اراء و مقالات

الأردن: أكاديميون يغادرون «الصمت»… عدة وزراء بين الفخاخ وملامح عودة لتجاذب مراكز قوى

عمان ـ «القدس العربي»: الانطباع سياسياً يمكن تأسيسه ببساطة عند استنتاج الهدف الذي دفع 70 أكاديمياً من أبرز أساتذة الجامعات في الأردن لإصدار بيان صباح أمس الأحد، يعلن تأييد ما جاء به وزير التعليم العالي الدكتور عزمي محافظة بشأن حقيقة أوضاع الجامعات في البلاد.
بيان أساتذة القطاع الجامعي هنا يحاول توفير مظلة توفر ما تيسر من حماية لما قاله محافظة، بل والوزير ذاته، بعدما لامست صراحته وجرأته في التشخيص بعض مراكز القوى الموازية المعنية دوماً بتكنيس التراب تحت السجادة، بمعنى إخفاء الحقائق والوقائع عن الرأي العام، وأيضاً عن دوائر القرار والقيادة.
وضع الجامعات الأردنية لا يسر صديقاً، وما قرره الوزير محافظة هو حصراً التوقف عن إنكار الوقائع، ثم تحرك بيان الـ 70 لتوفير مظلة ما من المجتمع الأكاديمي بعدما بدأت تتسرب تقارير تشير إلى غضب رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان جراء تصريح وزيره للتعليم العالي، وإلى لوبيات بدأت تتحرك ضد الوزير وهي تدفع في اتجاه تعديل وزاري.
دلالة ذلك واضحة في بيان الـ 70 أكاديمياً؛ فقد خاطب الأساتذة جهتين حصراً في البيان، هما رئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب، حيث حراكات ضد الوزير محافظة مبكراً في المؤسستين لتدفيعه ثمن الجرأة في التشخيص الواقعي.
ما قاله محافظة عملياً خارج نصوص السرب المألوفة؛ فقد أقر بوقوع حالات باسم سرقة الأبحاث العلمية، وأقر في مفاجأة صدمت الجميع بأن بعض الجامعات المحلية تدفع مالاً بصيغة تضليلية للحصول على تصنيفات متقدمة ومن مؤسسات لا يعتد بها على الأرجح.

«سرقة أبحاث علمية»

بعض المذكرات البرلمانية اتهمت الوزير بالإساءة للقطاع التعليمي، وبدأت منصات التواصل تهاجمه على صراحته، أما رؤساء الجامعات الحاليون فلم يعجبهم كلام الوزير، بصور مرجحة.
مجلس الوزراء عموماً بدا وكأن الأمور في ملف الجامعات فجأته أو تفلت من بين يديه واحدة من أبرز الانعكاسات لصراحة وزير التعليم العالي، وهي أن الحكومة عموماً ظهرت مفككة نسبياً أو قليلاً، وأنها غير جاهزة لتفخيخ نقاش وطني نتجت عن صراحة وزير، مع أن الأخير أستاذ أكاديمي أصلاً ويؤمن بنزاهة العمل.
بيان الـ 70 أكاديمياً قالها بوضوح تحت عنوان أن ما ورد على لسان محافظة واقع مقلق لا يمكن تجاهله أو إنكاره.
تلك كانت عملياً خطوة غير مألوفة لرموز المجتمع الأكاديمي الذين يمثلون 17 جامعة، حيث الوسط الأكاديمي في العادة لا يحفل ولا يشارك في نقاشات عامة، ويسترسل في الصمت. لكن وجود صراع بين مراكز القوى المختصة أو المعنية هو الذي دفع عشرات الأكاديميين إما للتحرك ضد صراحة الوزير أو لمحاولة الدفاع عنه فيما مجمل سردية التصنيفات وانتحال الأبحاث العلمية قيد النقاش والجدل بين المختصين منذ سنوات.
وفي الواقع، ما قاله الوزير محافظة ليس مباغتاً ولا جديداً؛ فقد قيل مثله وأكثر منه قبل نحو أسبوعين على الأقل في لقاء مبرمج لنخبة الجامعات وبحضور الوزير والأمير المخضرم الحسن بن طلال، الذي يهتم منذ عقود بملف التعليم العالي.
لذلك، يمكن اعتبار تداعيات ما قاله محافظة وورد على لسانه من إقرارات مثيرة نمطاً مباشراً من الاختبار لنوايا حكومة التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي، وللكمائن التي انفجر بعضها كالألغام في حضن رئيس الوزراء الحالي الذي لم يجد ما يمنعه في عدة مناسبات من تجاهل الأحداث ومسارها والإصرار على أن أولوية حكومته اقتصادية فقط.
موقف الـ 70 أكاديمياً محطة سياسية من الصعب تجاهلها؛ لأن الأسرة الأكاديمية بالعادة تميل إلى التحدث في الغرف المغلقة وخلف الستائر وليس على المسرح وعبر الميكروفونات، الأمر الذي جعل بيان الأحد رسالة إنذار مبكر بالمعنى السياسي، على رئيسي مجلسي الوزراء والنواب الحرص على عدم تجاهلها وقراءة ما تنطوي عليه جوهرياً من إيحاءات ورسائل وعلى أساس ما ورد في البيان من العمل على تجاوز المخاطر التي تحيط بقطاع الجامعات بدلاً من التركيز على إنكار الوقائع وعلى شخص من قال الحقائق في الحكومة.

المشهد حاد

لكن المشهد ومع نهاية أسبوع حاد ومفعم بالضجيج حكومياً، لم يقف في ملف التعليم عند حدود بيان الأكاديميين الأخير؛ فالمسؤول البيروقراطي الأول في وزارة التربية والتعليم، وهو الأمين العام الدكتور نواف العجارمة، أقلق الجميع وأثار كل أضواء الانتباه والإعلام باستعارة مثل شعبي دارج على شاشة التلفزيون الرسمي عند التطرق للحديث عن المعلمين حصراً، قائلاً عبارة يفهم منها أن إشكالية نقابة المعلمين بمعناها الوطني على من تسبب بالحمل بها أن يتولى ولادتها.
هنا حصراً وفي استعارة لمثل شعبي «إللي حبلها يولدها» وعلى شاشة تلفزيون الحكومة، مؤشر إضافي مقلق ليس فقط على التلاوم البيروقراطي في وزارة تدمج التعليم العالي بالتربية والتعليم بقدر ما هي خطوة قد تكون متقدمة سياسية أيضاً يظهر فيها البيروقراط التربوي تبرؤه من فكرة إنشاء نقابة للمعلمين أصلاً.
ولم يكشف العجارمة وهو مسؤول بارز في وزارة التربية عن هوية من تسبب بالحملة، لكن العبارة هنا حمالة أوجه وقد تتجاوز التلاوم في اتجاه تهام إما جهات غامضة أو حكومة سابقة ولدت نقابة المعلمين في عهدها، الأمر الذي ينطوي مجددًا على خلط أوراق فجأة في حضن حكومة تشرف على استقبال عامها الأول باضطرابات هنا وهناك تظهر غياب الانضباط لا بل تنتج عن رموزها ليس في مجال التعليم فقط ولكن حتى في المجال الاقتصادي صاحب الاولوية عند رئيس الوزراء. أحد الوزراء أثار ضجيجاً إضافياً عندما إستعمل رقماً ضخماً يناهز 50 تريليون للإيحاء بفضاء استثماري غامض وبدون شروحات مفصلة. الرقم ضخم جداً ومرعب ونتج عن المشهد هنا حملة منصاتية اضافية تشكك بأرقام الحكومة سرعان ما ستنتهي لاحقاً وكما جرت العادة بجملة حكومية تشكك بالمشككين.
وفي الخلاصة وزارة الرئيس حسان في وضعها الحالي لا تبدو مستقرة. والمؤشرات تقول بأن البحث عن هوية من تسبب بحمل نقابة المعلمين أعقب وبسرعة الجدل والفوضى التي أثارها قرار الحكومة بحل كل المجالس البلدية فجأة في البلاد وتعيين موظفين لإدارتها ودون إيضاً شرح الأسباب والموجبات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading