الأردن: إعلام «التفتيت» ينجرف مجددا… ما علاقة «الهوية الوطنية» بالإجراء «ضد الإسلاميين»؟

عمان- «القدس العربي»: هل هناك علاقة من أي صنف بين قرارات الحظر التي طالت أهم التعبيرات الأردنية المحلية المعنية بالإسلام السياسي، وبين الانغماس مجدداً فيما يفترض أن مسار التحديث السياسي تجاوزه تحت عنوان «الهوية الوطنية»؟
سؤال لا تريد النخب السياسية والبرلمانية، لسبب غامض، الإجابة عنه بعدما لاحظ الجميع أن حملة شرسة قد تسيء إلى الوحدة الوطنية تهاجم بعض المكونات الاجتماعية رغم كل التحذيرات التي سبق لوزير الداخلية، مازن الفراية، أن أطلقها علناً بعنوان مساءلة مروجي الكراهية وتفتيت عضد الدولة.
اتخذت السلطات قرارات ذات بعد أمني وسيادي لا أحد يعترض عليه، بما فيها قرار حظر الجماعة الأهم في الحركة الإسلامية.
لكن السؤال قفز إلى الواجهة مع ظهور مقالات وتعبيرات على نحو مفاجئ تحاول قراءة إجراءات الحظر ضد الحركة الإخوانية وما سيعقبها لاحقاً باعتبارها معركة من أجل الدفاع عن الهوية الوطنية الأردنية مع أن السياق مختلف.
ذلك يحصل بوضوح أمام أعين الحكومة والسلطات في بعض وسائل وأذرع الإعلام الرسمي، حيث مقالات ونصوص تكثفت بدأت تزعم التحرر من قيود إعلان الهوية الوطنية أو تلمح؛ لأن استهداف التيار الإسلامي الهدف النهائي له هو تثبيت الهوية التي لا تحتاج لتثبيت.
تلك على الأرجح «قراءة منجرفة ومنزلقة» خارج النص المقصود منذ أعلنت الإفصاحات الأمنية عن «قضية أمنية جنائية» قد تنتهي، إذا ما سمح لها بالاسترسال والصمود، بحرف ملف التيار الإسلامي برمته عن سكته في جزئية أولوية السلم الاجتماعي.
مثل هذه القراءة لقرارات أمنية وسيادية وسياسية وقانونية اتخذت، بدأت تسيء إلى صورة النمط القانوني الذي اتبع في مسألة الحركة والتيار الإسلامي في الأردن، لأنها اتجاهات تعيد عزل السياق الأمني لا بل تسيء إلى الصورة التي تحاول المنظومة الأمنية إعادة بنائها باعتبار ما حصل -ابتداء من لحظة الإعلان عن خلية تصنيع الأسلحة وانتهاء بقرارات اعتقال وتحقيقات مالية أو سياسية وقانونية- جزءاً من «عملية وطنية» في بعدها القانوني والأمني قبل أي اعتبار آخر.
المتهمون أردنيون، والمحظورون كذلك، ومن سيحاكمون سيخضعون للمحاكمة باعتبارهم مواطنين أردنيين وليس باعتبارهم من شريحة اجتماعية دون أخرى. ومن خطط للدفاع عن «الأمن الوطني» لم يكن في ذهنه انزلاق النقاشات إلى مستوى قد «يخدش» الوحدة الوطنية عبر «إيحاءات» يعلم الجميع أنها «مختلة وموسمية».
لا السلطات ولا المحاكم تقرأ صفحات القيود المدنية وهي تقوم بواجباتها. لذلك لا مبرر ولا مسوغ للحديث في ملف الوحدة الوطنية إلا من زاوية سعي بعض الأشخاص «المواطنين» لتجاوز القانون والمساس بالأمن الوطني، كما ورد تماماً في نص البيان الرسمي الأمني الأول.
رغم ذلك، تتجه بعض النقاشات نحو مسار لا علاقة له بجذر الأزمة. وما يتضح من بعض التعبيرات أنها تحاول إعادة صياغة الموقف من الحركة الإسلامية باعتبارها ليست جزءاً من النسيج الاجتماعي أو باعتبارها منسلخة عن الدولة والمجتمع.
بعض الإشارات بدأت تطرق الأبواب التي حذرت منها وزارة الداخلية سابقاً بعنوان ترويج ثقافة الكراهية في أوساط وأوصال المجتمع.
واللافت جداً لنظر المراقبين السياسيين، أن التعاطي مع الملف الأمني وما أعقبه من إجراءات حظر تمس التيار الإسلامي يجب أن يخضع لمراقبة لصيقة، برأي الناشط الحقوق والسياسي عاصم العمري؛ حتى لا ينفلت عقال التعبيرات ضمن منهجية تسيء إلى الشعب والمواطنة، أو تدمر منجزات التحديث السياسي.
هذه -برأي العمري وغيره- مهمة أساسية يجب أن تتكفل بها الحكومة.
لا أحد في الصف الرسمي على الأقل تفاعل مع تدحرج الأحداث خارج نطاق المسار القانوني، ما يجعل ورود تعبيرات على مستوى بعض الشخصيات الرسمية أو على مستوى بعض أذرع الإعلام الرسمي ذات الصلة بالتقسيمات الاجتماعية، خطوة في الاتجاه المضاد تماماً للمضامين ذات البعد الوطني التي ينبغي قراءتها بعد الجهد الأمني ثم بعد قرارات الحظر.
أكد مصدر رسمي رفيع المستوى لـ «القدس العربي» مباشرة، أن كل فعاليات التعاطي مع الملف دافعها ومحفزها وإجراءاتها ضمن هيبة القانون وفقاً لأحكامه.
لا ترصد تدخلات اعتراضية، ولا أدلة أو قرائن على أن الإطار القانوني الذي تحرك ضد بعض تنظيمات التيار الإسلامي مؤخراً له علاقة بمسألة الهوية الوطنية.
وما يقترحه الملاحظ السياسي مروان الفاعوري هنا، هو الانتباه بحرص شديد حتى لا تنزلق النقاشات إلى مناطق تجاذبية تسيء إلى تراث الأردنيين وقيمهم أثناء الرغبة في تملق الموقف الرسمي أو التماهي معه.
رصد ت حالات فتنوية ودعوات انقسامية في وجه المجتمع على خلفية رد الفعل على الحظر، وذلك أمر مكلف في النهاية على المستوى الوطني، حتى إن رأى بعض مثيري الانقسام أن وظيفته نبيلة ووطنية.
لا تجوز الإساءة إلى الوحدة الوطنية على هامش الرغبة في تصفية الحسابات مع تشكيلات الحركة الإسلامية في البلاد، وفقاً للفاعوري الذي يحذر في نقاش مع «القدس العربي» من انفلات في التعبيرات عبر بعض النصوص والمقالات أو بعض منصات التواصل الاجتماعي من الطراز الذي اعتقد الجميع بأن قانون الجرائم الإلكترونية سيئ السمعة والصيت وجد أصلاً لمواجهته.
حذرت البيانات الرسمية عموم المواطنين من تجاهل تعليمات الحظر القانوني أو الالتفاف عليها أثناء التفاعل مع منصات التواصل الاجتماعي.
وردت هذه التحذيرات في تصريحات مباشرة لوزير الداخلية وفي تعميمات موازية لمديرية الأمن العام ووحدة الجرائم الإلكترونية وهيئة الإعلام الحكومية، حيث تلويح مباشر بأن الحسابات والتعليقات ستراقب تحت عنوان الالتزام والمساءلة القانونية.
يلاحظ المراقبون، في المقابل، على هامش إساءات إلى مكونات اجتماعية عريضة، أن تعميمات إضافية من هذا الصنف لم تتصدر على الأقل في سياق لفت نظر الرأي العام بأن المؤسسات عالجت مسألة أمنية ووطنية وقانونية بمهنية بعيداً عن إثارة النعرات والفتنة والعزف مجدداً على أوتار الهويات الفرعية.
لعبت جلسة موصوفة اختلطت فيها العديد من الأوراق لمجلس النواب دوراً في بعض الانجرافات والإساءات التي يقرأها الجميع ضد الوحدة الوطنية.
لعب الصمت الحكومي دوراً موازياً، وخصوم الحركة الإسلامية يحاولون الآن إثارة نقاشات وتعليقات وتصنيفات من الصنف الذي وصفه وزير الداخلية يوماً وعلناً بأنه «يفت في عضد الدولة».
الإجراءات ضد التيار استقرت، والشارع عموماً هضمها وينتظر التداعيات والنتائج بحرص على الاستقرار العام.
تلك الإجراءات اتخذت حفاظاً على هيبة الدولة التي قد تحتاج في ظل الإعلام الرديء الذي برز مؤخراً، إلى جملة اعتراضية في إطار القانون تقول للرأي العام ذاته بأن بوصلة القانون تطال أيضاً ليس من يخالف قرارات الحظر فقط، بل من يحاول تصفية حساباته بإثارة جدل مكونات لا مبرر له.