اراء و مقالات

أين الحصافة؟… الأردن: أسطوانة «ندم» متأخر وبأثر رجعي على «نزاهة الانتخابات»

عمان- «القدس العربي»: كيف يمكن مطالبة الناخب الأردني بالحصافة بأثر رجعي وبعد الانتخابات؟
هذا سؤال يميل بعض الكتاب والمحللين بطريقة عبثية إلى طرحه على نحو مفاجئ تمهيداً فيما يبدو لسيناريو حملة جديدة ضد فكرة النزاهة الانتخابية، لا بل ضد نتائجها أيضاً قد تساهم في التنظير المبكر لاحتمالات بروز صراع بين السلطتين قد ينتهي بحل البرلمان مجدداً.
نشرت مقالات حول تلك الحصافة المتـأخرة تنطوي على ندم وانتقاد مباشر للمواطن الناخب، فكرته أنه مارس حريته في اختيار ممثليه البرلمانيين.
والمشهد هنا يحمّل أو يحاول تحميل الشعب وخياراته مسؤولية أي إخفاق رسمي في إدارة العلاقات والمصالح مع المعسكر الحليف دولياً وعربياً للأردن، وعلى اعتبار أنه، أفقياً، معسكر لا يرغب بوجود الإسلام السياسي.
بعض التعبيرات مؤخراً عادت لقدر من التذاكي في توجيه اللوم لنحو نصف مليون ناخب أردني قرروا التصويت لممثلي الإسلام السياسي.
ومشروع الشيطنة هنا للإسلاميين مستمر، لكن بطريقة غريبة اليوم تحاول تحميل المستوى الشعبي مسؤولية نتائج الانتخابات، بمعنى الإضرار بمصالح الدولة حيث ظهرت طبقة من “النادمين” على نزاهة الانتخابات.
ما يلفت النظر في هذا المستجد هو بروز محاولات جديدة للعودة إلى المربع القائل بتقارب ما بين الإخوان المسلمين والجمهورية الإيرانية، رغم عدم وجود أي دليل على هذا التقارب، وأيضاً المربع القائل إن صعود الإسلام السياسي في البرلمان الأردني قد يؤذي مصالح البلاد مع الدول الصديقة والحليفة.
قمع الإسلام السياسي والتدخل في الانتخابات ضده مرتين على الأقل منذ عام 2011 لم يثمر في الواقع باتجاهين بعد:
الأول، عدم وجود مكاسب استثمارية أو عوائد اقتصادية ساعدت الاقتصاد الأردني بعد محطات الهندسة والتدخل في الانتخابات.
والثاني، عدم رصد أي تقلص أو تقليص في مخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي تحديداً بعدما أبعد الإسلاميون استهدافاً عن منابر المساجد ومناهج التربية والتعليم، ثم عن الانتخابات وتفاعلاتها.
تلك وقائع سياسية لا ينكرها عاقل، برأي المحلل السياسي مروان الفاعوري، الذي أعاد التأكيد عبر نقاش مع “القدس العربي” على أن نتائج الانتخابات الأخيرة تقول ما يريده الشعب. وعلى تلك الاجتهادات المسمومة التي تحاول التفريق ما بين الدولة وشعبها أن تحترم نتائج الصندوق.
المفارقة التي طرحها في مقال نشرته صحيفة “عمون” الإلكترونية صباح الأحد لكاتبه الدكتور هيثم العقيلي، بدت واضحة في الإشارة، تلميحاً إلى أن الموقع الطبيعي للسياسة الأردنية بين الدول الشريكة التي تحتفظ بموقف حاد من الإسلام السياسي.
ما اقترحه العقيلي غامض في الواقع، وهو يتبنى مقولة إن على الناخب الأردني أن يكون حصيفاً.
سر الغرابة هنا أن الحصافة تعبير عن احترام إرادة الناخب مهما كانت وليس العكس، وفي تقدير الفاعوري وآخرين مثل هذه “اللطميات” المبكرة بسبب نتائج الانتخابات التي كانت حرة ونزيهة إلى حد معقول، ليس أكثر من محاولة للعودة إلى الوراء.
في الواقع، إشكالية السؤال أعقد قليلاً سياسياً عندما يتعلق الأمر بأي محاولة في عمان اليوم لتصور ما يمكن أن ينتج عن إدارة العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، في ظل برلمان فيه كتلة صلبة لا بل تمثل الأغلبية وتعبر عن الإسلام السياسي، وفي ظرف يقر فيه حتى أقطاب الحركة الإسلامية البرلمانية مثل المحامي صالح العرموطي، بأن الشعب الأردني قال كلمته جزئياً في الانتخابات بدعم المقاومة وأهل قطاع غزة. الظرف حساس ومعقد، وبدلاً من الانشغال بما يقترحه العرموطي ورفاقه من بحث عن مساحات وطنية مشتركة تجمع عناصر التوافق على حماية الدولة والوطن، انصرفت بعض المقالات والتعبيرات بدلاً من ذلك في اتجاه العودة لشيطنة الحركة الإسلامية، لا بل اقتراح شائعات تخصها، بما في ذلك الحديث المكرر الممجوج عن تنظيم للإخوان المسلمين داخل التنظيم.
في المقابل، الخائفون من الخط الإسلامي السياسي في البرلمان بعد انعقاد الدورة العادية يوم 18 من الشهر المقبل، لا يعلقون على المفارقات التي تقول إن الأردن ومصالحه في الخطر اليميني الإسرائيلي اليوم بسبب خيارات الناخب الإسرائيلي الذي يصوت لحكومة حرب أسست للعدوان على غزة، ثم على لبنان، وقصفت في سوريا والعراق واليمن، وهي نفسها الحكومة التي أعلنت بناء جدار عازل في الأغوار على الحدود مع الأردن، ثم قال رمز بارز فيها: “الأردن بعد لبنان”.
ولا يقول هؤلاء ما هو موقفهم من المخاطر التي ستنتج عن مشروع توسيع إسرائيل باتجاه شرق الأردن حتماً التي يعلنها المرشح الرئاسي الأمريكي دونالد ترامب، حيث لا يتهم الناخب الأمريكي هنا بأنه فقد الحصافة، مع أن خياراته الانتخابية في التصويت إحلالية؛ بمعنى توسيع إسرائيل على حساب الأردن، كما صرح المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة.
البرلماني والسياسي العريق الدكتور ممدوح العبادي، كان عملياً وحتى قبل يوم 7 أكتوبر، أول من علق جرس المخاطر عندما شرح لـ “القدس العربي” وغيرها قائلاً إن البرنامج الذي انتخب على أساسه بنيامين نتنياهو وطاقمه وفي بند صريح بالنص، يعتبر الأردن جزءاً من إسرائيل الكبرى.
مؤخراً، أضاف العبادي تلك الإشارة التي تقول إن هذا البرنامج الذي انتخب رموز التطرف على أساسه، ينفذ الآن.
والمعنى هنا في المفارقة المرصودة.
الذين يوجهون اللوم اليوم في عمان للشارع والناخب ويتهمونه بعد الانتخابات بعدم الحصافة، لا يتحدث عن تلك الحصافة الديمقراطية التي ينتج عنها إيذاء الأردن والمساس بمصالحه العليا عبر تصويت الناخبين في إسرائيل والولايات المتحدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading