اراء و مقالات

ألغام مبكرة في حضن «وزارة حسان» الأردنية: «اصطياد» أخطاء دستورية.. «وزراء تأزيم» وسيناريو «تعديل مبكر»

عمان- «القدس العربي»: أفتى الخبير الدستوري الأردني والوزير المختص الأسبق نوفان عجارمة، علناً، بأن رئيس الحكومة الجديد الدكتور جعفر حسان ارتكب “مخالفة دستورية صريحة” بخصوص سلسلة “تفويضات” لطاقمه، قررها مؤخراً ونشرت في الجريدة الرسمية للدولة.
وفاجأ العجارمة -وهو وزير سابق للشؤون القانونية وأحد أبرز خبراء التنفيذ الدستوري، وسبق له أن ترأس طاقم التشريع في رئاسة الوزراء- بأن النصوص الدستورية واضحة ولا تجيز لرئيس الحكومة نقل وتفويض صلاحياته الأساسية.
وجهة نظر العجارمة التي التقطت الحكومة المستجدة بمخالفة دستورية، أن أي صلاحيات لرئيس الوزراء واردة في الدستور لا يجوز تفويضها، معتبراً في تغريدة له أثارت الكثير من النقاش والجدل بأنه يجب أن يكون النص الذي يجيز التفويض من نفس مرتبة النص الذي يجيز الاختصاص، والمسألة لا علاقة لها بالسمو الشكلي أو الموضوعي الدستوري.
ما تحدث عنه الفقيه العجارمة هنا أن المخالفة بتوقيع رئيس الحكومة صريحة، مع أن الحكومات المتعاقبة كانت تفوض الصلاحيات لبعض الوزراء، ويبدو أن التقاط الحكومة بمخالفة دستورية من جهة مختص محسوب على الدولة، هو جزء من إطار أوسع يوحي بأن الجسم النخبوي عموماً لا يتقبل الوزارة الجديدة ببساطة.
ومركز النقاش سياسياً، أن الرئيس حسان عين نحو 6 وزراء بصفة “وزير الدولة”… هؤلاء لا مكاتب لهم، وعددهم كبير، حسب ما ذكر لـ “القدس العربي” القطب البرلماني والقانوني صالح العرموطي.
ولم تشرح رئاسة الوزراء الأسباب والخلفيات التي دفعت باتجاه تعيين عدد أكبر من وزراء الدولة بلا حقيبة، لكن وجود تفاضل عددي من وزراء الدولة اقتضى إيجاد عمل ووظائف لبعضهم، وفقاً للمحللين السياسيين، الأمر الذي يبرر “سلسلة التفويضات” التي يعترض عليها العجارمة.
ولم يرد من وزارة الشؤون القانونية ما يرد على الفتوى التي سجلها العجارمة وأثارت ضجيجاً في عمان وتوبعت إعلامياً بكثافة. وإذا ما تفاعل النقاش بعنوان “مخالفة دستورية” في تفويض الصلاحيات، قد تلجأ الحكومة إلى تفسير المحكمة الدستورية العليا، لكن الوزارة لا تبدو مهتمة بمتابعة هذا الأمر.
ولا تقتصر عملية “اصطياد أخطاء” الوزارة الجديدة على ملف التفويضات الذي فجره العجارمة في حضن الرئيس حسان، فالعرموطي رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان يصر بدوره على التلميح لمخالفة دستورية أخرى محتواها التنسيب بإرجاء الدورة البرلمانية العادية وتأجيلها، فيما ينبغي للحكومة أن تتقدم لنيل ثقة البرلمان خلال سقف زمنه محدد نصياً بالبند الدستوري.
شرح العرموطي لـ “القدس العربي” عبر منبرها، بأن المخالفة واضحة هنا، مؤكداً في وقت سابق بأن عملية إرجاء انعقاد الدورة لا تحصل بدون تنسيب الحكومة، واصفاً ما حصل هنا بأنه “سابقة في الحياة التشريعية”.
ولم تعلق أيضاً الحكومة على ما وصفه العرموطي أو غيره من آراء واجتهادات تصطاد بعض المخالفات الدستورية وتظهر أن الحكومة الحالية “ليست مهتمة” بالاحتكام للنصوص الدستورية، فيما يرى العرموطي أن الالتزام الدستوري حبل نجاة وطني لجميع الأطراف.
ويتم إعلان الاجتهادات الدستورية التي تناكف وزارة حسان، مع أن رئيسها يخوض في حملة علاقات عامة تحاول إظهار الجدية عبر نشاط غير معهود على مستوى رؤساء الحكومات، خصوصاً في العمل الميداني.
وكان قد ظهر مرتين في أطراف المحافظات بالميدان والتقى مواطنين وموظفين في عدة مؤسسات بنشاط وحماسة ملحوظين ضمن ما يعرف باسم “الزيارات المفاجئة”.
وزار حسان منطقة الأغوار ومناطق متعددة شرقي البلاد، لكن جولاته الميدانية -على أهميتها- يلاحظ عموماً بأنه لا يشرك “وزراء الاختصاص” فيها، ما يثير تساؤلات بعنوان إنتاجية تلك الجولات وغياب الوزراء الذين يسمع رئيس الوزراء عن أعمالهم من المواطنين وموظفيهم بدون وجودهم في أسلوب غير معتاد.
ورغم كثافة ظهور رئيس الوزراء في أطراف بعض المحافظات وزيارة مدارس ومزارع ومشاف ومراكز صحية، ترصد محاولات متواصلة لرفع منسوب مناكفة حكومته أو التحرش فيها على مستوى الصالونات السياسية والنخب التي لم يكن حسان -حسب مقربين له- يؤمن بها يوماً.
هاجم أعضاء برلمان بارزون من أحزاب الوسط ووزراء سابقون علناً عدة مرات تشكيلة حسان الوزارية، واتهمها التيار الإسلامي باختيار “وزراء تأزيم”، ونشرت عشرات الآراء والتعليقات بعنوان تشكيل حكومة بتسرع وبعيداً عن اعتبارات “الرشاقة الإدارية” وتستحدث آلية غير مفهومة في “توزير الحزبيين”، وفقاً لما ألمح له في مقال الوزير الأسبق صبري الربيحات.
يفترض أن الوزارة الجديدة حظيت بفرصة طيبة لـ “ترتيب أوراقها”، محتواها أكثر من 12 أسبوعياً، ستتاح للحكومة عملياً بدون انعقاد البرلمان وإزعاجات النواب، حتى تتهيأ بصورة أفضل لمناقشات الثقة البرلمانية في الحكومة.
وخاطب حسان علناً الطاقم الوزاري، وطالبه بالعمل في الميدان ووسط المواطنين، ثم طالب الفريق التنفيذي الذي “لا يؤمن” بمسار التحديث وخططه، بالانسحاب. ويتحدث مقربون منه عن بروز ملامح استنتاج بأن الطاقم الوزاري المختار يحتاج إلى “تعديل مبكر” قد تبرز الحاجة إليه بعد الحصول على ثقة البرلمان.
ويكرس ذلك قناعة الأوساط السياسية بأن الحكومة الجديدة قد تكون الأسرع في طرح ورقة التعديل حتى قبل نيل ثقة البرلمان، والسبب أن الجسم الوزاري ثقيل وعريض ويتألف من 32 وزيراً، يحتاج رئيسهم لتشغيلهم، وهو ما برر إدارياً التوسع في “التفويضات”، ودل عملياً على “زحام محتمل” يعيق الحركة ويعاكس متطلبات الرشاقة ويؤدي إلى تأزيم اتجاهات بعض نواب الأحزاب الوسطية وليس الإسلاميين فقط، خلافاً لتفخيخ جدل النقاشات المبكرة على شكل ألغام سياسية.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading