اراء و مقالات

أيهما يقود الآخر في الأردن: الرسمي أم الشعبي؟… وعزف يستهدف “حرمان الدولة من سلاح الشعب”

عمان – “القدس العربي”: لا مبرر لطرح السؤال من الأساس إذا كانت النوايا إيجابية والهدف صياغة معادلة وطنية أردنية فكرتها الاستثمار في الموقف الشعبي لصالح الثوابت الملكية المعلنة.

أيهما ينبغي أن يسبق أو يقود الآخر.. البوصلة الرسمية أم قوى الشارع؟

هذا هو السؤال الذي يحاول بعض البيروقراطيين والسياسيين والإعلاميين طرحه في المناخ العام بهدف إعاقة ترسيم حالة وطنية وشعبية رسمية موحدة على هامش الهوس الوطني في الإجابة عن سؤال التصدي لخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي باتت معلنة بتهجير الفلسطينيين إلى فلسطين ومصر.

سؤال يطرحه بخبث سياسي ملموس من لهم مصلحة في عمان بتثبيت حالة فصام بين السياقين الشعبي والرسمي.

انشغال الأردنيين عموماً بالتفاعل مع لغز الإجراءات المطلوبة لصد العدوان الأمريكي الإسرائيلي المقبل وفقاً للوصف الذي استخدمه بحضور “القدس العربي” أمس رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، هو الأساس في الحالة الشعبية بعد حديث ترامب الشهير على سلم طائرته.

بالمقابل، بدأ البعض يطرح مفارقات تحذر الدولة ومركز القرار من الانسياق وراء الجماهير ومن كلفة وفاتورة اتخاذ موقف رسمي مدعوم شعبياً إلى درجة كبيرة، علماً بأن الاجتماع والتوحد في مساحة توافق من هذا الصنف بحد ذاته قد يكون مطلوباً، لا بل من الأساسيات؛ نظراً لظروف الإقليم والوضع الاقتصادي في البلاد.

حفلت منصات التواصل الاجتماعي الأردني وأذرع الإعلام الأهلي وليس الرسمي، بالمقالات والتساؤلات والاجتهادات تحت عنوان تحشيد وتجميع الموقفين الرسمي والشعبي ضد خطط ترامب المعلنة وفي وقت قصير واستثنائي.

 رافق ملامح الهبة الشعبية محاولات مرصودة لفرملة المكون الجماعي الجديد بطرح أسئلة من النوع المعيق، تحذر في باطنها الخفي من إعلان مواقف رسمية من الطراز الذي يتماشى مع الشارع على اعتبار أن ذلك، وإن كان مفيداً في إدارة العلاقة التفاوضية مع الأمريكيين والرئيس دونالد ترامب، قد يمنح قوى الشارع الأساسية المزيد من المساحات المؤثرة في القرار السياسي.

هنا حصراً تطل بين الحين والآخر، وخصوصاً من بعض الكتاب المقربين للسلطات، سيناريوهات التحذير من التيار الإسلامي مجدداً، ومن كلفة انجرار القرار والتصريح الرسمي إلى سياق شعبوي يقوده أو يؤثر فيه الإسلاميون.

تلك تحذيرات تعزف مجدداً نغمة تخويف القرار ولا تأخذ بالاعتبار ما يقوله السياسي والخبير الاقتصادي والوزير الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، عن مخاطر مختلفة وحقيقية هذه المرة وهو يعلن مرة عبر وسائل الإعلام ومرة بحضور “القدس العربي” أن الأردن ومصر ليسا معنيين بحل مشكلة إسرائيل. والاستنفار الوطني مطلوب للدفاع عن الأردن.

عملياً، من يحاولون إعاقة مسيرة عامة في البعد الوطني بطرح أسئلة معيقة، لا يريدون الالتفات إلى جوهر حقيقة المشهد القائل بأن الدولة الأردنية عليها استخدام الموقف الشعبي وليس اتباعه في كل الأحوال.

وهي جزئية يحذر منها المحترفون في نثر الإحباط العام أيضاً؛ لأن مصالحهم الذاتية قد تتطلب بقاء مسافة عزلة بين مزاج الشارع والقرار والإجراءات.

ثمة ما يشير بالمقابل، إلى أن الأردن يستطيع التعاطي مع معادلة ترامب الجديدة حتى وإن كانت بعض الفلاتر البيروقراطية منشغلة في تبرير التقصير الملحوظ والمرصود في أذرع الإعلام الرسمي، بما فيها إعلام مؤسسة القصر، حيث لا يوجد رسمياً سردية وطنية أردنية حتى اللحظة أو رواية يراد لها أن ترد على اقتراحات الرئيس الأمريكي أو تعيد احتواء الموقف الشعبي وراء الثوابت، فيما تعزف بعض الآراء والأقلام على وتر الأسئلة المألوفة ضمن هندسة الإعاقة، مثل: أيهما ينبغي أن يقود الآخر… الشارع أم الحكومة؟

وهي أسئلة طبعاً يمكن الاستغناء عنها؛ لأن الإحاطة رسمياً بموقف شعبي تعزز وتحمي القرار السياسي وليس العكس.

وثنائية الشعب والدولة في مواجهة سيناريو ترامب التهجيري لا تشكل خطراً على الدولة وثوابتها، لا بل الأخطر هو الإصرار على تحذير القرار الرسمي من اللحاق بموقف الشارع، أو العكس.

يطالب الأردنيون اليوم بالالتفاف حول قيادتهم وثوابتهم، لكن عند الوقوف على محطة الاستفسار عن الكيفية الإجرائية في إنجاز وإنتاج ذلك الالتفاف، يظهر نقص التفاصيل من جهة الحكومة وتتسلل أسئلة الإعاقة والعرقلة.

ومع أن الدكتور الحلايقة أبلغ صحيفة “جو 24” الإلكترونية، أن المساعدات الأمريكية ليست مجانية للأردن، حيث القواعد العسكرية الأمريكية موجودة وستبقى، غير أن مقولة الاستنفار الوطني دفاعاً عن الأردن من الصعب تثبيتها في وقائع الخارطة السياسية بدون ميكانيزمات وآليات تحدد كيفية ممارسة دعم القرار السياسي المستقل في وجه مخططات ترامب واليمين الإسرائيلي، أو كيفية ممارسة الالتفاف حول الثوابت والقيادة.

يمكن طرح بعض الأسئلة المعيقة تحت عناوين التحذير من كلفة اللحاق بالموقف الشعبي أو العكس في حالات الاسترخاء، وليس في الحالة التي يطرق فيها الخطر الآن -برأي المصري وغيره من كبار الخبراء- أبواب ونوافذ الأردنيين.

بدلاً من التسلل السام بأفكار وتساؤلات تسعى إلى فرملة الاندفاع تحت عناوين مثل التكيف ومناقشة ومفاوضة الإدارة الأمريكية بعيداً عن الإعلام والجمهور، يمكن تحفيز وتشجيع إعادة بناء تصور وطني للتصدي مادام وزير الخارجية أيمن الصفدي قد استعمل تحت قبة البرلمان عبارة “سنتصدى للوطن البديل” عبر اتخاذ إجراءات جريئة ولو لأول مرة، من بينها الاستعانة بسلاح الموقف الشعبي العارم.

العودة للداخل الأردني أحد أكثر الأسلحة المؤثرة دبلوماسياً في يد صانع القرار الأردني أثناء الاشتباك التفاوضي مع ترامب أو غيره، واللافت في النقاش العام أن من يحذرون الآن من التوظيف والاستثمار في هذا السلاح المهم للدولة هم ذاتهم رموز ودعاة التكيف الضار، وهم ذاتهم الذين لا يريدون تأسيس حالة التحام وطنية إزاء ومقابل خطر وجودي وكبير اسمه التهجير.

يبقى السؤال في الواقع، ليس من ينبغي أن يقود الآخر في لعبة الشارع والمؤسسات، بل يصبح: لماذا يصر البعض على تحذير الدولة من استعمال سلاح الموقف الشعبي؟

أهمية طرح السؤال الأخير تكمن في أن ملفاً مثل تهجير الفلسطينيين، يحظى بأكبر نسبة توافق بين مكونات الأردنيين جميعها، الأمر الذي لا يحصل تجاه القضايا الأخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading