اراء و مقالات

أحاديث «المطار» مع السوريين: «خلايا بشار» نامت للأبد… الأوضاع تغيرت والأردن «ينخرط»

عمان – «القدس العربي»: اختصر وزير الداخلية الأردني، مازن الفراية، مسافة كبيرة من الجدل بدلالته البيروقراطية، ثم اتجه فوراً وهو يناقش مواطنة سورية قادمة للأردن نحو السيادي في تطبيق التوجيه والرسالة عندما خاطب مجموعة من المسؤولين بمنح مواطنة سورية «موافقة شفوية» على دخول البلاد.
في الفيديو الذي ظهر لجولات الوزير الفراية في المعابر والمطار، وقفت سيدة سورية شابة بانفعال مع دموع وهي تتحدث مع وزير الداخلية. وقصتها باختصار، أنها حضرت لعمان من الخارج وحصلت على موافقة مسبقة وسمح لها بالعبور لزيارة بلدها المحرر.
لكن حضرت معها والدتها التي لم تحصل على موافقة مسبقة، وبقيت السيدة في حالة رجاء وهي تعرض الحالة أمام الوزير الفراية.
التفت الوزير إلى أحد الأمنيين حوله فخاطبه الثاني قائلاً: «والدة الأخت لم تحصل على الموافقة المسبقة». وبكل عفوية وببساطة وحزم أيضاً، أبلغ الوزير الطاقم حوله «أنا أوافق الآن»، ثم خاطب السيدة المنفعلة قائلاً: «مرحباً بك وبوالدتك.. وأهلاً وسهلاً».
هذا موقف إنساني، لكن دلالاته السياسية أعمق؛ لأن المستوى السيادي الذي يمثله الوزير يلتقط الإشارات العميقة في التعبير عن توجيه مرجعي واضح يوحي بأن الأحوال تغيرت في الملف السوري، وبأن القرار الملكي الأردني يدفع الحكومة باتجاه بذل كل جهد ممكن لمساعدة ومساندة الشعب السوري بعد تحرره وسقوط النظام السابق.
الأهم إدارياً، أن جولة وزير الداخلية المرصودة بالكاميرا مع مواطنين سوريين فرحين بالعودة عبر عمان إلى بلادهم، تحاول تجاوز التعقيدات البيروقراطية والنظامية.
وهو أمر لا يجيده إلا وزراء لديهم القدرة على اتخاذ القرار، لأن رصد وزير الداخلية في مشهد يرحب فيه بالعائدين السوريين إلى بلادهم عبر بلاده، يطبق قواعد التوجيه الملكي للوزراء بالعمل الميداني، فالوزير الشاب كان يعالج سيادياً وإدارياً في الميدان المعاملات العالقة للعائدين السوريين.
لا يلتقط كثيرون رسائل الدولة الأردنية الجديدة في الملف السوري، لكن حركة ثم تعليمات وقرارات الوزير الفراية تحاول الانسجام مع أعلى معايير ما يسميه السياسيون والباحثون الآن بالفرصة الحقيقية أمام الدولة الأردنية، ليس لمساندة الشعب السوري فقط، ولكن أيضاً لتحقيق مكاسب مرتفعة القيمة وبكل المساحات عبر الانخراط في الشراكة مع الجار السوري الجديد.
الأهم أن وزير الداخلية باعتباره الممثل المفصلي للمسار السيادي الأول الذي يواجهه إدارياً الزائر أو العائد السوري، يتفاعل بديناميكية مرنة مع التوجه والتوجيهات بقدر ما يمثل في سلوكه المتواضع وهو يقف مع عجوز سورية تجاوزت 80 عاماً، أو مع شاب سوري عائد من الدنمارك للترحيب بالأشقاء، الأمر الذي يعكس نهاية لكل ما كان يتردد في الأروقة الرسمية الأردنية عن التحفظات والقيود الشديدة المفروضة على السوريين حصراً، ليس فقط بسبب رقعة اللجوء السوري التي أرهقت الخزينة السورية، ولكن أيضاً بسبب طبيعة العلاقة التي بقيت عدائية مع النظام السوري السابق، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة.
طوال الوقت، يردد موظفون أردنيون مقولة بشار الأسد الشهيرة «درعا مشكلة أردنية».
ولأكثر من 13 عاماً، بقيت المنظمة البيروقراطية الأردنية حذرة جداً مما كانت تسميه بـ «خلايا نائمة للمخابرات السورية « التابعة للنظام السابق.
لكن بعد الحضن الدافئ الذي وفرته عمان لدوائر القرار الدفاعي والاستخباري في الحكم السوري الجديد، ما يبدو عليه الأمر هو أن تلك الخلايا نامت الآن وللأبد.
والعلاقة لم تعد عدائية برأي المحلل السياسي رامي العياصرة، بقدر ما أصبحت مفتوحة على استثمار مشترك مع الشعب السوري ومؤسساته من أجل المستقبل.
واضح أن وزير الداخلية الديناميكي والميداني مازن الفراية، قد يكون أول تعبير عن جوهر الروحية الأردنية المتجددة في ملف مساندة الشعب السوري.
والأوضح أن المسألة ليست وليدة المتغير والتحول الأخير في دمشق فقط، فـ «القدس العربي» استمعت مباشرة للوزير الفراية قبل أسابيع عندما كان يتحدث عن تسهيلات في الزيارة والقدوم لسوريين يرغبون بلقاء أحبتهم وأهلهم في عمان، حيث لا ضرر ولا ضرار ولا مشاكل تنتج عن ذلك.
والمعنى هنا أن وزارة الداخلية في عهد الفراية تظهر قدراً كبيراً من المرونة البيروقراطية في التعاطي مع ملف زيارة السوريين، الأمر الذي دفع الوزير للتجول شخصياً وسط السوريين العائدين عبر عمان إلى دمشق، والإصغاء لهم والترحيب بهم، لا بل مطالبة بعضهم علناً أثناء العودة إذا كانوا يرغبون في زيارة فقط بقضاء بعض الوقت في عمان مع كل الترحيب والاحترام.
ما فعله وزير داخلية الأردن خلال يومين مع زوار سوريين يريدون العبور فقط إلى وطنهم المحرر، يعكس تلك الاستدارة الأردنية العميقة نحو الملف السوري بعدما اكتشف القوم في بعض دوائر صناعة القرار أن التواجد في العمق السوري تحت عنوان الانفتاح والشراكة والتغلغل وسط المكونات السورية التي طالما تعذبت، هو الذي يوفر الحصانة ضد أي محاولات عبث مصدرها سوري بالأردن وأمنه ومصالحه.
ليس سراً أن وزير الداخلية الأردني الحيوي والنشط واحد من الذين يفكرون بهذه الطريقة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading