اراء و مقالات

الأردن: «مستشفى» لتركيا و«كسر جليد» النظام السوري… وملف «الأبنية القديمة» قريباً

عمان – «القدس العربي»: يظهر الأردن جملة سياسية ودبلوماسية متحررة بنسبة كبيرة من القيود الكلاسيكية وهو يتفاعل لوجستياً وإنسانياً مع الزلزال الذي ضرب بقسوة في تركيا وسوريا، فيما كان الامتداد الطبيعي للصدع الزلزالي بمثابة جرس الإنذار الذي يشغل الأردنيين حالياً بسلوك غير معتاد لديهم بعنوان الجاهزية للزلازل تحديداً. بكل حال، ظهر اسم الأردن وفلسطين ولبنان في كثير من التقييمات العلمية الأجنبية، وتحديداً الغربية.
لكن ذلك لم يقلص من تعاطف الأردنيين الحاد جداً والإنساني للغاية مع الشعبين السوري والتركي، وإن كان لم يتسبب أيضاً بأي حالة اضطراب أو رعب وسط الأردنيين الذين لم يسبق لهم أن اختبروا زلزالاً بدرجة كبيرة بالرغم من كل الشائعات.
وتكاثرت بطبيعة الحال تطمينات خبراء الجيولوجيا والزلازل المحليين بعنوان عدم وجود قرائن خارج الحسابات الطبيعية على كوارث محتملة في الطريق. لكن تداعيات الزلزال المشار إليه والذي صنف باسم كارثة العصر، أصابت الأردنيين عموماً بمخاوف لا يستهان بها، وقد تؤدي بعد امتصاص الصدمة واليقظة من الحالة العاطفية إلى فتح ملف شائك سبق أن فتح بخجل ويشكل تحدياً كبيراً بعنوان تقنيات بناء العمارات القديمة وأخطارها بعد حادثة عمارة اللويبدة الشهيرة.
المختص الأردني في السياق عبد الله غوشة، كان قد دعا مبكراً عبر “القدس العربي” وفي عدة منابر، إلى تفحص الحالة الفنية والإنشائية للمباني القديمة في مدينتي عمان والزرقاء. وأغلب التقدير أن السلطات التي تجاهلت دعوة منهجية وعلمية لغوشة في الماضي ستجد نفسها مضطرة للنقاش في هذا الملف والمحور.
وهو أمر تضغط تداعيات الزلزال التركي السوري باتجاهه بقوة الآن، وقد يصبح ملحّاً على صعيد المدن المكتظة على الأقل أو التجمعات القريبة والمتصلة جيولوجياً بما يسمى بصدع الأناضول، الذي يمكنه التحول في السياق الدبلوماسي الآن إلى عملية “رتق” تعيد إنتاج العلاقات.
على أي حال، الزلازل بتفصيلاتها الواسعة أصبحت فجأة مثار اهتمام الأردنيين وفي كل نطاقاتهم الاجتماعية والمهنية والسياسية، ولا تكشف الحكومة عن أي خطة للتفحص أو رسالة محددة موجهة للرأي العام في هذا السياق، مع أن التدريب على التفاعل مع أي كوارث، بما في ذلك زلزال، ما كان طوال الوقت على جدول أعمال مركز الأزمات الوطني أو المؤسسات السيادية.
الأغلب وبعد انتقال الصدمة إلى مستويات الإنقاذ في تركيا وسوريا، أن نخب عمان مطالبة بالانشغال سياسياً وبيروقراطياً بالاحتياطات والاحترازات بعد الآن، وأن السلطات وتحديداً الحكومية ستجد نفسها مضطرة لفتح ملف الأبنية القديمة. طبعاً ذلك بدون وجود أخطار محدقة بكل حال.
لكن في المسار السياسي للتعاطي مع المسألة وتداعياتها تكثيف شديد في الجرعة التي تظهر قدرات الأردن الذاتية وأولوياته في مساعدة الدول الصديقة الأخرى بعيداً عن كل الجدل الدولي حول ما هو مسموح وما هو غير مسموح، وبصرف النظر أيضاً عن مستوى وحجم العلاقات السياسية مع الدولتين المتضررتين أو حتى عن منسوب الحساسية وتراث الماضي في العلاقات.
هنا حصراً لاحظ الجميع أن توجيهات الملك عبد الله الثاني الشخصية كانت مهتمة بتوجيه رسائل صداقة والرغبة في المساعدة وفقاً للإمكانات، فخبرة الأردن العميقة في مجال إنشاء المستشفيات الميدانية تحديداً وفي مناطق النزاع والحروب والكوارث، وضعت بين يدي إحدى المناطق المنكوبة في تركيا وتوجهت أربع طائرات شحن عسكرية لإقامة أول مستشفى ميداني أردني برعاية الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة، حيث طاقم من الأطباء والجراحين والممرضين برفقة معدات طوارئ وغرفة جراحة مصغرة في خدمة الإنقاذ التركي.
وقبل ذلك، كسر النمط بغطاء سياسي وملكي أيضاً في التواصل مع النظام السوري الجار؛ فقد أرسل الأردن قوافل وفرق إنقاذ ومساعدات حصرياً للمدن التابعة للنظام السوري بالرغم من جفاء العلاقات السياسية والدبلوماسية.
واحتاج الأردن سياسياً بذاته هنا إلى كسر النمط في رسالة ضمنية يقول فيها بأنه لن ينتظر الإذن من أحد عندما يتعلق الأمر بمساعدة إنسانية في دول الجوار، وعندما قام ضمناً بتسيير قافلات إلى الأراضي السورية والسماح بجمع تبرعات، وقال بأن تلك الحدود التي تفرضها نصوص قانون قيصر الأمريكي وأعاقت جهد مساعدة الشمال السوري وتسببت في تعقيدات المعابر التركية سيتم تجاوزها وتجاهلها عندما يتعلق الأمر بالمعابر الأردنية مع سوريا.
كانت تلك بامتياز رسائل سياسية. والانطباع وسط نخب عمان أن الأردن مستعد لإيصال مساعدات إلى الشمال السوري متى أتيح له ذلك، وقد وصلت فعلاً بعض المساعدات لكن من جهات أهلية أردنية.
تلك دلالات من الصعب إسقاطها من الحساب السياسي، فالمستشفى الميداني العسكري الأردني في ضواحي مدينة تركية منكوبة سيبقى أسابيع أو أشهراً، وذلك يعني أن العلاقات مع تركيا يمكنها أن تقرأ من زوايا جديدة بعد الآن وضمن اعتبارات لا علاقة بسجل التضامن مع الدولة التركية.
أما العلاقات مع النظام السوري فقد باتت تماماً مقروءة من زاوية مختلفة عنوانها كسر النمط ومعه الجليد أحياناً، إضافة إلى تجاوز إنساني لعقدة قانون قيصر الذي طالما شكل جرحاً نازفاً حتى للصادرات الأردنية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى