أمير قطر في الأردن قريباً: هندسة سياسية ودعم استثماري وتشابك مصالح خارج منظومة “الحصار”
أكثر من خمسة آلاف وظيفة لأردنيين وتطلعات مستقبلية وسط زخم شعبي
تبدو العلاقات الأردنية – القطرية أفضل الآن من أي وقت مضى وسط حرص من العاصمتين خضع لهندسة سياسية بصورة خرج فيها الأردن، تماماً ودون إعلان، من منظومة الحصار السعودي الإماراتي على الشعب القطري.
وتحسنت بالمقابل، وخلال أسابيع قليلة ماضية، منظومة التواصل والاتصال بين نخبة من كبار المسؤولين في البلدين، وصيغة دفعت الجانب القطري للاهتمام والحرص على تتويج التواصل بالزيارة الرسمية التي يقوم بها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأحد المقبل، إلى الأردن.
ويستقبل الملك عبد الله الثاني شخصياً، وفقاً للخبر الرسمي المحلي، في مطار ماركا الخاص في منطقة ماركا في عمان العاصمة، وضمن ترتيبات ملكية تليق بالزعيم الزائر، بعد المصداقية العريضة التي اكتسبتها قطر في عمق الشارع الأردني عندما تعلقت الأمور بالتزامات التعاون والدعم والإسناد.
لاحقاً، تجري مباحثات بين الزعيمين والمسؤولين ضمن مبادرات متفق عليها مسبقاً، وأنجزتها خلية عمل ثنائية حريصة على إنجاح ليس الزيارة فقط بل أجندتها ومضمونها أيضاً، خصوصاً بعد الموقف المتشابه إلى حد كبير بين عمان والدوحة في بيانات سياسية صدرت دون تنسيق لاحقاً لإعلان صفقة القرن الأمريكية.
الزيارة بالمدلول السياسي الإقليمي تشكل اختراقاً كبيراً على مستوى التصدع الذي يصيب الجدار العربي، خصوصاً في عمق المعادلة الخليجية، وتمنح العلاقات بين الطرفين أفقاً جديداً وزخماً شعبياً وتواصلياً بعدما خرج الحصار على قطر أصلاً من سكة وشرعية التأثير.
قبل ذلك، فهمت “القدس العربي” من وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن قرار عمان مغادرة السفير القطري بعد الحصار كان خطوة في مدلول التوازن، وبالتالي تجنباً لأي خطوة موازية.
لكن الاعتبارات تغيرت منذ أسابيع، وعادت العلاقات والاتصالات بين عمان والدوحة بأفضل الأحوال بعد التفهم القطري. ومنذ أسابيع تبادلت العاصمتان السفراء، وبدأت حلقات التواصل الخلفية والدبلوماسية تنشط في عدة مساحات وساحات.
وفي الأثناء، زارت نخبة من كبار المسؤولين الأردنيين الدوحة على أساس “زيارات عمل”، وبدأت الدوحة الالتزام بما قرره أميرها العام الماضي بخصوص توفير 10 آلاف وظيفة في السوق القطرية لمواطنين أردنيين، وأزيلت كل التحفظات في الدولة القطرية على توظيف الأردنيين وإقاماتهم وتأشيراتهم، وفتحت مجالات البحث الشخصي عن الوظائف للأردنيين.
تلك جزئية تقدم مساعدة حيوية وأساسية للحكومة الأردنية، شكرها رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز علناً بسبب ملامستها لبرنامجه في التشغيل، وسط أنباء تتردد عن توفير فعلي لأكثر من 5000 وظيفة لأردنيين في السوق القطرية، وهو عدد يمكن أن يزيد لو كانت وزارة العمل الأردنية أكثر نشاطاً.
الزيارة الأميرية القطرية لعمان، وبصمت ودون ضجيج، بمثابة خطوة تكرس “عبثية نظرية حصار قطر” التي تبادر وتناور وتكسب في السياسة والاقتصاد بالرغم من الكلف والخسائر المالية ومرارات الحصار.
لكن الأردن يرحب بزيارة الأمير بعيداً عن تعقيدات الحسابات داخل منظومة الخليجي، ووسط رؤية مكتومة تفضل مصالحة خليجية داخلية، وفي سياق واقع يقول بأن قطر تنفتح على الأردن اليوم وتساعد اقتصادياً واستثمارياً في نفس الوقت الذي تغيب فيه المساعدات السعودية أو غيرها عن إحداث فارق حقيقي في احتواء أزمة الاقتصاد الأردني.
على المستوى الثنائي، يبدو أن الدوحة في طريقها إلى أنماط تعاون جذرية مع الأردن، حيث أفكار ومشاريع وبروتوكولات ليس للتوسع في توظيف “خبرات أردنية” فقط، بل للاستعانة مستقبلاً بقوات الدرك الأردنية في تعاقدات تأمين فعاليات كأس العالم، وبالتعاون – وهذا الأهم – على المستوى الاستثماري.
ويفترض أن أجندة الأمير القطري في عمان تتضمن دعماً استثمارياً بعدة مشاريع في السوق المحلية، والانفتاح أكثر بين المؤسسات الدبلوماسية والأمنية، وحتى العسكرية في بعض الأحيان، ضمن برامج مدروسة بعناية، إضافة إلى تبادل الخبرة والمشورة تجاه العديد من القضايا والملفات.
سياسياً، تمكن المراقبون من رصد ملامح التوافق في الموقف السياسي بين عمان والدوحة في توضيحات وشروحات ما بعد مرحلة صفقة القرن.
ويرى المراقبون بأن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية مرحلياً من المساحات المشتركة الأهم بين قيادة البلدين، خصوصاً أن أمير قطر وفي رسالة شهيرة قبل أشهر، دعم علناً الوصاية الهاشمية الأردنية على أوقاف مدينة القدس، وأظهر استعداداً لدعم ولتعزيز صمود أهل مدينة القدس في بؤرة مصلحية مباشرة تناسب المعايير الأردنية، حيث ملف الوصاية هو الأكثر أهمية في وجدان القيادة الأردنية.