ألغام «المعلمين» تنفجر تباعاً في حضن الرزاز والحكومة «قيد الملاحظة والنقد» والنهش من كبار المسؤولين الأردنيين
ليست صدفة بالتأكيد .. رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة يقلق ويزعج رئيس الوزراء بجملة نقدية واضحة الملامح في منتدى البحير الميت الاقتصادي، ثم يستعير تقريباً جملة مماثلة في مناسبة موازية رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي.
العيسوي ناقل أمين وبدون خلفيات أو أجندات سياسية، ونادراً ما يزاحم بأي صيغة عندما يتعلق الأمر بالملف السياسي.
والطراونة شريك في اللعبة السياسية وصناعة القرار، ولاعب سياسي في موقع يؤهله للنقد وتكثيف الخطاب ضد أداء بعض الوزراء بطريقة فاجأت قليلاً الرئيس الدكتور عمر الرزاز، ودفعت الطراونة نفسه للإشارة لاحقاً إلى أن الرئيس يفقد ما عرف عنه من صبر، وكاد يغادر اجتماعات البحر الميت الاقتصادية؛ لأن الكلام لم يعجبه.
العيسوي، من جهته، وفي فعالية أخرى وسط بعض الوزراء، يعيد التذكير بملاحظات جلالة الملك عبد الله الثاني بخصوص إعاقة الاستثمار، مع تلميح إلى أن الحكومة تلقت التوجيه ولم تضع خطة، وذلك بطبيعة الحال في جلسة مغلقة.
تلك المصادفة لا يمكنها أن تحصل بالتزامن فقط لأن شخصيتين في مواقع القرار قررتا المناكفة، فالحكومة نفسها تبدو تائهة وضائعة قليلاً عندما يتعلق الأمر بالخط الاقتصادي، وحساسية رجل هادئ وصبور مثل الدكتور الرزاز ترتفع بوضوح في الآونة الأخيرة.
وتلك مشاهد تثير التساؤل في الوقت نفسه الذي انفجر فيه «لغم « حراك المعلمين الأردنيين على نحو غير مسبوق وغير متوقع في حضن حكومة الرزاز بعد إغلاق أمني للعاصمة عمان، لم يكتشف علية القوم قبل صغارهم بُعد أسراره العميقة رداً على اعتصام للمعلمين كان يمكن طبعاً التعامل معه بعدة أساليب وطرق أخرى.
بوضوح، في الأثناء، يدخل الرزاز في حالة الصمت المطبق في قضية المعلمين، ويغيب عن المشهد، ويهتف آلاف المعلمين المجروحين في الشارع ضده شخصياً ثم ضد وزير الداخلية القوي سلامة حماد، وسط سلسلة من الانفلاتات في التعبير الأمني لا أحد يعرف بعد دور الحكومة لا في إدارتها ولا في احتواء تداعياتها.
لا يقف الأمر عند هذا الحد في حسابات رئيس الحكومة، فبعض وزرائه منقسمون ما بين الحديث عن زحف القرارات والتردد وضعف الحكومة، وبين الحديث عن قرب غرق سفينة الحكومة، وبالنتيجة متطلبات بعض أفراد الطاقم الوزاري بالقفز منها في لحظة مناسبة.
الغريب والغامض أن ذلك كله يحصل من دون أدنى أشارة إلى أن حكومة الرزاز في طريقها إلى الرحيل، ويحصل في الوقت الذي تقول فيه الحكومة نفسها بأنها لا تعرف كيف وصلت الجملة النقدية، وفي بعض الأحيان التوبيخية الملكية، للرأي العام دون أن يصل مضمون جلسة ملكية مع مجلس الوزراء يتضامن مع الحكومة ويدعمها.
أوحى الرزاز في البحر الميت بأن الحكومة والبرلمان باقيان.
لكن يوحي وزراء عاملون معه، بالمقابل، بأن ثلاثة أشهر فقط هي السقف المتبقي، مع أن النائب الناشط في الملف الاقتصادي، خير أبو صعليك، استغرب على هامش نقاش عميق مع «القدس العربي» سيناريوهات الترحيل والتغيير الوزاري قبل إعداد الميزانية العامة لمالية الدولة العام المقبل، والتي وصفها أبو صعليك نفسه بأنها ستكون ميزانية صعبة ومعقدة وحساسة، وقد تنطوي على مفاجآت.
بمعنى آخر، بدا الرزاز يجد نفسه فعلاً داخل لعبة كلمات متقاطعة، ونقابة المعلمين فجرت في حضنه لغم الإضراب، أمس الأحد، بعد الاعتصام، في توقيت غير ملائم يقلص من هوامش المناورة أمام الحكومة، فيما أحاط رئيسها نفسه بأربعة على الأقل من أفراد طاقمه الوزاري يؤمنون فعلاً وحقاً بأنهم أكثر جدارة من رئيسه الحالي بموقع رئاسة الوزراء.
في المعطي المتعلق بالمربع الأمني، خصوصاً بعد أحداث المعلمين، تقاطعت رسائل مشوشة عدة، أهمها أن الرزاز قد يكون في الصورة وقد لا يكون، وأن حكومته اليوم تفتقد إلى المبادرة والقدرة على حسم الخيارات، وأن الشبح الصاعد في الإعلام بعنوان خيار ترحيل الحكومة، ليس حتمياً.
الحالة السياسية والبيروقراطية أقرب إلى تجميد الحكومة ووضعها في ثلاجة إلى أن تنتهي الدورة العادية المقبلة للبرلمان، وهو وضع معقد بعد ما افتقد مجلس الوزراء في تركيبته الحالية للانسجام، وبعدما بدأ الجميع يلمح إلى ضرورة ورقة التعديل الوزاري على أمل المساهمة، بالمقابل، في احتواء الموجة العاتية المقبلة بتوقيع نقابة المعلمين.
إلى هنا، يبقى تجميد هوية الحكومة وتركيبتها هو الخيار الأمثل مع ما ينطوي عليه من كلفة، بدلاً من الغرق في أجندة التوقيت وسيناريو البدائل وتفاعلات الأزمة الاقتصادية الحادة، بالتوازي، مع نجاح اليوم الأول لإضراب المعلمين وبطريقة تقرع كل الأجراس.