اراء و مقالات

أسبوع إسرائيلي من التحرش بالأردن: خرائط سموتريتش ليست «وهمية» و«الإخوان» خلف الدولة في «الملف السوري»

عمان- «القدس العربي»: تحرش مراكز توجيه الرأي العام التابعة لليمين الإسرائيلي في ملف “الوضع الداخلي في الأردن” حصراً، مسألة لم يعد لا من اللائق سياسياً ولا من المناسب تجاوزها أو تجاهلها أو التعاطي معها، عبر بيان تنديدي يصدر عن الخارجية.
والجزء الإسرائيلي المتحرش مرحلياً ليس من الصنف الذي يمكن مواجهته عبر العودة لترديد كلاسيكيات الماضي عن استمرار وجود شراكة ما مع العمق الإسرائيلي تمنع إلى حد ملموس الانتباه لما يقوله أو يعلنه مجانين اليمين الإسرائيلي.
الأسبوع الماضي شمل تطوراً مرصوداً وملحوظاً في الحالة التي تنطوي على تحرش مباشر قد تكون له أهدافه الخبيثة والمريضة في كل حال، في رأي السياسي والبرلماني الأردني العريق الدكتور ممدوح العبادي، الذي كان وعبر “القدس العربي” مجدداً، من أوائل الذين تصدروا للمشهد مؤخراً بعد حادثة الخرائط الإسرائيلية، قائلاً إن على الحكومة الأردنية مصارحة شعبها.
يريد العبادي مصارحة في اتجاهين: الأول، الكشف عن “تقدير الدولة الأردنية” الحقيقي لاحتمالات وسيناريوهات الاعتداء الإسرائيلي تحت عناوين التوسع أو فرض التهجير على شرق الأردن.
والثاني إبلاغ الشعب الأردني بالإجراءات التي تقررها الحكومة لصد أي عدوان حتى يفهم الشعب دوره في سياق هذا الصد.
الخرائط التي اعتمدها وزير الخارجية الإسرائيلي رسمياً على شبكة وزارته وتتحدث عن بعض المناطق في الأردن باعتبارها جزءاً من إسرائيل وفيها حقوق تاريخية ودينية، نبأ نزل كالصاعقة على الأطراف الفاعلة في الوضع الداخلي وأعاد أو أسهم في إعادة إنتاج كل المخاوف التي سبق أن طلبت الحكومة مراراً وتكراراً من الرأي العام عدم ترديدها.
يعلن الإسرائيليون هنا أطماعهم بوضوح، لا بل ينشرون -كما يقدر السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة- خرائطهم المليئة بما وصفته وزارة الخارجية بالأوهام.
تلك أوهام -كما يرى العياصرة- في كل حال، الشعب الأردني كفيل مع مؤسساته بالتصدي لها. لكن اللحظة التي يتم فيها برمجة مشروع التصدي هي تلك التي يتم التعامل فيها مع تلك الخرائط باعتبارها لم تعد أوهاماً، بل كما وصفها الدكتور العبادي بحيثيات ووقائع طامعة في المملكة، تثبتها السياقات التاريخية، وانتخب اليمين الإسرائيلي على أساسها.
للتيار الإسلامي الأردني المعارض قصب السبق في التحذير من تلك الأطماع قبل الجمع عبر تصريح شهير للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، يعلق فيه على ما قاله الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن إسرائيل التي تواجه ضيقاً في المساحة وتحتاج لتوسعة.
المخاطر حقيقية ويزيد معدل خطورتها بسبب حالة السيولة الاستراتيجية في المنطقة، حيث أصبحت الدول القوية عسكرياً قادرة على الاحتراز تحت دواع وذرائع أمنية على مساحات من الجغرافيا عند الدول المجاورة الأضعف في توقيت تصاب فيه المنطقة إقليمياً بصفة عامة، بخاصية السيولة وتحريك الحدود؛ بمعنى أن كل شيء يمكن أن يحدث في أي وقت.
لذلك، طرح الإسلاميون مبكراً قبل غيرهم ثلاثية “القيادة والجيش والشعب”. وهي ثلاثية تناسب الخط الرسمي العميق المعلن والثابت، لكنها تظهر الاستعداد للتعاون مع هذا الخط وتجنيد الذات والإمكانات في خدمته، لكن الشرط الناقص حكومياً -برأي المراقبين برمتهم- حتى الآن هو غموض الموقف الرسمي العميق، لا بل عدم إبلاغ الرأي العام الأردني بأي تقديرات عميقة للحالة التي تنطوي على تهديد من الجانب الإسرائيلي؛ فاليمين يبني الجدار في الأغوار، وأعلن ذلك.
والخرائط الجديدة ترافقت مع سلسلة من التقارير الإعلامية في إعلام اليمين الإسرائيلي التي تتحدث زوراً وبهتاناً -برأي العياصرة- مرة عن “أقلية حاكمة” في الأردن، ومرة قلاقل مفترضة ووضع خطير قد ينتهي بسيطرة الإخوان المسلمين على البلاد أو بانتقال الثورة السورية إلى الأردن.
تلك تحرشات مرصودة تنطوي فعلاً على أوهام، لكن لها وظيفة مرجحة.
نشر الخرائط واعتماد نشرها في حسابات رسمية تزامن عملياً مع سلسلة تقارير من معاهد بحث إسرائيلية يمينية بدأت تتوسع، خصوصاً بعد التحول والمتغير الذي حصل في سوريا في الحديث عن خطاب الإخوان المسلمين وتأثيراتهم، علماً بأن المسألة أقرب إلى تصفية حسابات مع الحاضنة الاجتماعية المكثفة للمقاومة الفلسطينية في المشهد السياسي الشعبي الأردني.
الباحث الدكتور وليد عبد الحي، حذر بحضور “القدس العربي” مجدداً من أن ما تتحدث عنه معاهد البحث الإسرائيلية يتحول إلى برنامج وخطط عمل عدائية في اليوم التالي.
لعل الحرب الدعائية الشريرة والخبيثة التي يشنها الإعلام الإسرائيلي هنا، الهدف منها الترويج لتأسيس “أزمة في الأردن”، بعض عناوينها مرتبط بعودة “شيطنة الإخوان المسلمين” والتحذير منهم على أساس المتغير السوري تحديداً.
تلك تحرشات أغلب التقدير أن المدارس العميقة في دوائر القرار الأردنية تنتبه لها بنفس الدرجة التي تحترز من أجلها وتتنبه لها فيها المجسات الأعمق في جماعة الإخوان المسلمين، التي قررت مسبقاً البقاء خلف موقف الدولة في الملف السوري، وتجنب أي مغامرات لا تبرمج على مقدار مستوى الانفتاح الذي تقرره الدولة في المسألة السورية، وفي الوقت ذاته احتفظت الجماعة التي تعبر عن الإسلام السياسي في الأردن بشرعية دورها عبر الانتخابات والبرلمان، ولا تحتاج لأزمات ولا لمغامرات بعد الآن مع السلطات الرسمية، إلا أن جهة ما في تل أبيب تتحرش بملف الاستقرار الداخلي الأردني.
الأهم والأخطر في الواقع، هو فهم الأسباب والخلفيات التي تقف وراء مثل هذا التحرش.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading