الأردن: أيهما العدو أكثر… إيران أم إسرائيل؟
قد نختلف مع إيران لكنها ليست الطرف الذي يعتدي على الأردن بصورة مباشرة كما يفعل جيش العدو الإسرائيلي

تزامن استثنائي وغريب. فرقة جلعاد وهي أحدث تشكيلات العسكرية للجيش الإسرائيلي تعلن الخميس الماضي عن اكتمال بنيتها وجاهزيتها القتالية من خلال مناورات مكثفة على طول منطقة الأغوار الأردنية.
في التوقيت ذاته تماما كانت فضائية «المملكة» المحلية تصر على استضافة 4 متحاورين جميعهم يهاجمون إيران وكأن التنديد بالإيرانيين أصبح هدفا مطلوبا في عمان فيما يترك «المعتدي الإسرائيلي» وشأنه.
اجتهد القوم هنا مجددا بالعزف على وتر شيطنة إيران والإصرار كان غريبا وملفتا على مخاطبة غرائز ومشاعر المواطنين عبر تذكيرهم بأن المعركة كانت تخص النظام الإيراني ولا علاقة لها لا بالقدس ولا بالمسجد الأقصى.
الدولة الأردنية باختصار مطالبة بالكشف عن تلك الأسباب التي تجعل الجمهورية الإيرانية خطرا على مصالح الأردنيين حتى تصبح الرسالة أقوى وأمتن، ويمكن طبعا تأجيل «الهجمات الإعلامية» التي بدأت تثير نتائج عكسية وتعلي من قيمة الشعور بالخجل لا بل تستقطب حواضن المجتمع أكثر للرواية الإيرانية.
نحذر من استمرار العبث بالملف، ومن تداعيات إصرار شبه الرسمي على إنكار ما لا يمكن إنكاره من وجود عدو إسرائيلي خطير يتربص بالمملكة.
كنا نأمل ولو في بيان مقتضب صغير يعلق على تفكير فرقة جلعاد ولو من باب إظهار ولو قدر بسيط من الاعتراض على سرقة الاسم وبصيغة تراثية حمالة أوجه لأن «جلعاد» قرية أردنية بامتياز يسهر على جبالها الأردنيون عندما يرغبون بمشهد ليلي تظهر فيه بعض جبال نابلس وفلسطين المحتلة.
لا أحد اعترض أو أشار لسرقة الاسم التي تحمل مدلولات تلمودية مرتبطة بما قيل في مقرات القرار السيادي عن تخطيط بنيامين نتنياهو ورفاقه لحرب دينية في الإقليم والمنطقة.
النسخة الإسرائيلية من الاسم الأردني المسروق نفذت مناورات عسكرية على طوال حدود الأغوار والنبأ يتحدث عن محاكاة في التدريب لانفلات على الحدود مع أن الحدود من الجانب الأردني محمية باحتراف بشهادة المحلل العسكري والاستخباراتي نضال أبو زيد وهي ذاتها الشهادة التي نقلتها صحيفة « القدس العربي» في تقرير خاص لها.
في الوقت الذي يلطم فيه الأردنيون بجرعات وحقن تذكرهم بنظام الملالي لا أحد لا في وزارة الأوقاف ولا في استديوهات القنوات الحكومية يشير لا لجلعاد ووظيفتها وخطرها ولا لاقتحامات الإرهابي المتطرف إيتمار بن غفير التي انتهكت مساء الخميس الماضي وبنفس الليلة كل ترتيبات الوصاية الأردنية مجددا.
قد نختلف مع إيران لكنها ليست الطرف الذي يعتدي على الأردن بصورة مباشرة كما يفعل جيش العدو الإسرائيلي
نفهم أن الموجة التي تعيد التحذير من إيران أو تشيطنها تحاول معاقبة الإيرانيين على فكرة محاولة جر الأردن إلى الصراع.
ونفهم أن الرأي العام لديه من الوعي والخبرة والمعرفة ما يؤهله لاحترام أولويات الدولة واستفساراتها لكن تلك الموجة تجاوزت أهدافها، وبالغت في تحريض الأردنيين على إيران في محاولة لم تعد مفهومة خلافا لأنها في الواقع تتعاكس تماما في الشكل والمضمون مع الموقف الرسمي والمرجعي المعلن من موجة التصعيد الإسرائيلي الأمريكي الأخيرة ضد إيران.
بعض من يزعمون النطق نيابة عن الدولة يفصمون الجمهور لأن الموقف الرسمي المعلن يحدد إسرائيل بصفة الاعتداء، ويعتبر إيران الضحية لا بل يتضامن معها ويطالب الأمريكيين والمجتمع الدولي بـ«وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية التي تعصف بأمن واستقرار المنطقة».
العبارة الأخيرة منحوتة بالحرف والنص عن بيانات رسمية أردنية فيما أداء بعض المحللين والمغردين مخالف تماما لتلك النصوص ولمضمونها حتى بتنا لا نعرف كمواطنين ما الذي تريده منا أجهزة الإعلام الرسمي ورموزها،
ولا ما الذي تقوله لنا الحكومة وهي تصر على وضع كل مساحة البث في حضن أولئك الذين يضربون على الدف ويلاحقون إيران.
لا ضرر طبعا في التشكيك بإيران، والشعب الأردني يتذكر بالتأكيد الأداء الطائفي المقيت للإيرانيين وأنصارهم في العراق وسوريا. ولا حاجة لإلقاء محاضرات على الأردنيين في هذا الباب. لكن الطرف المقابل اليوم إسرائيل التي تبيد الأطفال والنساء في غزة وتخلط كل أوراق الديموغرافيا بالقرب من 6 تجمعات سكانية في الضفة الغربية حتى تصبح الظروف ملائمة ومواتية لتطبيق التهجير وفي اتجاه الأردن. ممارسات الإيرانيين في الماضي قيد التساؤل.
ولا أحد ينكر طائفيتها في بعض المراحل من التاريخ. لكن من غير المنطقي الاستمرار في الضرب على هذه الأوتار الآن ومنح العدو الإسرائيلي صكوك براءة دون تحميله أدنى مسؤولية عن الجرائم والاعتداءات.
وظيفة وسائل الإعلام الرسمي هي الدفاع عن مواقف الدولة لا بل تمثيلها وعن مصالح الشعب الأردني وليس تجاهل الدور الإسرائيلي في كل ما يجري لا بل تجاهل العدوان الإسرائيلي على مقدسات الأردنيين ومصالحهم الأساسية وأهمها الوصاية في القدس والحدود على الأغوار.
قد نختلف مع إيران لكنها ليست الطرف الذي يعتدي على الأردن بصورة مباشرة الآن ولا يوجد فيها فرق وتشكيلات عسكرية بأسماء قرى أردنية كما يفعل جيش العدو الإسرائيلي.