«أمطار الكرك» الأردنية تعيد إنتاج الأسئلة الحرجة عن جاهزية البنية التحتية وأهلية «لجان إدارة البلديات»؟

عمان – «القدس العربي» حجم ومنسوب الجدل والنقاش والملاحظات عند أهالي مدينة الكرك جنوبي الأردن بعد عبور موجة مطر شديدة مطلع الأسبوع، توقفا مجدداً على محطة تأملات وطنية وسياسية وبرلمانية، لا بل انتهيا برفع منسوب التساؤل مجدداً عن «البنية التحتية وجاهزيتها».
خلال أقل من 6 أسابيع، تنشغل منصات التواصل بين الأردنيين بطرح تساؤلات البنية التحتية وكيفية صمودها في مواجهة عاصفة مطرية استمرت 48 ساعة وسجلت هطولات غير مسبوقة قياساً بالسنوات الماضية.
في الوقت ذاته، ظهر بأن المجالس البلدية في المدن والمحافظات التي تعرضت للهطول المطري -وأغلبها في الجنوب- وقفت حائرة أمام هطولات الأمطار، مع أن سؤال البنية التحتية وأهليتها عملياً بدأ مع عاصفة أمطار مماثلة قبل 3 سنوات في العاصمة عمان، ثم عاد السؤال ذاته إلى واجهة المشهد على هامش حجم الأضرار الذي شهدته حصراً مدينة الكرك خلال اليومين الماضيين.
في الكرك تعج المنابر بصور أهل المدينة وهم يتعاملون مع السيول التي داهمت قراهم وحاراتهم بالابتسامة وأحياناً النكتة السياسية، الأمر الذي يعدّ إشارة مبكرة بصيغة إنذار بعنوان له صلة بمزاج التعليق والتعقيب السياسي.
إزاء حجم الرسائل التي وصلت للحكومة من أهالي مدينة الكرك تحديداً، اضطر رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان للتواصل، خلافاً لعادة الحكومة، مع ممثلي المدينة في مجلس النواب. لاحقاً، وجه حسن طاقمه الوزاري بالتركيز على تقديم المساعدة لأهالي الكرك وحصر الأضرار على أساس وضع استثنائي.
الصور المنشورة مع الفيديوهات بخصوص ما حصل بعدما داهمت الأمطار والسيول العديد من القرى والشوارع في مدينة الكرك، هي من الخلاصات التي تقود إلى العودة للجدل، حيث مشاهد من مياه سيول تداهم أو تؤدي إلى انهيارات جبلية في التربة، خلافاً للتجمع في وسط الطرق وأحياناً عزل بعض القرى.
أكثر من مفصل في حوار البنية التحتية أصبح مطروحاً للنقاش، ولعل السؤال الأهم هو دور المجالس البلدية التي يزيد عددها على 100 مجلس بلدي كانت منتخبة، وقررت الحكومة فجأة قبل عدة أشهر وبجرة قلم واحدة إقالتها وتعيين لجان إدارة لأكثر من 100 مجلس بلدي في المملكة دون فهم الأسباب حتى اللحظة.
المجالس البلدية التي عينتها الحكومة عند حل البلديات بدعوة التمهيد لإجراء انتخابات بلدية جديدة، وصفت بأنها تضم الخبراء وأصحاب الخبرة المباشرة في العمل البلدي والخدمي.
لكن أصحاب الخبرة هؤلاء يعانون من نقص في الميزانيات المالية. ومقابل أول شتوة مكثفة عملياً، فأغلب لجان الإدارة المؤقتة التي أقيمت لم تحقق النسبة المطلوبة للصمود في مواجهة حالة طارئة.
عضو مجلس النواب الدكتور إبراهيم الطراونة، طالب علناً بإعلان الطوارئ في مدينة الكرك، الأمر الذي يظهر حجم المعاناة التي عايشها أهالي المدينة، وتم نقلها لنوابهم بسبب عاصفة مطرية، حيث فيديوهات تظهر حالة فيضان في سد وادي الموجب، أحد أبرز المناطق في الطريق ما بين العاصمة عمان ومدينة الكرك.
كما شهدت المحافظة فيضان سدود وتجمعات مياه أخرى. وشوهدت المياه تتجاوز الفاصل الإسمنتي بين شارعين رئيسيين في عدة بلدات وقرى، وبطبيعة الحال تعطلت إيقاعات الحياة العامة، وعلقت الكثير من السيارات وسط المياه، لا بل قالت شهادات عيان إن المياه داهمت قرى بأكملها والعديد من المنازل والشقق والبيوت، خصوصا في المناطق التي شهدت أقوى هطول مطري وغير مسبوق في تلك المدينة.
وحذر أبناء المدينة عبر منصات التواصل أيضاً من تأثير الأمطار وانجرافات السيول والتربة على قلعة الكرك التي تعتبر من أبرز الآثار. وتعطل أيضاً مشروع «تلفريك» في المدينة، فيما انهار أحد الجدران الجبلية بالقرب من قلعة المدينة الرومانية الشهيرة، ما دفع الأسئلة هنا لوزارة السياحة حول دورها في صيانة البنية التحتية بالقرب من المرافق السياحية الكبيرة.
وشهدت محافظات الكرك ومعان وحتى عمان العاصمة ومدينة الطفيلة ومنطقة الأغوار الجنوبية، هطولات مطرية غير مسبوقة وبكميات كبيرة، وامتلأت العديد من السدود، لا بل إن بعضها فاض عن سعته الطبيعية. وتشكلت السيول في الوديان، ونشرت بعض الصور للبحر الميت في أخفض بقعة في الكرة الأرضية وهو يستقبل كميات من المياه الملونة بالتراب الأحمر جراء سيلان المناطق المحيطة في الأغوار وأيضاً في محافظة الكرك.
المشاهد ناتجة عن حالة طارئة لا يمكن التنبؤ بها تفصيلاً، ولا إظهار الاستعداد لنتائجها على المستوى الطبيعي. لكن ذلك لم يمنع الشارع والرأي العام عموماً من التقاط ما هو جوهري بعد الإخفاقات التي شهدتها حتى في العاصمة عمان البنية التحتية، رغم جاهزية المؤسسات المعنية بالخدمات والبنية التحتية بالاعتماد على حالة الطقس والتنبؤات الجوية.
موسم الأمطار الجديد في الأردن أجبر جميع الأطراف على طرح سؤال بلبوس سياسي قد يتحول إلى برلماني، وهو ذلك السؤال المرتبط بالبنية التحتية. طبعاً، الحكومة مضطرة هنا للتعاطي مع الوقائع والحقائق كما ورثتها عن حكومات الماضي، فيما تبقى الجزئية المرتبطة بـ «الجاهزية» حصراً هي محور النقاش والاعتراض والجدل الإداري- السياسي.
