اراء و مقالات

«إتش تو أو… إسرائيل نو»… برلمان الأردن عشية جلسة «مفخخة ومؤجلة»: التطبيع والإمارات خيار حكومة أم «دولة»؟

عمان- «القدس العربي»: لا يمكن تحديد الشكل الذي ستنتهي إليه جلسة تأزيمية مؤجلة لمجلس النواب الأردني صباح الأربعاء، وعنوانها العريض الحرص البرلماني الجماعي على تسجيل موقف في الاتجاه المعاكس لأي تطبيع جديد مع الإسرائيليين. وتعثرت الأسبوع الماضي جلسة مناقشة عامة متوترة لما سمي بخطاب النوايا الجديد الذي تم توقيعه في دبي لتبادل خدمات الكهرباء والمياه مع الإسرائيليين برعاية إماراتية.
رئيس المجلس آنذاك عبد الكريم الدغمي، قرر تأجيل الجلسة بسبب تهريب نصابها من قبل نواب غاضبين وبعدما وضع القطب البرلماني صالح العرموطي المجلس برمته أمام خيارين، انسحابه والنواب أو مغادرة وزير المياه الذي وقع الاتفاقية من تحت القبة. وهو خيار قاومه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة في إطار المسؤولية التضامنية الجماعية للفريق، لكن الوزير غادر لاحقاً قبل أن تبدأ مفاوضات مع الحكومة تحت عنوان كيفية التعاون مع جلسة مناقشة عامة مؤجلة. في جلسة بعد غدٍ الأربعاء المؤجلة كل الاحتمالات متوازية ومتساوية، وأغلب التقدير مبكراً أن وزير المياه ينبغي أن يحضر حتى يشرح ما حصل مع الفريق القانوني في الحكومة.

خياران

أمام النواب خياران لا ثالث لهما، مرتبطان على نحو أو آخر بموقف الدولة هذه المرة وليس الحكومة من مسارات النقاش، فخطاب النوايا الموقع يختبر بصورة خاصة تلك المظلة التي يمكن أن تتمتع بها إستراتيجية كاملة من منظومة العلاقة مع الراعي الإماراتي، وليس سراً أن تلك المنظومة لها حلفاء وأصدقاء مخلصون في الطبقة السياسية الأردنية. وليس سراً، في المقابل، أن أجهزة القرار في الصف الرسمي وخلافاً للعادة لا تبدو في حالة توافق تحت عنوان الدفاع عن اتفاقية النوايا وتمريرها، الأمر الذي ينعكس بوضوح عبر الحالة الانفعالية لنواب البرلمان.
لهذا، إذا ما توافقت مراكز القرار لاحقاً، يفترض النواب ومعهم الإعلاميون والسياسيون المراقبون بأن جلسة الأربعاء ستمضي بضجيج أقل وبدون هتافات وشعارات، وبواسطة آلية محددة إذا ما سمح النواب بذلك وخفت حدة مواقفهم. والآلية النظامية المعتادة يعرفها الجميع، وتشير إلى أن النواب يستطيعون التحدث بما يريدون في جلسة نقاش عام، والحكومة من حقها توضيح الملابسات والتفاصيل، ثم يصوت المجلس على تحويل ملف اتفاقية النوايا إلى اللجنة المختصة لإبداء الرأي.
تلك قناة معتادة لإدارة الأمر. لكن، وبرأي النائب العرموطي، وكما فهمت منه «القدس العربي» مجدداً، فإن موقف واتجاه مجلس النواب واضح في ملفي العدو والتطبيع، من الصعب تجاوزه أو الالتفاف عليه. ويوافق العرموطي على الرأي القائل بأن نواب الشعب الأردني قالوا كلمتهم في مسألة تلك الاتفاقية، ويفترض أن يظهر ذلك في جلسة الأربعاء أيضاً، وعلى أساس القناعة بأن تساهلات المجلس ونقاشاته مع الحكومة لا تشمل التطبيع وإسرائيل، فذلك خط أحمر.
ويتفق غالبية النواب مع رأي العرموطي بدلالة انسحابهم معه الأسبوع الماضي، لكن صمود هذه الأغلبية في موقفها مسألة تحتاج للتوثق بعد غد الأربعاء. والعنوان الذي يفاوض عليه الآن رئيس المجلس عبد الكريم الدغمي مع الحكومة وغيرها، هو التمكن من عقد جلسة نقاش عام، ملتزمة بالنظام الداخلي وعبر القنوات المألوفة دستورياً، فيما لا يرغب النواب أو عدد منهم بذلك؛ لأن إظهار موقف خشن ضد التطبيع وإسرائيل قد يكون سبيلهم الوحيد، ليس لممارسة قناعاتهم فقط، ولكن لاستعادة ولو قدر من زمام المبادرة والسيطرة أكثر على الميكرفون السياسي؛ بمعنى تجنب شبهة ولعنة الموافقة بأي صيغة على سلوك تطبيعي في مرحلة حرجة اقتصادياً ومعيشياً وسياسياً. وفي مواجهة المسألة الوحيدة التي يجمع عليها الأردنيون في الشارع فهم بجميع مكوناتهم، كما شرح النائب خليل عطية أمام «القدس العربي» في صف واحد وموحد عنوانه الأعرض العدو وتجنب مزالق التطبيع في عهد «الإبراهيميات» المقلق.
لذلك، الاحتمالات متساوية الآن، وهي رهن بقدرة رئيسي مجلسي النواب والوزراء الخصاونة والدغمي، على تهدئة الأمور قليلاً، والتمكن من عقد جلسة اجتماع نظامية بلا ضجيج أو تخلو من المزايدات، وهو أمر يبدو صعباً جداً وسط نمو الشعار الذي رفعه النائب العرموطي باسم عدم الجلوس مع المطبعين تحت القبة، وأيضاً وسط ذلك الشعار الذي طرحه في المقابل رئيس لجنة فلسطين في برلمان الأردن النائب محمد الظهراوي، والذي أبلغ الإعلام بعد الجلسة المشار إليها الأسبوع الماضي بعبارة مترجمة «اتش تو او.. إسرائيل نو» واصفاً إسرائيل ومن يرعاها بأنهم قتلة الأطفال ومن يخونون العهود، ومصراً على عدم مرور التطبيع.
جلسة الأربعاء بهذا المعنى مفخخة سياسياً، وتغذي الإشكالات في جبهة حكومة تصبح هشة أكثر سياسياً وسط تعقيدات الواقع الموضوعي، والاختبار الأساسي مجدداً رهن بموقف جهات القرار المؤثرة الأخرى خارج الحكومة والبرلمان تجاه ليس مسألة التطبيع فقط، ولكن أيضاً من زاوية تحميل الحكومة الحالية مسؤولية الأخطاء التي ارتكبت وغياب الشفافية وترك طاقم الوزارة يواجه وحيداً مشكلته مع مجلس نيابي منفعل.
باختصار وبالخلاصة الكثير من المعطيات على المحك في جلسة نقاش برلمانية تختلف عن الجلسات المماثلة وإذا ما نجح مجهود التهدئة بمعنى انعقاد جلسة نظامية تنتهي بالغرق في توصيات اللجان غير الملزمة للحكومة تكون مراكز القرار في الدولة قد تحركت خلف الستارة والكواليس ولو متأخرة في الدفاع عن اتفاقية النوايا باعتبارها خيار دولة وليس حكومة. إذا ما حصل ذلك ستختفي الخشونة من مواقف تيار الاغلبية البرلمانية. لكن إذا ما حصل العكس تكون مراكز القرار السياسي بصدد فتح الباب أمام سيناريو يرجح تلك الاتفاقية او مقترح بأن فاتورتها الشعبية مرتفعة وأكثر من مكاسبها. الأمور ستصبح أوضح ظهيرة الاربعاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى