اراء و مقالاتمقالات وآراء

طريقة نواب الأردن في الإعلان عن “ولادتهم”: عودة لما قبل الدولة وجدل “مكونات”

 لا يمكن القول إنها عبارات برلمانية “شاردة” فقط، لأن التعامل مع هوس المايكروفون خلال أول غزوات أعضاء البرلمان الأردني الجديد في مواجهة الحكومة على هامش نقاشات الثقة والميزانية المالية يعني أن الفرصة كانت مبرمجة وأن أعضاء البرلمان جميعا حصلوا على وقت كاف لإدارة مواجهتهم والإعلان عن ولادتهم بالطريقة التي يرونها مناسبة.
حصل ذلك عدة مرات وسط شعور عام خلال الأسبوع الماضي بأن أعضاء البرلمان الأردني الجديد تقصدوا في بعض التفاصيل الإعلان عن ولادتهم أمام الرأي العام بعد اختيار طريق الإثارة والضجيج.
ما لا يعرفه النواب بالمقابل ان إثارة الضجيج لها كلفة وبعض الأثمان ينبغي ان تدفع بين الحين والآخر لمواجهة الاستحقاقات والتداعيات.
ويمكن هنا تسجيل العبارة المثيرة التي أطلقها النائب زيد العتوم وقد تم تسويق الفكرة المسبقة عن الأداء والحراك عند هذا النائب تحديدا على ان هذا النائب أقرب للتعبير عن التيارات المدنية.
لكن هذا التعبير سقط تماما في الاختبار عندما عبر النائب زيد العتوم عن ولادة نفسه كنائب بتجربة مثيرة جدا وعلى أساس تقسيم الشرائح الاجتماعية والمكونات في المجتمع الأردني بالطريقة التي يراها هو مناسبة.
هنا وفي حالة النائب العتوم برزت المفارقة الصاخبة، فقد قرر الرجل مخاطبة الرأي العام بالاشارة إلى حالة تقسيمية في مكونات المجتمع معتبرا ان الأردنيين “الشوام والشركس وغيرهم” استقبلوا في مدينته جرش بإعتبارهم “لاجئين”.
بالتأكيد واستنادا إلى ما يراه مراقب سياسي ثقيل الوزن مثل المهندس مروان الفاعوري فإن القصد من إثارة الصخب في مثل هذه العبارات هو الظهور ولو على حساب القيم النبيلة المستقرة في المجتمع الأردني حيث أن الأردنيين بموجب الدستور كما يؤكد الفاعوري سواء، وان الغرق في التعبير والوصف على أساس قيمة وحدة المجتمع الأردني أقرب إلى مغامرة ينبغي ان تكون محسوبة من قبل مجلس النواب.
ومن هنا يدفع مثل هذا المشهد لإختبار ما كان قد قاله لـ”القدس العربي” رئيس المجلس العودات عن التركيز على السلوك الفردي للنواب بما يحافظ على هيبة المجلس وسمعة أداء النواب على أساس العمل المؤسسي.
لا أحد يعرف كيف يمكن تفعيل أداء أنظمة السلوك والسيطرة على ايقاعات النواب بصفة فردية خصوصا ان التجربة الكتلوية ما زالت حديثة الولادة ولم تنضح بصورة طبيعية حتى الآن.
ولم تكن عبارة النائب العتوم هي الوحيدة المثيرة لكل أنماط المفارقات. فقد تسبب النائب صاحب الميول الإسلامية عمر العياصر بإثارة جدل أعمق قليلا عندما خاطب رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة قائلا إن الحكومة إذا أخفقت في مواجهة الفاسدين عليها ان تسلم هذا الملف للجيش والدولة.
تصريح العياصرة هنا كان يفترض ان يرتدي زي العمق السياسي والوطني لكن الهدف منه على الأرجح إثبات واقعة الحضور والولادة لشخصية برلمانية يمكنها ان تستفز الحكومة وتتحدث بعمق في الأشياء والملفات.
هنا أيضا حتى بعض الخبراء في التيار الإسلامي استمعت اليهم “القدس العربي” وهم يعترضون على تلك العبارة بتوقيع العياصرة وهو إعلامي سابق وعميق إلى حد كبير أدار وشارك في عشرات لا بل مئات الحوارات الإعلامية والسياسية بين مختلف الفرقاء.
ووجهة النظر التي تناولت بالتشريح مثل هذه الدعوة حاولت التركيز على أنها جملة مجازفة وليست تكتيكية وتعود بالأردن إلى حالة “ما قبل الدولة”. لأن العياصرة كان يستطيع وبكل بساطة العمل تحت قبة البرلمان على تشكيل لجنة شعبية برلمانية رقابية تتولى على نفسها مراجعة ملفات الفساد باسم التمثيل الشعبي بدلا من إغراق الجميع بتعليق مثير وصاخب يخرج بخطط مكافحة الفساد عن السكة الدستورية المرسومة عمليا.
وفي الواقع مال النواب خصوصا الجدد للإعلان عن ولادتهم بطريقة مثيرة في بعض الأحيان ومنتجة للتساؤلات.
وهنا يمكن تسجيل الواقعة التي كان نجمها النائب الشيخ نواش القواقزة الذي اصطادته كاميرات الصحافيين وهو يكتب خطابا باليد لوزير المالية الدكتور محمد العسعس يتحدث فيها عن ضرورة تعيين ولده موظفا في دائرة الجمارك في إطار النقاشات التي تسبق التصويت على الثقة بالحكومة. لاحقا حجم الأضواء على القواقزة دفعه للتراجع.
هذه المشاهد مجتمعة وغيرها خلال مناقشات الثقة وبعد اليوم الثالث لهذه المناقشات قبل التصويت المتوقع يوم الاثنين المقبل على الأرجح، تشكل حلقة جديدة تعيد إنتاج السؤال القديم بعنوان الأداء الفردي تحت قبة البرلمان.
وكلفة هذا الأداء خصوصا بعد انتخابات خضعت للهندسة وعملية توزيع للجان وللمناصب الأساسية في المكتب الدائم لمجلس النواب خضعت أيضا لهندسة موازية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى