اراء و مقالات

ألغاز أردنية في قراءة «الثورة السورية»: الدبلوماسي يخترق والإعلامي «يشيطن» والبيروقراطي يزحف

عمان-«القدس العربي»: يمكن ببساطة ملاحظة الحكومة الأردنية وهي تكثر من خطاب إسناد ومساعدة الشعب السوري الجار والشقيق بدون التحول فعلياً إلى موقع مبادر أو مناور أردنياً في المعادلة السورية رغم أن نشطاء وسياسيين يقترحون مبكراً بأن العديد من الضغوط والمضايقات وحصراً “الأمريكية والإسرائيلية”، يمكن تخفيف حدتها عبر “التواجد” بصورة أعمق في المعادلة السورية الجديدة.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وهو أول وزير خارجية عربي زار دمشق، حاول اللعب بالزوايا الضيقة وحقق اختراقاً لصالح توازنات بلاده، لكن بقية المؤسسات الحكومية لم ترسل بعد ما يكفي من رسائل طمأنينة لحكام دمشق الجدد، أو حتى للدول الراعية لهم مثل تركيا أو قطر والولايات المتحدة.
لاحظ المراقبون مجدداً الأسبوع الماضي، أن نخبة من الكتاب المقربين من السلطات الرسمية عاودت تنظيم هجومها المعاكس على الإسلام السياسي السوري، وسعت لـ “شيطنة ” حكام دمشق الجدد ومن يتعاطف معهم مباشرة بعد انتهاء زيارة الوزير الصفدي، الأمر الذي طرح “رسائل متعاكسة” عن بوصلة الموقف الرسمي.
ما حصل من مسافات تباين مرصودة بين الخطاب الرسمي المركزي الذي يمثله وزير الخارجية أو رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، يوفر أرضية سياسية للقول بوجود تباين أكبر في عمق مؤسسات القرار، بمعنى أن البوصلة الرسمية -كما يحصل في ملف التحديث السياسي- غير متوافقة بعد على “خطة عمل مرجعية” واحدة بالملف السوري.
بقاء التعارضات بين تعبيرات البؤر الرسمية ومؤسسات القرار من جهة والتصريحات الرسمية من جهة أخرى، مؤشر حيوي على “غياب الانضباط” المطلوب، خصوصاً أن موقف دولة جوار مهمة مثل الأردن، هو قيد الرقابة بالتأكيد من كل الأطراف اللاعبة في الإقليم، والانطباع سياسياً مبكر بأن السلوك -خلافاً للتصريح والبيان الرسمي وتدشين حملات ممنهجة في الإعلام ضد التحول الجاري في سوريا- خطوة قد لا تنطوي على حكمة أو قد توحي بأن الحكومة الأردنية تفتقد للسيطرة على “أدواتها” الإعلامية التي تغرد أحياناً “خارج السرب” في اتجاهات غير مفهومة.
ملف سوريا الآن “دسم ومعقد” وخطير، وتأثيره جذري على ملف الأردن وموقف وأطماع اليمين الإسرائيلي.
والدولة الأردنية -برأي نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير السياسي البارز الدكتور محمد حلايقة- أمام 3 خيارات، هي: الرضوخ والتكيف والصدام، ولكل خيار منها كلفته وفاتورته، ويتقرر أو ينبغي أن يتقرر بعد دراسة معمقة بما يحمي مصالح الأردن من “تغول” اليمين الإسرائيلي.
تظهر وجهة نظر الحلايقة المستوى السياسي الناضج الذي يقترح “التواجد بقواعد لعب إيجابية” في عمق المشهد السوري والإقليمي ضمن سياسة “التأثير الجغرافي والحدودي” وتوظيف الأوراق الرابحة بهدف تخفيف الضغط الإسرائيلي في الملف الفلسطيني.
كثيرون لفتوا نظر مؤسسة القرار الأردنية إلى أن “أي تأثير” في مستقبل التجربة السورية يمكن قبض ثمنه السياسي من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، خصوصاً مع وجود حدود مشتركة أمنياً ومناطق تماس أساسية في التنف والجولان وقرب حوض البادية الشمالية.
لم يعرف بعد ما إذا كان في ذهن المؤسسات الأردنية اللعب بالورقة السورية بصيغة تثبت إمكانية تقديم العون للثورة الجديدة أو الوقوف عند التحفظ عليها والارتياب منها والمحافظة على مساحات ومسافات اقترح الناشط النقابي أحمد أبو غنيمة علناً قطعها دون “المزيد من التأخير”.
التأخير في “إجراء الحسابات” مكلف، هذا ما يقترحه الحلايقة وغيره من كبار السياسيين. وعمان الآن تحت إلحاح اللحظة السورية الراهنة الفارقة، والاحتياج لها ملح وضروري وتملك بعض “أوراق الجنوب السوري”، ويمكنها الانتقاء ما بين التعاكس والمناكفة أو الانضمام إلى “حفلة إعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة السورية”.
ما يثير الارتياب في جزئية “التردد والتأخر” هو موقف بعض كتاب المقالات الذين يكتبون بالتوجيه الرسمي أو البيروقراطي، وأن أذرع إعلام الحكومة لا تبدو في ترديد نفس النغمة التي قررتها المرجعيات حيث تحدث رئيس الحكومة جعفر حسان عن “توجيهات” وصلته بتحديد المساحات التي يمكن المساعدة عبرها في إعادة بناء سوريا.
في الواقع، المشهد الأردني في “تلبية احتياجات الثورة السورية” ومرحلة ما بعد النظام المخلوع تبدو مربكة ومحيرة بعض الشيء، فالتصريحات والبيانات الرسمية قطعت شوطاً في التقارب مع حكام دمشق الجدد، ولقاء العقبة يوفر “أرضية دولية” لأي تكتيك، لكن المنظومة البيروقراطية تصر على أن يسبق “الاعتبار الأمني” أي اعتبار آخر في كل ما له علاقة بجنوب سوريا والحدود وكل التفصيلات.
لا أحد يعلم كيف يمكن للاقتصاد الأردني أن “يستفيد” من التحول السوري ما دامت “القيود” أكثر من “التسهيلات”.
سؤال صعب ومعقد ويزداد تعقيده في ظل “حملات الردح” التي تشنها أقلام مقربة من السلطات إعلامياً ضد المؤسسات الجديدة في دمشق، مع أن الوزير الصفدي طرح على الدمشقيين معادلة “كيف نخدمكم؟ وما هي الاحتياجات التي نستطيع مساعدتكم بها؟”.
في الأثناء ملاحظة في غاية الأهمية: رموز القطاع الخاص يحثون حكومة بلادهم على خطوات “جريئة أكثر” في اتجاه السوق السورية لتحسين أوضاع الأردن الاقتصادية، فيما تنصح بعض القطاعات بالتريث لأن القطاع السوري الخاص ذاته متريث.
بعض الفعاليات بالمقابل، تستعرض الكلف بسبب البطء والزحف البيروقراطي، فيما وزارة محكومة بالتكنوقراط الاقتصادي لا تبدو معنية بالعمل بالسرعة نفسها.
في الخلاصة، ثمة “ألغاز” غير مفهومة بعد تعيق المنتج ثم المنجز وعلى طريقة الآلية التي أجهزت على مليارات الدولارات من الاستثمارات في القطاع الطبي بسبب ما عرف محلياً بـ “قيود التأشيرة على المرضى العرب”.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading