«استدارة وخفايا العقبة»… الأردن في «الطهي» ويراسل السوريين بصيغة «معكم ولكن»
عمان- «القدس العربي»: سياسياً يمكن قراءة بذل الأردن خلال 4 أيام جهداً إضافياً في التحضيرات الاستثنائية التي أشرف عليها وزير الخارجية أيمن الصفدي لإنجاح لقاء العقبة، الذي خرج بدوره بقرارات تدعم فيما يبدو في إطارها العام التحول الذي يجري الآن في سوريا، ثم تضع على مفاصله وفصائله بعض “القيود والشروط” تحسباً للمزالق والانفعالات.
سياسياً، يمكن قراءة الانشغال الأردني بالتفاصيل باعتباره استدارة استدراكية ليس فقط للجلوس على طاولة التحضيرات الإقليمية للملف السوري، ولكن أيضاً للاحتراز مما يراه الأردن من الخطوط الحساسة أو الحمراء في المشهد السوري، خصوصاً في جزئية الصعود مجدداً باعتبارات “الإسلام السياسي” وشروحات الربيع العربي بنسخة مستحدثة منها.
لقاء العقبة شهد حضوراً كبيراً لوزراء خارجية كل الدول المعنية بالملف السوري وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية.
استضافة العقبة لهذا الاجتماع المهم والحيوي تؤشر إلى استدراك أردني يحاول اللحاق بما يجري ترتيبه من ملفات وأوراق “المسألة السورية” باتجاه ما أعلنه الأردن رسمياً سابقاً بعنوان دعم تمكين الشعب السوري وحقه في تقرير مصيره، واستعادة حقوقه، والعمل على الاستقرار داخل سوريا التي عانت كثيراً كما عانت بسبب معاناتها المنطقة والجوار.
لاحظ الجميع أن غالبية وزراء الخارجية المشاركين في لقاء العقبة تحدثوا للإعلام.
ولاحظ الجميع أن الوزير الأمريكي أنتوني بلينكن، تقصد إظهار المعلومة التي تتحدث عن الاتصالات بين إدارة بلاده وهيئة تحرير الشام لأول مرة.
بلينكن بقي واضحاً وهو يشير إلى أن هذه الاتصالات مباشرة ودون وسطاء.
ما خطط له الوزير الأمريكي في السياق، هو إظهار أن الإدارة الأمريكية موجودة في عمق الهيئة التي تشرف على إدارة مؤسسات الدولة السورية الآن… تلك رسالة أمريكية برزت كضمانة بعدما عبر في اللقاء المغلق ثلاثة على الأقل من وزراء الخارجية العرب، عن مخاوف جوهرية من تداعيات تمكين فصائل إسلامية متشددة الحكم في دمشق.
في المقابل، وزير الخارجية الأردني في ظهوره الإعلامي على هامش لقاء العقبة عاد وحذر بصورة علنية مما يمكن وصفه بـ “الانتهازية” الإسرائيلية.
والقصد هنا التأشير على قناعة الأردن بأن ما يمكن أن يفسد المسارات في الحالة السورية المستجدة هو التصرفات الإسرائيلية العسكرية بما فيها من اعتداءات، في الوقت الذي ينشغل فيه المجتمع الدولي برمته بوقف إطلاق النار على أهل قطاع غزة.
في كل حال، فرد الإعلام الرسمي الأردني تغطية واسعة للقاء العقبة، الذي وصف بأنه أكثر اللقاءات أهمية وحيوية من الدول المعنية الكبرى والمحيطة في سوريا منذ حصل تحول ديسمبر الشهير في العاصمة السورية دمشق، خلافاً لأن زخم اللقاء تجلى من إنعاش ملف مطوي باسم “وزراء مجموعة التواصل العربية” بخصوص الملف السوري، وهي مجموعة كانت تأسست لإعادة سوريا إلى حضن الجامعة العربية.
الاستدارة الدبلوماسية الأردنية في الجلوس على طاولة الترتيب والدفع بمقترحات وأفكار، جزء منها يحاول التعاطي مع الحالة الإقليمية التي أسس لها المشهد السوري في تحوله الدراماتيكي مؤخراً، وجزء آخر يحاول توجيه الرسائل إلى الرأي العام في الأردن، محورها أن عمان طرف في عملية الطهي وفعالية المطبخ والتحضير، وأنها موجودة أو تقف على التفاصيل، وأنها جزء لا أحد في النهاية يستطيع تجاهله عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأساسية في المنطقة واستقرارها، كما قال لـ “القدس العربي” عدة مرات النائب والوزير الأسبق مازن القاضي.
يمكن بالتوازي القول بأن جزءاً لا يستهان به من استراتيجية الاستدارة الدبلوماسية الأردنية في الاختراق والاقتحام للملف السوري وتفاصيل بناء المستقبل السوري قد يكون الهدف منه داخلي بامتياز أيضاً.
المعنى هو تخفيف حدة خطاب التيار الإسلامي الذي يدعو الدولة الأردنية لانعطافة قد تكون حرجة وحساسة وقبل أوانها، بمعنى دعوة قادة التيار الإسلامي ولجوئهم إلى الشارع مجدداً في سياق الضغط على حكومة بلادهم لمساندة أو إعلان مساندة حكام دمشق الجدد.
وهو أمر تقدر كل الخبرات المتكدسة في مؤسسات القرار الأردني بأنه مستعجل وينبغي ألا تدار تفاصيله بمثل هذا التعجل قبل أن تستقر الأمور وقبل أن تتضح للأردنيين ولدول النظام الرسمي العربي ما هي الملامح المتوقعة للوضع العام في سوريا؟
أهمية لقاءات العقبة قد لا تقف عند هذه الحدود. والأردن في هذه الاستدارة يريد توجيه رسائل للمؤسسات الحاكمة الآن في دمشق أو التي تحاول السعي نحو الحكم وللرأي العام السوري صيغتها “معكم ولكن”.
سياسياً، تلك الصيغة تريد الاطمئنان لتحول آمن لا يلحق ضرراً بمصالح الأردن ولا يؤسس لامتحانات أمنية، ولا ينتهي بطغيان العنصر التركي فقط على القرار بسوريا الجديدة، بمعنى تثبيت وجود الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.
تصبح استدارة العقبة بمعنى التفاعل مع الواقع الموضوعي والحرص على الوجود على رأس الطاولة لا بل في إطار التحضير أحياناً، خطوة قد يكون المقصود منها تطبيع نوع من الاتصالات مع حكام سوريا الجدد، ولفت نظرهم إلى أن الأردن سيتعامل مع مواقعهم ومواقفه وأولوياتهم بعد الآن ليس فقط في ظل مصالحه، ولكن في ظل خطة إقليمية ودولية تحظى بقبول المجتمع الدولي.
وهو الأمر الذي دفع على الأرجح الوزير الصفدي لتكثيف رسالة الهجوم على الانتهازية الإسرائيلية حصراً في سوريا.
الانشغال في الملف السوري جزء من تفصيلاته التكتيكية قد يكون الرد على حملة إعلامية تقصدت فيما يبدو على نحو مفاجئ خلال الساعات القليلة الماضية تشويه موقف الأردن، والإيحاء بأن الأردن محسوب على صفوف النظام السوري السابق وحاول مساعدته، مع أن المقصود دوماً كان مساعدة سوريا وليس نظامها.
تراثيات عمان في التواصل مع الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قد لا تزيد عن تلك النصائح التي قيلت له عدة مرات وتجاهلها تماماً، لا بل انقلب على بعضها حتى وصل إلى المصير الذي وصل إليه.