اراء و مقالات

«لو بدها تمطر غيمت»… لماذا أثارت هذه العبارة ضجيجاً عشية «مسارات الإصلاح الثلاثي» في الأردن؟

عمان – «القدس العربي» : وجدت عبارة دارجة باللهجة العامية يرددها بين الحين والآخر السياسي الأردني والبرلماني الدكتور ممدوح العبادي من يناقشها ويلاعبها، لا بل من يسيسها أيضاً من أبناء الطبقة السياسية وكبار المعلقين والمشتبكين مع التفاصيل. والعبارة التي يرددها العبادي تلك التي تقول «لو بدها تشتي (تمطر).. غيمت».
والمقصود هنا أن المطر لا ينزل دون أثر لوجود الغيوم، وبهذا يوحي بأن عملية الإصلاح الشاملة اليوم في طريقها لتسجيل أهداف حقيقية، وإن كان بنسبة 20% على الأقل، كما يقدر حتى رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي، وهو يدعو الأردنيين للتفاؤل بالمستقبل والانتقال إلى مستوى الاشتباك الإيجابي، متحدثاً عن عملية إصلاح سياسية متدرجة قد ينجز منها العام المقبل ما نسبته 20%. لكن ما هو نوع المطر الذي يتحدث عنه العبادي حتى يؤمن بأن عملية إصلاحية جذرية انطلقت؟
العبادي من أكثر السياسيين الأردنيين اشتباكاً مع مجمل ملفات الإصلاح الشامل الآن، حيث انتهت للتو لجنة معنية بالإصلاح الإداري من إعداد وثيقتها، وقبل ذلك انتهت هيئة عريضة جداً من وضع وثيقة التمكين الاقتصادي الطموحة، وقبل الوثيقتين برزت وثيقة تحديث المنظومة السياسية التي يقال إنها ستنتهي بتجربة جديدة في مجال التعددية الحزبية.
قال العبادي أمام «القدس العربي» عدة مرات بوضوح، إن الأجواء العامة لا تبدو مقنعة في هذه المجالات، وإن المسارات الإصلاحية والإشارات لو كانت جدية لوجد نفسه، برأيه، أول المتحمسين لتشكيل حزب جديد والمشاركة في العملية، مشيراً إلى أن الجانب الإجرائي تغيب، ومن وضعوا وثيقة الإصلاح الإداري صلاتهم ضعيفة بالقطاع العام.
قبل ذلك، قال خبير مثل الدكتور محمد الحلايقة، بأن مشكلة تحديث المنظومة السياسية الرئيسية كانت غياب الحاضنة الاجتماعية للمشروع الإصلاحي الجديد على أهميته.
«ليست سوداوية ولا سلبية»، يشرح العبادي، لكن الحديث هنا عن حزمة من الإجراءات كان ينبغي أن تتخذ لممارسة اللعب بناء على قواعد اشتباك صحيحة، برأيه وتقديره، مكرراً ملاحظته عن إعلان أربعة مرشحين لموقع نائب أمين عمان، ترشيح أنفسهم له شخصياً ولغيره، لكن عند التصويت لم يرفع أي منهم يده للترشح رسمياً. ومن هنا قفزت تلك النقاشات التي تحاول تأطير إجابة مفترضة على نوعية الشتاء التي يفترضها لاعب سياسي من وزن العبادي حتى يرى الجميع الغيوم.

«جرعات الشكوك»

والمعنى هنا التشكيك ضمناً بعدم وجود نوايا إصلاح حقيقية حتى بتشخيص وزير الثقافة والشباب الأسبق الدكتور محمد أبو رمان، الذي كتب عدة مرات عن التشكيك والمشككين، ثم حاول مناقشة مقولة «المطر والغيوم».
الطبقة السياسية، حسب أبو رمان، فيها ما يكفي من جرعات الشكوك، وبالتالي قبل الوصول إلى الناس والشارع والرأي العام، وهذه الشكوك تشمل شخصية من وزن وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر.
وتتقاطع مثل هذه الآراء التشكيكية في المسيرة التي تجري حالياً حتى عند الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، الذي يرى بأن مقاربة الإصلاح متطلب أساسي للدولة نفسها اليوم ولمؤسساتها، وليس فقط للمعارضة الحزبية أو السياسية التي قالت كلمتها عدة مرات وبعدة لغات.
لكن ما لم يقله الشيخ العضايلة ورفاقه بعدُ هو تأطير فكرة هذه الشكوك وغياب اليقين بالإصلاح قياساً بتصرفات السلطة في الواقع الموضوعي.
ما هي الدلالات التي يقترحها المشككون هنا لكي تبرز تلك الغيوم التي ينشدها العبادي وتطل على الأردنيين جميعاً؟
في عملية اشتباك القصر الملكي، خاطب النخب السياسية طوال الوقت ودعاها في فقرة مهمة قبل أسابيع إلى ترك الصالونات السياسية والانضمام إلى العملية الحزبية على أساس أنها عملية مضمونة، أو على حد تعبير الدكتور أبو رمان، هي عبارة عن «تذكرة باتجاه واحد وبلا عودة» في إطار السعي لتشخيص مستوى وحجم الإرادة السياسية التي ترافق إطلاق التــجربة الحــزبية.
حصل ذلك طبعاً بعد ما وضعت قيود تخص تدخل عمادات شؤون الطلبة بالنسبة للنشاطات الحزبية داخل حرم الجامعات في البلاد، وهو ما دفع حزب جبهة العمل الإسلامي لإصدار بيان حول هذا الموضوع، لكن مجدداً يطرح الجميع السؤال: ما هي الضمانات اتي يطلبها من السلطة والدولة المشككون بمسارات تحديث التنمية المنظومة السياسية والتمكين الاقتصادي؟
يجول هذا السؤال والاستفسار هنا وهناك وبطريقة دراماتيكية ودرامية في بعض الأحيان، لكن لا إجابة واضحة ولا أحد من المشككين أو المطالبين بتعزيز اليقين يضع وصفة محددة بين يدي مؤسسات صنع القرار.
ويخشى النائب خير أبو صعليك، الذي شارك بكفاءة وبحضور كبير في اجتماعات التمكين الاقتصادي ومشاوراته، من أن الإصرار على التشكيك سيصبح بالضرورة جزءاً حيوياً وأساسياً من المشكلة، خلافاً لأنه يؤطر وجهة نظر عدمية لا تقود إلى موقع محدد. وهو رأي يساند فيه هذا التصور عضو مجلس الأعيان خالد البكار.

«إجراءات قبل التوصيات»

لكن الإجراءات كان ينبغي أن تسبق التوصيات، في رأي عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية الدكتور عامر السبايلة، الذي اقترح اتخاذ قرارات وإقرار إجراءات على الأرض تستقطب تلك الحاضنة الاقتصادية أصلاً التي يتحدث عنها الدكتور الحلايقة.
وبالتالي، الضمانات المطلوبة قد تتعلق بقرارات وإجراءات ترفع من منسوب اليقين بأن الحريات العامة وحريات التعبير بدأت تحترم من قبل المؤسسات الرسمية، وهو أمر لم يحصل، والانطباع كبير بأن مناخ الحريات سالب حتى الآن، وبأن الاعتقالات السياسية مستمرة بين الحين والآخر، وبأن الحكومة وهي مزودة بوثائق مرجعية في غاية الأهمية لم تقدم بعد سياقاً تنفيذياً لتوصيات تلك الوثائق، والانطباع العام يقول بأن الأزمة لا تزال معلقة مع أكبر تيار سياسي وحزبي في البلاد ممثلاً بحزب جبهة العمل الإسلامي والحركة الإسلامية.
وأجواء المصالحة الوطنية مطلوبة خلافاً لأن حزمة تلك الضمانات قد تتضمن حلولاً سياسية لأزمات تؤثر سلباً على اليقين الوطني العام عند الأردنيين، ومنها أزمة الحريات والاعتقالات، والأهم أزمة نقابة المعلمين، وبالتالي قد يكون المطلوب إجراءات على الأرض تحدث فارقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى