديد من الملفات لا بديل عن حسمها بعيداً عن الدولي والأمريكي حتى يصبح للاستثمار في الوضع الجيوسياسي الجديد بعد الاختراق الملكي المؤثر والمهم منتج أو مفيد بالحد الأدنى.
مجدداً، يقترح الأمريكيون صيغة بسيطة قوامها «حسناً، نحن معكم ونساندكم.. ابتهجوا وارفعوا سقف التوقعات، لكن تذكروا أن المهام المطلوبة منكم كثيرة وكبيرة، وحاولوا الانصراف للعمل».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى