أولويات الأردن تنشيط «جسر الإغاثة» أولاً ثم التشبيك مع القدس والخليل والضفة
لوجستيات توصيل المساعدات لغزة ليست الورقة الوحيدة التي تملكها عمان

عمان ـ «القدس العربي»: إعلان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بعد ظهر الخميس، استعداد بلاده لاستئناف «إرسال قوافل المساعدات» لإغاثة غزة «فوراً» وبجاهزية لوجستية رفيعة بمجرد «إزالة القيود الإسرائيلية، هو مقدمة في «دبلوماسية التفاعل» مع تطورات الأحداث في مسار الحرب على غزة.
في مخازن هيئة الإغاثة الهاشمية الأردنية كميات ضخمة من المساعدات أوقف الجيش الإسرائيلي إرسالها براً إلى غزة عبر جسر الكرامة بعد حادثة الشهيد عبد المعطي القيسي.
«الوضع الجديد» في غزة على هامش زيارة الرئيس دونالد ترامب المتوقعة للمنطقة، تطلب إعلاناً «سيادياً أردنياً» مباشراً من جهة الصفدي، وليس بصفة لوجستية فقط لاستئناف إرسال المساعدات.
لوجستيات الإغاثة
تصريح الصفدي لفت النظر؛ لأنه صدر عن وزير الخارجية وليس عن «هيئات الإغاثة»، وهو ما يخصص مساحة لسيناريو لفت نظر الأمريكيين على الأقل لضرورة «إزالة القيود» الإسرائيلية حتى يتم تشغيل «الجسر البري» الأردني إلى غزة.
لوجستيات الإغاثة ليست هي الورقة الوحيدة التي تملكها عمان في تفاعلها الاستثنائي مع مبادرة الرئيس ترامب التي تحولت إلى «واقع موضوعي» في ملف غزة، بل بدأت عمان تستعد مبكراً، سياسياً وأمنياً، للمشاركة في نقاشات الإجابة عن سؤال «ما بعد غزة؟» ما دامت اعتبارات مفهومة حرمتها من «مقعد» أو جلوس على طاولة تحت ستار «الوساطة والتفاصيل».
كيف يجلس الأردن على طاولة «ما بعد غزة» لحماية ثوابته ومصالحه؟ هذا هو السؤال الذي يتردد على لسان الجميع وسط النخبة المحلية وعلى مستوى الخبراء وسط قناعة يعبر عنها السياسي الإسلامي الدكتور رامي عياصرة وهو يتحدث لـ «القدس العربي» عن «رهانات سابقة» أخفقت في ترسيم «دور أردني فاعل» ويمكن الآن استدراكها في حال تبديل الأولويات.
طوال فترة «المخاض» التي سبقت إعلان شرم الشيخ الأخير بخصوص «المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في غزة»، بقيت عمان مهتمة جداً بالبحث عن إجابة لسؤال ما بعد غزة، على أساس قناعتها بوجوب العودة لـ «شرعية السلطة الفلسطينية»، والتشبيك الفوري العضوي بين ما يحصل في غزة مع ما سيحصل لاحقاً في مسار الضفة والقدس، وصولاً إلى المهمة التي يقترح وزير الخارجية الأسبق مروان المعشر مجدداً أنها «لا تزال غير واقعية» بعنوان «حل الدولتين».
رصد الخبراء مبكراً جرس الإنذار الأردني المرجعي الذي قرع في أذن الرئيس الأمريكي على هامش اتصال هاتفي جمعه بالملك عبد الله الثاني. وما يفهم من رسائل الإعلام المحلي التي تسربت، أن القيادة الأردنية حذرت نظيرتها الأمريكية من «الإجراءات التصعيدية» التي يرتكبها اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس.
لا توجد أدنى «ضمانات» لا للأردن ولا للسلطة الفلسطينية، من الجانب الأمريكي لها علاقة بانعكاسات وقف الحرب في غزة على المشهد الفلسطيني برمته.
وفيما بقيت عمان مهتمة بإطلاق قطار ترامب نحو الضفة والقدس، شوهد المتطرف إيتمار بن غفير وقد سمح «نظام تل أبيب» -على حد تعبير الوزير الصفدي- له بالرقص في حرمي القدس والخليل، مع مجموعات كبيرة من عتاة الاستيطان.
لوجستيات توصيل المساعدات لغزة ليست الورقة الوحيدة التي تملكها عمان
توقعات الوزير الأردني الأسبق المسيس، وجيه العزايزة، التي سمعتها «القدس العربي» مباشرة، أن تغييرات هائلة في طريقها لإعادة الترقيم والتسمية في المنطقة، وأن اليمين الإسرائيلي المتشدد «بدأ يغادر اللعبة» وسيبدأ لاحقاً في «تلقي الضربات المتتالية».
«رقصات بن غفير»
بيان وزارة الخارجية، رداً على «رقصات بن غفير»، لم يكرر العبارات الكلاسيكية من الشجب والاستنكار، بل «لوح بتحذير شديد اللهجة» فكرته أن على الحكومة الإسرائيلية أن تتوقع العواقب الوخيمة، وهي إشارة تكرس قناعة غرفة القرار الأردنية بأن العلاقات والاتصالات مع طاقم نتنياهو هي في حال «قطيعة» غير قابلة لا للتعايش ولا للتكيف سياسياً، حتى وإن حاول الأمريكيون.
عمان متحمسة بشدة لـ «مبادرة ترامب» بشأن غزة لسبب ذكر عرضاً في حوار خاص استضافه القصر الملكي مؤخراً بعنوان «بروز موقف عربي وإسلامي موحد هذه المرة في حضرة الأمم المتحدة والإدارة الأمريكية».
الإشارة هنا إلى مشاورات نيويورك الشهيرة قبل أكثر من أسبوعين، وما تقدره المؤسسة الأردنية مسبقاً أن نجاح ترامب في وقف الحرب على غزة يمثل «فرصة لا بد من استثمارها» عبر التشبيك بينها وبين مسار «حل الدولتين» الأوروبي المتفاعل.
وليس سراً أن الغرفة الأردنية لديها انطباع وتوقع مسبق لـ «شروط الاستثمار في تلك الفرصة» حيث الفرضية التي تقول إن مشاريع اليمين الإسرائيلي في التوسع تعرضت لـ «انتكاسة أمريكية»، والأمريكيون بصدد «نقطة تحويل» لا بد من استغلالها في سياق «خطوة تنظيم» وضمن صيغة تحرص على «بقاء الزخم».
وليس سراً أن ثمة «تعريفاً متداولاً» لشروط الاستثمار تلك، يبدأ من الحرص الشديد أردنياً على الدخول إلى ملف غزة الإقليمي من نافذة «لوجستيات الإغاثة» ما دام قد تعذر الجلوس على طاولة الوساطة المباشرة لأسباب «داخلية» على الأرجح، فيما الحرص على إعادة «شرعية السلطة الفلسطينية» وإدخالها في المرحلة الثانية لمفاوضات وثيقة ترامب، أصبح الانشغال الأهم للحياكة الأردنية؛ حفاظاً على الزخم المشار إليه.
عمان بدأت مبكراً تتخيل مشهداً إسرائيلياً انتقالياً يخلو من ثنائية سموتريتش- بن غفير، ويطوي صفحة نتنياهو نفسه، و«يجدد في السلطة» عبر تقييم الوقائع في «مجموعة رام ألله»، ويقنع العرب في الكيان الإسرائيلي بالاستعداد المبكر للمشاركة بكثافة «تصويتية» وحد معقول من الوحدة في انتخابات إسرائيلية مبكرة باتت في التوقع القريب الآن، حتى لا تعبر المنطقة برمتها بنفس تجربة العامين الماضيين.
وتبقى هناك انعكاسات مهمة واستثنائية لما سيحصل في الملف الفلسطيني لاحقاً على «معادلات داخلية» ًمهمة يمكن أن تناقش لاحقا.