أرفع وفد أردني في زيارة مهمة إلى تركيا: «عفواً لا نرغب في أي صدام»
لسان حاله يقول «تعالوا نتفق ونتجنب الاحتكاك»
عمان ـ «القدس العربي»: وفد أردني رفيع المستوى يزور أنقره فجأة. ما هو المستجد الإقليمي التركي الأردني الذي يستدعي التحريك بزيارة «نوعية» هذه المرة تتجاوز وزير الخارجية أيمن الصفدي؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه إلا بالتأشير على «المستجد السوري» وتأثيراته الفاعلة في كل الاصطفافات الإقليمية بصيغة قد تدفع قسراً الجانبين التركي والأردني لتجاوز بعض «حساسيات الماضي» والتركيز على حصة مصالح مشتركة في الملف السوري قد يكون عنوانها الأبرز إظهار رغبة البلدين بمعادلة «عفواً لا نرغب بالاصطدام ويمكن تجنب الاحتكاك».
منطقياً، الاستكشاف والاستشعار هما عنوان المرحلة المفترض أردنياً ما دامت العملية التي تمت في سوريا «تركية» في المقام الأول، وأغلب التقــدير أن الرسالة الأردنية للمنظم التركي في سوريا هي تلك التي تقول إن لدى عمان الآن جاهزية للتنسيق لكنها لن تشــارك في أي حلقة عنوانها «مجاملة» تيارات دينية أصولية في سوريا تحتضنها تركيا.
«شكوك» في المؤسسة التركية
ثمة شكوك في أن المؤسسة التركية الطموحة مرحلياً والتي حققت عدة أهداف بسلال النظام الرسمي العربي ستتفهم «الاعتبارات الأردنية المصلحية» لكن ما تستطيع «القدس العربي» التوثق منه تماماً هو أن الرئيس رجب طيب أردوغان أظهر طوال العقد الماضي سعياً دؤوباً لـ «علاقات أفضل» مع الأردن، وبدأ قبل 3 أعوام بدعم «الوصاية» الأردنية في القدس المحتلة.
طبيعة وتركيبة الوفد الأردني الذي تقرر أن يزور تركيا في مهمة استكشافية عميقة لديها ارتباط مرجح بسلسلة ملفات، لكن أهمها الملف السوري، تدل على «أهمية استثنائية» لتلك الزيارة أو على الأقل تحيطها عمان بمستويات رفيعة مــن الاهتمـام، حيث وزير الخـارجية أمين الصفدي وبمعيته قادة كبار في المنظومتين العسكرية والأمنية الأردنيتين.
وجود رئيس أركان الجيش الأردني الجنرال يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات الجنرال أحمد حسني في معية الوزير الصفدي في أنقره، هو بحد ذاته «رسالة وحدث» قياساً بالمواصفات المعروفة والمألوفة للعلاقات الأردنية التركية التي علقت مراراً وتكراراً بـ«الاعتبارات الأمنية». وهي رسالة؛ لأن الأردن فيما يبدو عليه المشهد قرر «مخاطبة» المؤسسة التركية ذاتها بدلاً من التحدث عنها مع دول عربية شقيقة أو عبر الوكلاء القادمين الجدد في دمشق أو حتى عبر الأذرع الدبلوماسية فقط.
لسان حاله يقول «تعالوا نتفق ونتجنب الاحتكاك»
وهي زيارة ترقى لمستوى «الحدث» لأنها من حيث وجود جنرالات كبار في عمقها «سابقة» مثيرة تحتشد في التوقيت نفسه؛ فالوزير الصفدي أبلغ «القدس العربي» سابقاً بأنه «دائم التواصل والتنسيق مع الجارة تركيا وفي أغلبية الملفات» والمؤسسات الدفاعية بين البلدين لديها أصلاً سجل حافل من التعاون في الماضي بعيداً عن تقلبات الموقف السياسي والأمني الأردني، في المقابل لديه قنواته الحريصة، لكنها من المرات النادرة التي يجتمع فيها وفد يمثل المستويات السيادية في الأردن على هذا النحو في زيارة وصفت بأنها مهمة، وقد يكون أهم ما فيها الاستجابة لضغط شعبي عارم طوال الوقت بعنوان «التقارب مع تركيا».
الخبير الاقتصادي الدكتور جواد العناني، وصف تركيا الآن عندما تحدثت معه «القدس العربي» بأنها «لاعب مركزي» لا يمكن تجاهله ولا تجاوزه. وما لاحظته عمان مؤخراً أن الدول العربية التي كانت منزعجة في الماضي من تركيا ودورها ومن أجلها دخلت العلاقة الأردنية التركية في «الثلاجة» بدأت تغازل وتجامل وتتواصل بدورها مع تركيا في الملف السوري.
وفد أردني رفيع
لذلك، توجه وفد أردني رفيع المستوى بهذا الحجم إلى تركيا بحد ذاته وبصرف النظر عن القضايا التي ستطرح من منظور أردني، هو تحول «حميد» ومرحب به من جهة عدة جبهات سياسية في الداخل الأردني، على رأسها الإسلام السياسي بنسخته الأردنية، ورموز القطاع التجاري، وقادة القطاع الخاص.
المعنيون بتحريك تفاهمات «إجرائية» مع تركيا من الأردنيين مهتمون جداً بسباق سياسي يسمح بالتعاون وتطوير الاتصالات والشراكات وبسياق سيادي يفتح المجال لوقف حملات شيطنة تركيا وحكام سوريا الجدد والإخوان المسلمين معاً بدون أي مبرر كلما طرأ تطور في الإقليم.
لا يمكن طبعاً معرفة «المضامين» الخاصة بأجندة زيارة الوفد الثلاثي الأردني إلى تركيا، لكن يمكن القول بأن وفداً نوعياً من هذه الطراز لديه تفويضات أوسع وأشمل في تمثيل مصالح الرؤية الأردنية، ليس فقط ضمن السياق السوري بل أيضاً ضمن فهم طبيعة العلاقات مع تركيا.
والأهم يمكن القول إن الدلالة السيادية لتركيبة الوفد الأردني مؤشر حيوي على أن «كل الملفات الثنائية والإقليمية» قابلة للفتح، وأن الزيارة هذه المرة ستبحث أو قد تبحث «كل شيء» بحثاً عن برنامج يعيد ترسيم مناطق مصلحية مشتركة على قاعدة تجنب الاحتكاك بالحد الأدنى إذا لم يكن من الممكن الوصول للحد الأعلى، وهو الذهاب معاً في «مشوار أو مشروع متفق عليه» سواء في فلسطين أو في سوريا.
التجاذبات منذ عام 2011 بين عمان وأنقره معقدة ومفصلة ومضجرة، ولا تقف عند حدود رفض الأردن في الماضي لمطلب تركي ملح باسم «توحيد جبهتي المعارضة السورية» شمالاً وجنوباً، بل تتعدى لارتياب أردني يتقصد الجانب التركي «المشاغبة» عن بعد على دور الأردن في القدس والمسجد الأقصى، خلافاً للحرص على دعم وتمويل وإعادة إعمار «المواقع العثمانية فقط في الأردن».
موقف تركيا من احتضان الإخوان المسلمين من أهم عناصر الخلاف بين الجانبين، وقرار حكومة عمان قبل سنوات بتجميد اتفاقية للتبادل التجاري الحر حقق معدلات قياسية من الغضب الرسمي التركي لعدة سنوات، والأردن طوال الوقت في تبرير سوء ثقته بتركيا بقي يتحدث عن «شركاء عرب أساسيين غاضبين من الأداء التركي».
الواضح اليوم أن أنقرة مستعدة لتجاوز تلك التجاذبات بعدما ألغى المشهد السوري ما قبله، وأعاد ضبط الإعدادات، وأجبر حكومتين لا ترغبان بالنوم في غرفة واحدة على التلاقي ولو في «الكاريدور السوري».
عملياً، الأردن رفض وتصدى لـ «الهلال الشيعي» لكن اليوم يتشكل «القوس السني» قرب خاصرته الشمالية وبدور قيادي لتركيا، و«سوء التفاهم» في الماضي عليه أن يخضع لتجربة جديدة، وحوار المصالح يمكن أن يبدأ، كما يرغب الطرفان في لحظة يتم فيها تبادل الملاحظات «الأرشيفية» على طاولة صريحة.
في الخلاصة، عمان وأنقره تتعارضان في الاتجاه والاستراتيجية، لكن «التعايش والتكيف» بينهما حتمي الآن، على أن يلتزم الطرف التركي بما لا يمس بمصالح الدولة الأردنية، الأمر الذي لا يمكن ضمانه إلا لفظياً في هذه المرحلة بعد سنوات من «تبادل التحرش» عن بعد.