ألغاز التعديل الوزاري الأردني: «وصفة كاهن» و«محرقة» وزير المالية وأكتاف الرزاز لا تحمل «الحلفاء»
الصفدي يستعرض قدراته في اللحظة الأخيرة وبورصة الأسماء تتوسع
ليس من الصعب توقع بقاء أو عبور وزير حقيبتي الثقافة والشباب الأردني الدكتور محمد أبو رمان، من محطة التعديل الوزاري، فالرجل تصر العديد من الجهات على التعامل معه مع أنه من أوسع الرموز الوزارية ثقافة وكاتب صحافي متمرس، وفقاً لقواعد الاشتباك المتعلقة «بعدو الدولة».
أغلب التقدير هنا، عندما يتعلق الأمر بالتوقعات وتكهنات التعديل الوزاري الذي يطهى على نار مضجرة الآن، أن الرئيس الدكتور عمر الرزاز قد لا يستطيع حمل وتمرير صديقه وحليفه السياسي الإصلاحي أبو رمان أكثر، مع أنه طوال الوقت يدافع في أروقة الدولة وبحماسة عن صديقه الثاني ممثل الحراك الشعبي في الحكومة، وزير الاتصالات وما يسمى بالريادة، مثنى الغرايبة.
الفارق بين الغرايبة وأبو رمان واضح ويلمسه المراقبون، فالأول لا يعمل في حقيبة سياسية ودخل ما يسمى بـ «ماسورة» إعداد الوزراء بخضوع، ويقلل من الكلام، ويتخلص ما أمكنه من تراثه في حراكات الشارع، تماماً كما فعل آخرون في البرلمان ومؤسسات أخرى. أبو رمان، من جهته، مصر على ترديد النغمة التي بدأت تزعج حتى الرئيس الرزاز بعنوان توفر فرصة للإصلاح السياسي. وعليه، أغلب التقدير قبل ساعات فقط من التعديل الوزاري، أن يميل الرزاز إلى: أولاً، فصل حقيبتي الشباب والثقـافة عن بعــضهما.
وثانياً، التخلص من حمولة اسمها الوزير أبو رمان، وعلى قاعدة أن الظروف لا تسمح بحمل الأخير على أكتاف الحكومة أكثر، رغم أن كل من تفاءل بوجود أبو رمان ككاتب استراتيجي ومثقف ومسيس، لديه ملاحظات أصلاً على صمته وندرة اشتباكه. بكل حال، إذا بقيت في الوزارة، بعد التعديل الرابع، أسماء مثل الوزيرة جمانة غنيمات والوزير أبو رمان، فقد ينطوي الأمر على مفاجأة. وثمة مفاجأة أخرى إذا بقي مخضرم ومحنك من وزن وزير الداخلية سلامة حماد، الذي يبدو الاستغناء عنه مجازفة، وبقاؤه في حضن حكومة ترتدي فقط لفظياً ثوب التعبير المدني، مجازفة موازية.
في كل حال، الوزير حماد مكسب إذا بقي، واستبداله اليوم يتطلب وجود شخصية ثقيلة ومقنعة في موقعه، مع أن التكتم شديد، والمبالغة فيه شديدة أيضاً على مجريات تعديل وزاري ينبغي أن لا يتحول إلى قصة وشائعات ونميمة وتسريبات، خصوصاً أن الوزراء اللاحقين، مثل السابقين، لن يثق بهم الشارع بكل الأحوال، وقد لا يستطيعون إضافة فارق على الإيقاع العام.
يبقى أن أسباب التكتم غير واضحة، لأن الرزاز اجتهد في تأخير استحقاق التعديل الذي لن يزيد بعد دخول وزراء جدد أو مغادرة قدامى، عن سقف ستة أشهر أصبحت أصلاً تمثل العمر الزمني المفترض للحكومة برمتها.
في الأثناء، وعلى الهامش، يمكن القول بأن وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي تضرر من غيابه الشهر الماضي عن زيارة ملكية مهمة إلى مصر وثار الجدل بخصوص استمراره، اجتهد بنشاط في الظهور والمبادرة مؤخراً.
«أنا هنا»
وقد قال، سياسياً وإعلامياً وبعدة لغات: «أنا هنا».. حصل ذلك عندما أدار الصفدي، وسط مبالغة واضحة في الظهور الإعلامي، ملف انتهاء إضراب العاملين في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. وكذلك عندما فتح صدره قبل ودون غيره لكل ما يتسرب من معلومات للدولة لها علاقة بملف الإفراج عن الأسيرين هبة اللبدي وعبد الرحمن مرعي.
