الأردني و«الحقوق المنقوصة»… ليس الآن
الأردن يبقى الأردن وفلسطين لن تكون إلا فلسطين ومسألة الحقوق والمزايا تصبح مجرد ترف إذا ما أصبح التحدي وجوديا ويخطط لابتلاع وطننا الأردني بعدما ابتلع وطننا الفلسطيني
بوضوح وبدون مراوغة أو لف ودوران نقولها: الانتقال المفاجئ إلى مجتمع المساواة في الحقوق السياسية في الأردن.. ليس الآن بالتأكيد.
.. شاركت مجموعة من خيرة الأردنيين قبل نحو ست سنوات ونصحنا الدولة ودائرة القرار بالانتباه إلى هوامش الإقصاء وغياب العدالة والمساواة وحذرنا من وجود قواعد وأصول بيروقراطية تبرر سحب الجنسيات وتقونن قواعد اللعب الخاطئة.
وجهت المجموعة للملك رسالة شهيرة عبرت عن الأمل باسم المبادرة الوطنية للمساواة في أن تستدرك الدولة ويحتاط أصحاب القرار. وكانت مبادرة تقترح وجها لوجه أن تستيقظ الدولة وتقرر إصلاح القواعد المختلة في إطار من المسارات الوطنية وبما ينسجم مع مصالح الدولة والناس معا.
الحديث في ذلك الوقت كان من القلب إلى القلب وله هدف واحد ومركزي بعنوان وطنية التفكير والتدبير واتخاذ الإجراء اللازم والضروري بقرار وطني ذاتي قبل أن يقرر الآخرون وقبل أن تتغير ملامح المنطقة وقبل أن يحاول المجرمون الظلمة الذين يتحكمون بالسلاح والنفط تقديم المزيد من الخدمات المجانية للعدو الإسرائيلي.
قالت وثيقة تلك المبادرة ما قالته لصانع القرار وهي تنصحه واتهمت وتم تخوينها آنذاك. ولا أذيع سرا اليوم وأنا أكشف عن مضمون تواصل معي شخصيا باسم الجنرال فيصل الشوبكي مدير المخابرات الأسبق وهو يأمر بخشونة بـ«إغلاق دكانة المبادرة». لا أذيع سرا والوسيط لا يزال على قيد الحياة وأنا أجيب على ذلك الأمر العبثي قائلا «للأسف يا باشا.. مفتاح البقالة ليس بحوزتي».
كانت الفكرة أن تتحرك الدولة في إطار رؤية وطنية لإصلاح مظاهر الخلل والتهميش والإقصاء ليس فقط لأبناء شريحة المكون الفلسطيني في الأردن ولكن لكل الشرائح والمكونات التي لا تجد نفسها في الواقع السياسي وفي صناعة القرار. والفكرة أن الجامعة والمركز الأمني والمستشفى والوظيفة لكل الأردنيين وبدون استثناء.
قيل هذا الكلام لأصحاب القرار قبل انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة وقبل تعيين السفيرة آليس ويلز ممثلة لواشنطن في عمان. وقيل قبل ولادة نجم اسمه جاريد كوشنر وقبل الجنوح المجتمعي الإسرائيلي للتشدد والتطرف.
قيل هذا الكلام لدوائر القرار على شكل نصيحة وطنية نقية بأوراق عمل علمية قبل ولادة ما يسمى بصفقة القرن وقبل أن يظهر نتنياهو مع الميكروفون ليعلن ضم أغوار الأردن قريبا وشمالي البحر الميت.
تجاهلت مؤسسة القرار هذه الدعوات الوطنية لا بل اتهمتها وخنقتها وطاردتها قبل أن تخضع الدولة الأردنية لكل أنماط الابتزاز الرخيص والحصار المالي والاقتصادي حتى تصبح المناخات مهيأة للسيناريو البديل. قلنا مرارا وتكرارا بأن مستوطنات نابلس لا تهدف لإخضاع نابلس نفسها فهي محتلة عمليا بل تخطط لإخضاع عمان ومكة.
أي حديث في هذه المرحلة تحديدا عن المزيد من الحقوق السياسية لأبناء مكون الفلسطيني في الأردن مشبوه ومريب. أي حديث عن تغيير صفة اللجوء وتحويل المخيم إلى حصة او كوتا تمثيل في برلمان الأردن مرفوض.
أي نقاش تحت عنوان المحاصصة البغيضة على أساس جغرافي أو مناطقي أو على أساس الأصول والمنابت مثير للريبة الآن ولا يمكنه أن يكون بريئا ولا نقيا لأنه في عهد كوشنر وصفقة القرن قد لا يخدم إلا المشروع الإسرائيلي الاستيطاني.
كاتب هذا المقال شخصيا دفع ثمنا غاليا طوال 15 عاما جراء دعوته الصريحة المباشرة لدولة المواطنة والمدنية.
كل أنواع التخوين وكل أصناف المعلبات الاتهامية نزلت كالمطر على رأس كل من انتقد أي اجراء له علاقة بسحب جنسية أردني.
وطالت الاتهامات دوما باسم الوطنية الأردنية المزعومة التي «يكاكي بعضها في عمان ويبيض في دمشق» أو حتى في أبو ظبي أو الرياض أو غيرها من عواصم العرب كل من نصح واقترح دولة المواطنة والمساواة والعدالة والمؤسسات.
لا لبس ولا غموض.. كنا ولا زلنا مع المواطنة ومع حقوق متساوية لكل الأردنيين. لكن أي حديث من هذا الصنف وفي هذه المرحلة الصعبة يمكن طبعا تأجيله وأي حديث ينتمي إلى عائلة المحاصصة والحقوق المنقوصة أو المكتسبة يصبح مريبا إذا ما نضج وتفاعل تحت وطأة حصار اقتصادي وهوامش تنهش بالدولة والمؤسسات وبوصلة مجتمع يترنح بسبب الأسعار والضرائب وارتفاع كلفة المعيشة.
باختصار ومن الآخر وتجنبا للشبهات.. الأردن يبقى الأردن وفلسطين لن تكون إلا فلسطين ومسألة الحقوق والمزايا تصبح مجرد ترف إذا ما أصبح التحدي وجوديا ويخطط لابتلاع وطننا الأردني بعدما ابتلع وطننا الفلسطيني.
نصوت طوال الوقت لدولة المواطنة والحقوق والقانون لكن ليس إطلاقا على أساس المنبت والأصول أو الجغرافيا. لكن أي تغيير في ظل ميزان الصراع الحالي داخل التركيبة والتوليفة الأردنية نقول له وبملء الفم « ليس الآن « وسنكون مع شرفاء الأردنيين ضد «السيناريو البديل».