اراء و مقالات

الأردن «استكشف» المواقف في أوروبا… بعيداً عن «الهلع والصدمة»: هل المصالح «مضمونة أكثر» إذا هزمت إيران؟

عمان ـ «القدس العربي»: «لن نسمح لأحد باستغلال التطورات التي تشهدها المنطقة للتشكيك في مواقفنا الثابتة». هذه هي العبارة المرجعية الأردنية التي قرعت كالجرس اعتباراً من مساء الأحد في إطار الاسترسال بشرح الموقع الأردني من مسارات الاصطدام الخطرة والمنزلقة إقليمياً بين إيران وإسرائيل.
العبارة كانت عملياً العنوان الأبرز لاجتماع ملكي عقد مع قادة الأجهزة السيادية والأمنية ورؤساء السلطات التشريعية بعد سلسلة لقاءات ومشاورات واجتماعات لمجلس الأمن القومي الأردني، وبعد ـ وهذا مهم ـ زيارات استكشافية واستشعارية قام بها وزير الخارجية أيمن الصفدي في باريس وبرلين وإسطنبول قبل التواصل هاتفياً مع نحو 30 وزيراً للخارجية في المنطقة والعالم، ما يدل مباشرة على وجود حصيلة من التقييمات والمعطيات والمعلومات بين يدي دوائر صناعة القرار الأردني على الأقل بعيداً عن منطق الصدمة والمفاجأة والهلع.
لاحظ الجميع أن عنوان الاجتماع الأمني العريض برز بعد زيارات استكشاف لوزير الخارجية بعدما استندت سلسلة لا يستهان بها من التعليقات والمقالات والمخاوف وسط الداخل الأردني إلى ذلك الأساس الذي اقترح علناً بأن تمكن إسرائيل من إخضاع إيران في موجة التصعيد العسكري الأخيرة يعني صراحة أن الكيان الإسرائيلي في الخطوة التالية بمرحلة التهجير وضم الضفة الغربية وغزة، وحتى الأغوار الأردنية.
قالها بوضوح الكاتب الصحافي الأردني محمد الصبيحي، وأشار لها صباح الاثنين ضمناً الكاتب الصحافي محمد التل، ولم ينفها وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر الذي كان الوحيد من سياسيي الخبرة في مضمار التصريح والندوة والإدلاء بالرأي طوال الأيام الثلاثة الماضية.
تزايد شعور الأردنيين عموماً وبالرغم من ارتياب الدولة الشديد بإيران ومشروعها بأن حسم المواجهة في التصعيد العسكري لصالح تل أبيب، قد يدفع ثمنه النظام الرسمي العربي لاحقاً. وهو الرأي الذي سانده في نقاش مع «القدس العربي» نائب رئيس الوزراء الأسبق والخبير الدكتور محمد الحلايقة، الذي يصر على أن المؤسسة العربية عموماً ينبغي أن تقرأ بحصافة وحرص ما يجري الآن مع برمجة تعيد إنتاج حساب المخاطر بناء على اعتبار أساسي واحد لا لبس فيه، وهو أطماع اليمين الإسرائيلي العلنية والتي لم تعد على الورق.
الحلايقة هنا يلامس ما يقوله الأردنيون عموماً في نقاشاتهم ومجالساتهم من مخاوف مرحلة ما بعد تفكيك محور المقاومة، فيما يميل الإعلام الرسمي الأردني عموماً لتوجيه تهمتين لإيران لا أحد يعلم كيفية صياغتهما ولا خلفية العبور بهما الآن: التهمة الأولى هي تلك التي تقول إن أحد طرفي الصراع يحاول جر الأردن إلى المواجهة. والأخرى هي تلك التي تقول بأن معركة إيران أيضاً على النفوذ وليس من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى.
ورد مثل هذا الخطاب في مقالات وتعليقات لشخصيات رسمية، لكن اللغة الأرجح وسط الأردنيين هي تلك التي تقترح بأن الأردن ومعه النظام الرسمي العربي المعتدل أضعف بكثير في مواجهة اليمين الإسرائيلي إذا ما تمكن من إبعاد إيران وعزلها أو هزيمتها، ما يمنح المقولة المرجعية بعنوان الاستقواء على الأردن زخماً في التحليل والقراءة، حيث تعود المؤسسة المرجعية للتأكيد على ثوابت الأردن فيما يخص القضية الفلسطينية، ثم التأكيد على أن المملكة لن تسمح باستغلال تطورات الإقليم العسكرية للتشكيك بالثوابت.
هل توجد ضمانات محددة في هذا السياق؟ هل توجد آلية تقنع الرأي العام الأردني بأن التمسك بالثوابت ممكن في ظل صراع عسكري ينزلق في الإقليم؟
تلك أسئلة ترددت في عمان، لكن الإجابة عليها غير متاحة بعد، وإن كان منبر أخبار اليوم الذي يتقدم بوضوح كصحيفة إلكترونية هو أبرز من حاول الاجتهاد بالعبارة الملكية، طارحاً ثلاثية «الأردن يعرف موقعه.. يحمي دوره.. ويتمسك بثوابته».
في حديث الثوابت، ثمة الكثير من النقاش واللغط وأحياناً اللغو السياسي التشكيكي، فيما المقاربة التي تربط ما بين التشكيك بثوابت الأردن والتطورات هي تلك التي تقترح معادلة تصفية القضية الفلسطينية، لا بل حلها على حساب الأردن ومصر والنظام الرسمي العربي مباشرة، بعد مرحلة حسم الصراع مع الجمهورية الإيرانية. وكيف يحافظ الأردن على ثوابته إذا ما أخرجت إسرائيل إيران من المعادلة في القضية الفلسطينية؟
هذا هو السؤال الأصعب أردنياً هذه الأيام، حيث لا إجابة لا حكومية ولا أهلية متاحة بين يدي الرأي العام، وحيث الدولة تحتاج إلى تقنيات وأدوات وأظافر ومخالب لحماية الثوابت. وثمة خلفية تجعل الإجابة على السؤال ذاته صعبة ومعقدة. الوضع الاقتصادي معقد حتى قبل الحرب وأزمة النخب والأدوات في الحكومة، ودوائر القرار مستمرة، والتناقضات تنهش الوثائق الإصلاحية المرجعية، والمطلوب مواجهة الاستحقاق الإسرائيلي المقبل بدون القوة الأبرز في الشارع الأردني التي تم حظرها مؤخراً.
المشهد في جذره معقد وحمال أوجه، والتمسك بالثوابت هو إيحاء بقدرات الدولة الأردنية القادرة في كل حال على مواجهة الإسرائيليين. لكن الحقائق والوقائع تشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي، على حد وصف الحلايقة، يقضم الوقائع والتاريخ والجغرافيا بالتدريج وبكل دهاء وخبث، فيما المواجهة والاشتباك في حاجة ملحة إلى برمجيات وأدوات أكثر شراسة وتتجاوز في المشهد الداخلي الأردني تلك المحاصصات التكنوقراطية التي تطغى على السطح وتحتكر الميكروفون، فيما الزعامات والنخب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابي تم تجريفها.
كيف سيواجه الأردن الاستحقاق الإسرائيلي؟ هنا سؤال الخلاصة، وخطاب الثوابت طبعاً يحاول الإجابة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading