“وارسو” والتلقيح الصناعي… و”الفن المصري” عندما “يتسول” آل الشيخ
عبثا حاولت كاميرا “الجزيرة” ومعها كاميرات فرنسية ولبنانية في وارسو تطويع كيس منتفخ بالهواء، وهي تلاحق وزيري خارجية البحرين والسعودية إثر خروجهما بعد الصورة إياها مع بنيامين نتنياهو.
يسأل المراسلون، وهم في حالة “هرولة” عادل الجبير ونظيره البحريني خالد آل خليفه: هل صافحتما نتنياهو؟ هل التقيتماه؟!
الدبلوماسية السعودية “لزيزة” من حيث ردة الفعل، فالجبير اكتفى بحمل طرف العباءة الأيمن ونقله إلى الكتف الأيسر، دون التحدث ولو كلمة، فيما اندفع مرافقوه لحجب الكاميرا باليد، ذلك أقسى ما يفعله أمني سعودي في وارسو، حيث لا مجال هناك لإحراق جثث أو تقطيعها بمنشار.
أما الوزير البحريني فقد ارتدى طقما وليس دشداشة هذه المرة، مكتفيا بتلك “التكشيرة” الانفعالية، التي تقول للكاميرات: هذا لقاء لمواجهة إرهاب ايران!
التلقيح الصناعي
طبعا، أفلت من المطب شيخ الدبلوماسية العمانية يوسف بن علوي بعدما لجأ إلى”السرداب”، قبل اصطياده من كاميرا مع مراسل يتحدث معه بالعربية قائلا “معالي الوزير معاك الكناة 13… من إسرائيل”.
مجرم من حجم نتنياهو، لا يمكن إظهار الفرح بمقابلته، ويحتاج أي صاحب بقايا ضمير لسراديب ولصمت يليق بالقبور، بعد التقاط صور معه أشبه بـ”التلقيح الصناعي” الإجباري سياسيا، حيث بومبيو يحمل “تلك الحقن” الإسرائيلية ويجول فيها لتطعيم العضلات العربية وبهتاف: “إحمل حقنتك وإتبعني”.
تذكرت عضو البرلمان الأردني فواز الزعبي، عندما صرخ بأحد الوزراء في مقر رئاسة الحكومة قائلا: “حسنا… تريد الحكومة معاشرتنا… لا مانع، لكن اغلقوا الستائر قليلا يا جماعة الخير”.
صعب اغلاق الستائر هنا، فلقاء وارسو برمته من أجل كحل عيون إرهابي كوني بحجم نتنياهو يبتسم نكاية بكاميرا “سي أن أن”، وهو الى جانب مايك بومبيو، ويتحدث عن “لقاء لم يكن يتخيله أصلا”.
بصراحة، افتقدنا الأخ سامح شكري، ولم نرصد “زلمتنا” الزميل أيمن الصفدي.
قمح فاسد… أيضا!
مباشرة، بعد الحديث على الهواء الحي عن خلل في مستودعات وزارة الصناعة والتجارة تفتح محطة “المملكة” الفضائية ملف شحنة القمح الفاسد.
قبل ذلك تحدثت المحطة الجديدة عن مشكلات العلف ومشكلات الدقيق والخبز والدواء.
لاحظنا مستوى الدهاء في المسؤول عن الرقابة على الغذاء والدواء في الأردن الدكتور هايل عبيدات، وهو يخاطب مذيع “المملكة” بعد بث تحقيق استقصائي عن شحنة قمح قائلا: “لو كان لدي في مؤسستي 25 مليون دينار موازنة، كالرقم الذي تملكونه في محطتكم لنافست مؤسسة الرقابة الفدرالية.
عندما استوضح المذيع النشط خطب الدكتور عبيدات في مهنة الاستقصاء الصحافي وأصولها وتحدث عن اجتزاء الحقيقة.
مؤسسات رسمية تقول في تقارير حول بنزين يتسبب في مشكلات للسيارات، وقمح نسبة الرطوبة والعفن فيه أكبر مما ينبغي، وأطنان من الفستق الحلبي الفاسد والقهوة الملوثة والتبغ والسجائر المخلوطة بالجفت والتراب.
بصراحة نحترم الدكتور عبيدات.
لكن لو كنت مكان أي مسؤول في الحكومة الأردنية لأوقفت خطاب التبرير والتمرير لأن الغربال في ما يتعلق بالأغذية والأشربة الفاسدة لم يعد يمكنه تغطية شمسه.
قليل من التواضع هنا ينفع، فمحطة “المملكة” المحظية هي التي تقول وليس المعارضة أو الحراك.
تركي آل الشيخ والفن المصري
يثير المشهد مستودعا كاملا من الذكريات الحزينة… يقف مذيع التلفزيون عمرو أديب وأمام الكاميرا، برفقة الأب الروحي للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ على منصة، فيما الجمهور محصور فقط بشرائح من رموز الانتاج السينمائي والفني في مصر الشقيقة.
المشهد تبثه “أم بي سي مصر”، دون خجل أو وجل ينادي أديب على اسم الفنان فيحضر الأخير صاغرا أمام مسؤول الترفيه السعودي لتوقيع عقد عمل جديد لمدة سنة لصالح شبكة “أم بي سي”.
وصف المشهد بأنه قنبلة الموسم الفني وعدد الموقعين مع ماكينة الترفيه السعودية وصل الى مئة فنان ونجم مصري، بعضهم يرقص وبعضهم الآخر يغني والثالث يمثل أو ينتج تمثيلا.
تذكرت طابور السندويشات لطلاب الصف الأول الابتدائي في مدارس وكالة غوث اللاجئين قبل أكثر من 40 عاما.
تذكرت أيضا عندما شاهدت العرض وأنا أشعر بالخجل الشديد، طابور كوبونات الخبز في عهد الدكتور عبد الله النسور، حيث لا مكان لأي نبل عندما تخدش الكرامة.
لا يمكنني طبعا توجيه اللوم لمحمد حماقي أو لهاني شاكر أو لعمرو أديب أو غيرهم… كل اللوم على هذا الاستفزاز للمؤسسة المصرية، التي وضعت الفنان في ظرف صعب ومعقد يدفعه للجثو أمام ركبة موظف سعودي يوزع العطايا والهدايا على كبار النجوم، ويوقع عقود عمل غريبة تحت عنوان “ثورة الانفتاح في العهد السعودي الجديد”.
طبعا، وأيضا، لا يمكن لوم تقنيات الترفيه السعودية، فنحن مع تلك الصحوة الفنية المباغتة والمتسارعة، ونصفق لها، لكن السؤال هو: أين ذلك المصري، الذي يسمح بخدش عملاق الفن وكرامته على هذا النحو؟
الأهم: هل هذه صحوة فكرية وجدية وعميقة أصلا أم مجرد استعراض يخلط الدراما والموسيقى بدولار النفط؟!