من حق الصفدي الإصرار على البقاء وترصد من يترصدون بتجربته، وهم كثر بالمناسبة، وظهوره الإعلامي والسياسي الأخير في ملف الأونروا والأسيرين لدى إسرائيل تقصد إظهار قدرات شخصية على المناورة، دون أن يعني ذلك ضمانات من أي نوع. واستقال جميع أعضاء مجلس الوزراء تمهيداً للتعديل الرابع على الطاقم، والرزاز يبدو مرتاحاً؛ فهو يتخلص مسبقاً من وزراء يزعجونه أو لا يتميزون بالولاء المباشر له، ومن وزراء يزعجون مواقع حساسة ونافذة في الدولة أيضاً. وفي سياقات التعديل، يبدو الوزير «العريس» المختص بالشؤون القانونية مبارك أبو يامين، مرتاحاً وخارج الجدل.
كذلك وزير الإدارة المحلية والبلديات وليد المصري، وثلاث على الأقل من الوزيرات الأربع، حيث تقدم الصفوف وزيرة الطاقة هالة زواتي، التي يبايعها ويدافع عنها بشراسة الرئيس الرزاز خلافا لما يفعله مع آخرين، مثل الوزير أبو رمان، أو حتى الوزيرة الأنيقة المختصة بالسياحة مجد شويكة.
مشكلة الرزاز مع وزير الزراعة، إبراهيم شحاحدة، مزدوجة؛ فأحدهم سرب عن الرجل كلاماً نقدياً ضد الرئيس قيل في إحدى المناسبات همساً، والمعترضون على وزير الزراعة الذي يحتفظ أيضاً بحقيبة البيئة كثر ومنتشرون في الساحة، وهو أمر قال الوزير نفسه لـ «القدس العربي» إنه لا يلتفت إليه، لأن لديه استراتيجية وطنية لم يخترعها هو في الأجندة الزراعية.
ظلمت وزارة البيئة بجمعها مع الزراعة، وأغلب التقدير أن الرزاز يمكن أن يفصلهما، ويبحث -وتلك المشكلة الثانية- عن بديل لوزير الزراعة الحالي ينتمي إلى مدينة الطفيلة، حفاظاً على نظام المحاصصة البغيض، في الوقت الذي يعني فيه خروج وزيرين من أبناء محافظة البلقاء ومدينة السلط أن الرزاز مضطر حكماً للبحث عن وزير ينتمي لنفس المنطقة على الأقل.
هنا يقفز مجدداً وائل عربيات كوزير مرشح للأوقاف بدلاً من الوزير الدكتور عبد الناصر أبو البصل، مع أن الانطباع مستمر بأن وزارة الأوقاف أصلاً لا تدار من قبل الحكومة ولا حتى من رئيس الوزراء، بل من جهات أخرى نافذة. وفي كل حال، تفكيك أسرار التعديل الوزاري مهمة شاقة بالأردن طوال الوقت، والانطباع متشكل أو لا يزال متشكلاً بأن الرزاز يبحث عن وزير جديد للنقل بعدما تعين الوزير الأخير فيها أصلاً لأسباب ليست مهنية يعرفها الخاصة.
العبور الأصعب
الأصعب هو العبور من محطة وزير المالية، فالدكتور محمد أبو حمور مرشح وجاهز ومتاح ويصلح لتغطية شغور مقعدين عن مدينة السلط.
والدكتور مروان عوض أيضاً موجود، لكن كليهما أو غيرهما من خبراء المالية، يعرف مسبقاً بأن وزير المالية المقبل سيدخل إلى محرقة سياسية وبيروقراطية بالرغم من الدراسات الأولية التي أجراها عوض بطلب شخصي من الرزاز ورئاسة الوزراء. عنوان محرقة وزير المالية المقبل واضح مسبقاً، وهو الميزانية المعقدة التي ينبغي أن لا تنفق رأسمالياً، وقد تضطر إلى المزيد من الاستدانة، وستنقص واردات الخزينة عبرها.
كان يمكن للمحرقة نفسها أن تواصل التهام عز الدين كناكريه، لكن الأخير تلقى فيما يبدو «نصيحة كاهن» على الأرجح، وفقاً للتعبير السياسي الدارج، بالانسحاب والاستقالة حتى الخطّية قبل التعديل وعلى أساس العمل في القطاع الخاص. ويبقى وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية، موسى المعايطة، قاسماً مشتركاً محايداً بين الجميع، ويشبه سويسرا تحديداً، فلا أحد يعترض عليه ولا هو يعترض على أحد، في الوقت الذي قد تفصل فيه وزارة التربية عن التعليم العالي وقد يتوسع فيه عدد الوزراء المشمولين بتعديل لا أحد يفهم بعد لماذا يتأخر أو يثار حوله كل هذا الجدل.